أحمد عبدالله الشاوش
أصبح المشهد اليمني بعد ثلاث سنوات وأربعة شهور أكثر وضوحاً للمشاهد اليمني والمتابع العربي والدولي ، من ان تحرير اليمن من جماعة الحوثي وتطهيره من مخالب ايران مجرد أكذوبة ، وحق يراد به باطل ، وان الحرب بهدف استعادة ” الشرعية” ” ذريعة” مكنت جناحي التحالف السعودي- الاماراتي المدعوم بالسلاح الأمريكي الفتاك والدعم اللوجستي الكبير من انشطار اليمن الى العديد من الدويلات التي يتحكم فيها تجار الحروب من بقايا الشرعية المتهالكة وحزب الإصلاح والقاعدة وداعش ، والسلفيين والحراك الجنوبي و الحضرمي والشبواني والتهامي ،والحوثيين والمؤتمريين وغيرها من التنظيمات والمسميات المتوحشة والاليفة التي لا تؤمن بالدستور ودولة المؤسسات وحقوق الانسان والسلام.

وما يؤكد ذلك المشهد الفظيع والسيناريو المريع ان “التحالف السعودي” في الحرب على اليمن لم يكن له إرادة صادقة ونوايا حسنة وهدف نبيل في استعادة ” الشرعية” في اليمن من جماعة الحوثي والحفاظ على أمن واستقرار وسيادة اليمن منذ انطلاق عاصفة الحزم ، كما تفاءل بعض اليمنيين ، وانما الهدف الرئيس بحسب قراءتي هو تدمير ما تبقى من الدولة اليمنية بعد توحش الربيع العربي المدمر، وأن سيناريو العبث بسيادة اليمن وثرواتها ومواقعها الاستراتيجية، تحت غطاء الشرعية المنتهية الصلاحية جلي للعيان، بدليل ان الرئيس الشرعي “هادي” صرح بالصوت والصورة لوسائل الاعلام أثناء فراره من صنعاء الى عدن وتوجهه الى سلطنة عمان أنه تفاجئ بضربة عاصفة الحزم السعودية على اليمن في الـسادس والعشرين من سبتمبر 2015م ، ولم يخول او يصدر قراراً في نفس اللحظة بتوكيل السعودية بهذه المهمة ، إلا بعد ان بدأت عاصفة الحزم نيرانها دون أي اعتبار للشرعية الدولية والقانون الإنساني وبعد ان حط هادي رحالة في الرياض وتم احتوائه !!؟

ولذلك فإن المراقب اللبيب يعي ان ما تنقله المطابخ السياسية في الرياض وابوظبي وصنعاء وعدن عبر امبراطورية الاعلام الموجهة من اخبار وتقارير وتحليلات عن انتصارات ” وهمية” لرفع المعنويات وحفظ ماء الوجه ومغالطة شعوبها.. وجبهات الجوف وتعز وإب والبيضاء ولحج وحجة وشبوة والضالع وجيزان ونجران وعسير خير شاهد على المسرحية الهزلية لتجار الحروب من حيث انتصار اللحظة ثم التقهقر، كما ان جبهة” نهــــــــم ” تمثل أكبر ” فضيحة” في عالم الحروب بعد ان شارفت السنة الرابعة دون أي نتيجة رغم آلاف المقاتلين والضحايا والمليارات وبطش طيران التحالف والصواريخ والقنابل الفتاكة ، في حين تم القضاء على الرئيس الأسبق ” صالح ” بـ 16 مليار ريال يمني لمشايخ ” طوق صنعاء ، يقال انه تم استعادتها بالقوة بعد تنفيذ المهمة” بحسب ما تناقلته وسائل إعلامية !!.

صعدة منطقة آمنة وعمق للرياض:

ورغم ذلك يركز التحالف السعودي على اسقاط محافظة صعدة بأي ثمن لتحويلها الى منطقة” آمنة” وعمق للرياض على غرار جيش لبنان الجنوبي بقيادة العميل ” لحد ” تحت مزاعم” حماية حدود وامن إسرائيل.. ويواصل التحالف تقدمه في جبهة الساحل الغربي للسيطرة على ميناء الحديدة الشريان الرئيس للاقتصاد اليمني وباب المندب تحت ايقاعات حماية وتأمين الممر الدولي وقطع امدادات الأسلحة الإيرانية وهو ما يناقض استعادة ” الشرعية ” في اليمن.

