بقلم / منى صفوان
مظاهرات الأردن واعية، مطالبها محددة، ضد الفساد لا ضد النظام،  وقد تشكل فرصة لإصلاح النظام الاقتصادي ومحاربة الفساد، وهي تحرك مدني يحترم ، وشأن داخلي لايثير جدل احد، لكنها نتاج  أزمة الاقتصادية متفاقمة، في بلد محدود الموارد متخم بالفساد، ويتنفس اقتصاده على المساعدات، والاهم  من كل هذا انه بدا مؤخرا في تغيير خارطة سيره وتحالفاته.

فوضع الاردن الاقتصادي ليس جديدا، المملكة الهاشمة “كدولة مصطنعة” كانت  دائما  برغم واقعها الاقتصادي، لاتعيش ازمة خانقة وتهديدا يستهدف وجودها، كما هي اليوم، حيث ينفجر الشارع بهذا الشكل.

 فهي دائما كانت دولة مستقرة برغم انها  ناشئة  وليست غنية او مكتفيه ذاتيا، لكنها كانت تسير وفق المطلوب منها خلال قرن مضى، وتاريخ الاحداث السياسية الفارقة في المنطقة منذ الستينات وحتى اللحظة يوضح دور الاردن الحقيقي  في الصراع العربي- الفلسطيني.
 لكن القرن الجديد جاء وجاءت معه صفقات جديدة، ستغير من دور  الاردن،  وتطلب منه ان يقوم بمهمته التي انشئ من اجلها “ان يكون وطنا بديلا للفلسطينيين”.

توطين الفلسطينيين في الاردن، وسحب دوره في الاشراف على المقدسات المسيحية والاسلامية في القدس، يهدد شرعية التاج الهاشمي، الذي يعيش عزلة عربية غير مسبوقه، لذلك  لعلك لاحظت تغير مواقفه وتحالفاته خلال السنوات الأخيرة.
 فالمحور الذي كان محسوبا عليه “السعودي” هو من  يمارس عليه هذه الضغوط للقبول ، وان قبل انتهى وجوده ، لذلك  بحث عن حلفاء وداعمين  اخرين “تركيا- ايران” وحاول تغير دفته، لكن كان الوقت قد انتهى، الازمة الاقتصادية ابتعلت الطريق الذي خطط ان يمشي عليه، وانفجر الشارع.

  التحرك الشعبي لايهدد عرش الاسرة الهاشمية، لكن هذا ايضا مرهون بقدرة الملك على استيعاب ردة الفعل والتعامل معها، لانها مازالت ضد اجراءات الحكومة، ولم تشكل اي خطر عليه .
الضغوط بسبب “صفقة القرن” لم تمارس مباشرة، انه فقط يترك ليواجه مصيره، ان نجى فهو يخرج اضعف، وان سقط فالامر ليس سيئا لاصحاب صفقة القرن، لذلك فالنظام الملكي  الان يواجه وحيدا أزمته الإقتصادية التي يمكن أن تفتك به أن تُرك، انه يواجه ازمة وجود،  لم يشعر بها وهو الاردن الذي يعيش على المساعدات – الاستثمارات ” خاصة الأمريكية- السعودية”
لكن اهتزاز العرش الاردني، او تهديد مصير الأردن ، لن يكون خبرا سارا على المدى البعيد بالنسبة للعروش الخليجية، وكذلك الأنظمة الجمهورية التي تواجه ذات الضغوط والأزمات الاقتصادية.

المرحلة هي مرحلة هز العروش في المنطقة، لاتوجد انظمة محصنة،  وصفقة القرن ان مرت ببنودها المسربة، ستعني انهاء شكل المنطقة الذي نعرفه ، لديك سوريا التي ستقسم دستوريا باشراف روسي، ولديك لبنان المقسم، والخليج الذي يعيش تجربة سباق التسليح بين المعسكرين القطري- السعودي، واليمن المشتعل والذي تشعل نيرانه المنطقة، ومصر التي تراقب بحذر وهي تعيش ذات الضغوط الاقتصادية، وايضا ضغوط توطين الفلسطينين في شبه جزيرة سينا.

ماذا يفعل العرب بانفسهم، لن نلوم الشعوب التي تتحرك لتطالب بحقها في الحياة، بعد ان صمتت لعقود  على حكومات وانظمة فاسدة، ولا نطلب منها ان تعي حقيقة اللحظة التاريخية الحرجة.
 فان بقيت هذه الانظمة فانها تبقى على رماد الشعوب وعلى حساب كرامتها، وان زالت فانها توقد نارا تلتهم الحي والميت، فأي كارثة نعيشها، ان مصير المنطقة مرتبط، بقدرة انظمتها على الاعتراف ان الامن العربي كتلة صماء، اختراقه من اي عنصر اقليمي او دولي يعني غرق الجميع ، وهذا ما يحدث.

وان من يخدمون الان صفقة القرن، ظنا منهم انها اصدقاء امريكا، ويبتسمون لاسرائيل في سبيل تثبت انظمة حكمهم وعروشهم، فان هذه العروش ليست ثابته، ولاتوجد اي مقومات لبقائها الطويل، مع تواصل استنزافها في الحروب والتسليح، عروش لا ترتكز على قواعد وشرعيات حقيقة، فهذه العروش لاثقل سياسي لها في المنطقة، ولا ثقل شرعي شعبي لها في الداخل، وتاريخ بلد عزيز كالاردن  يقول انه مهما راهنت على الامريكان فانك ترهن مستقبلك بايدهم.

المصدر: رأي اليوم

حول الموقع

سام برس