كما ان المشهد اليمني يؤكد ان تجار الحروب المحليين والاقليميين والدوليين لا يريدون للمعركة ان ” تنتهي” طالما جنوا المليارات ووقودها أبناء القبائل وليس أبناء القيادات والنُخب ، وما ان يتم التوغل في منطقة حتى يتم المساومة عليها والتراجع الى المربع الأول ما يثير أكثر من علامة تعجب واستفهام.

سقوط المشروع الوطني:

في ظل هذه الاستراتيجية المشبوهة سقط المشروع ” الوطني ” بسقوط الكثير من النُخب السياسية والعسكرية والأحزاب التقدمية والثقافية والدينية والإعلامية الغارقة في المصالح الشخصية والثارات والتصفيات السياسية والطائفية والمذهبية والقروية والسلالية وهوى التبعية، وغاب ” الشرفاء” الذين دفعوا ضريبة كبيرة للحفاظ على قيم الثورة والجمهورية والوحدة ، لنكتشف ان جميع اطراف الصراع في اليمن مجرد أدوات للسعودية والامارات وقطر وايران وان كل المؤلفة قلوبهم في خدمة العم ” سام ” وان الوطن بريء منهم كبراءة الذئب من دم يوسف وان من أرتوت الأرض اليمنية بدماء المجاهدين الصادقين في سبيل الوطن عند الله احياء ، وان المشروع ” الوطني” أسمى من المشاريع الرخيصة والأفكار المسمومة والثقافات المريضة والايدلوجيا المتوحشة التي تفتقد الى الإرادة والحرية والمصير

فالواقع المرير يؤكد ان دول التحالف ليس في نيتها” الحسم” في “شمال اليمن” على وجه الخصوص وفي مقدمتها العاصمة ” صنعاء” بدليل كلما تقدمت قوات الشرعية أو تجاوز فصيل منها الخطوط الحمراء تم قصفه بنيران صديقة ليكون عبره للأخرين وكذلك الحال مع الحوثيين وفق سيناريو خطير يهدف الى ” استنزاف” “الانسان” اليمني وتدمير ما تبقى من البنى التحتية وصناعة عملا جدد ، كما لا توجد رغبة لإطفاء النار التي تم أشعالها طالما المال السعودي والاماراتي يجري في خزائن واشنطن ولندن وباريس وموسكو ومشايخ اليمن ويتدفق الى المنظمات الحقوقية والإنسانية والاممية المُفرخة كما يجري الشيطان في دم ابن آدم ، وما الدمار المرعب ودماء الابرياء في اليمن وقصف المدارس والمستشفيات وصالات الافراح ومجالس العزاء والاسواق الشعبية والمصانع ومنازل المدنيين التي حولت اليمن الى اطلال ومآس بلاحدود إلا خير شاهد على ذلك السيناريو المريع.

فهل تدرك السعودية والامارات وفرقاء السياسة لعبة الأمم القذرة وحجم الخسائر الفادحة وبشاعة المستنقع اليمني ، وهل يعي الجميع المسؤولية الأخلاقية والإنسانية وحق الجوار وروابط الاخاء بدلاً من المقامرة والغرور وسياسة الاستنزاف التي أدت الى قتل وجرح مئات الألاف وتهجير ملايين النازحين والمشردين وتحويل أكثر من عشرين مليون تحت خط الفقر ومارافق ذلك من انقطاع المرتبات وانحراف وتدمير الاسرة والنسيج الاجتماعي وغياب الخدمات وتلاعب المنظمات الدولية والإنسانية بالمساعدات الغذائية والطبية وسيطرت ” الجماعات المتنفذة” في جميع المحافظات اليمنية على جزء كبير منها وبيعها للتجار ، والهناجر والبدرومات في عدن وتعز وصنعاء ،،، خير شاهد..

وأخيراً ..هل آن الأوان للأخوة الأعداء الجلوس على طاولة المفاوضات للتوصل الى تسوية سياسية لإحلال السلام في اليمن وإنقاذ ما يمكن إنقاذه في ظل غياب الحسم والاحلام الوردية والاستقواء بأمراء الحرب ، للتفرغ لعملية البناء والتنمية وإعادة الاعمار وبناء علاقات جديدة يسودها الاحترام المتبادل والسلام الدائم.. أملنا كبير.

shawish22@gmail.com

حول الموقع

سام برس