سام برس
السيطرة على المطار لا تعني ان سقوط الحديدة بات وشيكا.. واليمن بات على حافة الكارثة الاضخم في العالم.. هل يجبر الحوثيون التحالف السعودي الاماراتي الى “حرب مدن” استنزافية طويلة؟ ام هل ينسحبون من الحديدة للحفاظ على صنعاء مثلما فعلوا في عدن؟ ولماذا نعتقد ان خريطة الطريق التي وضعها الرئيس صالح في “الفيديو” قبل اغتياله بساعات الحل الامثل؟

عبدالباري عطوان:

دخلت الحرب في اليمن مرحلة حاسمة بعد اعلان الجيش التابع للرئيس عبد ربه منصور هادي، المدعوم بالتحالف السعودي الاماراتي وقوات مقاومة تابعة للجنرال طارق محمد عبد الله صالح، ومنطقة الجنوب والساحل، عن احكام سيطرته على مطار مدينة الحديدة الدولي، وبات على بعد سبعة كيلومترات من مركز المدينة.

قرار اقتحام مدينة الحديدة وحشد آلاف الجنود لتحقيق هذا الهدف جاء بعد توجيه دولة الامارات انذارا الى قيادة “انصار الله” الحوثية بالانسحاب الكامل من الحديدة قبل منتصف ليل الثلاثاء فجر الاربعاء الماضي، والا مواجهة هجوما كاسحا من الارض والجو والبحر، وجاء هذا التهديد لينسف مفاوضات اجراها المبعوث الدولي مارتن غريفيث مع الحوثيين كادت تتوصل الى اتفاق بتسليم الميناء لاشراف الامم المتحدة مقابل تسديد المصرف المركزي لرواتب الموظفين في المناطق التي يسيطرون عليها مثلما قالت مجلة “الايكونوميست” البريطانية الشهيرة في عددها الاخير.

الهدف الاساسي من هذا الهجوم الذي كشفت صحيفة “لوفيغارو” اليوم (السبت) ان قوات فرنسية تشارك فيه على الارض، هو حرمان الحوثيين من آخر ميناء كبير لهم على الساحل الغربي يمر عبره 70 بالمئة من واردات اليمن، الامر الذي يوفر لهم عشرات الملايين من الدولارات كفوائد رسوم وضرائب على البضائع والسفن شهريا.
***
التحالف العربي برئاسة السعودية والامارات يتهم الحوثيين باستخدام الميناء لتهريب الاسلحة والصواريخ القادمة من ايران الامر الذي يهدد امنهم، ويطيل من امد الحرب في اليمن، ولكن الحوثيين ينفون هذه التهمة كليا، ويؤكدون ان هذه الصواريخ الباليستية التي اطلقوا حوالي 120 منها على مدن سعودية كبرى مثل الرياض وجدة وجيزان وخميس مشيط هي صواريخ سكود كانت في حوزة الجيش اليمني وجرى تطويرها محليا.

يعتقد السعوديون والامارتيون انه اذا احكموا سيطرتهم على ميناء الحديدة سيخضعون الساحل الغربي كله لسيطرة قوات التحالف الذي يتزعمونه ويحارب في اليمن منذ ثلاث سنوات، مما يشكل ضربة معنوية وعسكرية ضخمة للحوثيين قد تدفعهم للجلوس الى مائدة المفاوضات والقبول بشروط الاستسلام التي سيتم فرضها عليهم، والا فان الزحف ستبدأ لاقتحام صنعاء كخطوات تالية.

حروب السنوات الثلاث الماضية، وقبلها ست حروب اخرى خاضها الحوثيون ضد الرئيس الراحل علي عبد الله صالح وقواته اثبتت ان كلمة الاستسلام غير واردة في قاموسهم، قد ينسحبون من هذه المدينة او تلك، ولكن لمواصلة القتال على جبهات اخرى، اي ان القاء السلاح غير وارد في الظرف الحالي على الاقل.

هناك اكثر من 22 مليون يمني يعتمدون على المساعدات الانسانية القادمة عبر ميناء الحديدة، واذا استمرت الحرب، وجرى اغلاق الميناء وتخريب معداته، فهذا يعني كارثة انسانية عنوانها الابرز ان ثمانية ملايين يمني سيواجهون المجاعة.

الانباء القادمة عن سير المعارك في ميناء الحديدة من الصعب الوثوق بها كليا، لانها تأتي من مصدر واحد فقط، وهو اعلام التحالف، واذراع امبراطورياته التلفزيونية الجبارة، وضعف اعلام “انصار الله” الحوثي، لكن الامر المؤكد ان السيطرة على المطار لا تعني قرب سقوط المدينة وانتهاء الحرب فيها.

مصادر دبلوماسية “محايدة” اكدت لهذه الصحيفة انه رغم تعرض مواقع الحوثيين العسكرية لقصف جوي وبحري وارضي، وانضمام قوات حزب الاصلاح داخل المدينة لقوات التحالف بعد بيان صدر عن قيادته (الاخوان المسلمين) يحثهم على الانتفاض ضدهم (الحوثيين) “واستقبال ابطال الجيش بكل تشكيلاته استقبال الفاتحين”، فان حرب الحديدة قد تطول، لان هناك 600 الف يقطنون فيها، ربع مليون منهم ربما يواجهون الموت.

المصادر نفسها اكدت لنا ان الحوثيين يواجهون قوة عسكرية جبارة تتواضع قوتهم امامها، ولكنهم في موقع دفاع، وكل جندي مدافع يحتاج الى خمس جنود مهاجمين لقتله او اعتقاله، حسب النظريات العسكرية، والاهم من ذلك والاخطر ان يجر الحوثيين القوات المهاجمة الى حرب مدن استنزافي، الامر الذي سيزيد من اعداد القتلى في صفوف المدنيين اولا، وصفوف المتحاربين وخاصة قوات التحالف وحلفائها ثانيا.

لا نعرف ما اذا كانت مدينة الحديدة ستسقط ام لا، وكم ستحتاج قوات التحالف من الوقت لتحقيق هذا الهدف، وكيف سيكون ردة فعل المجتمع الدولي في حال تصاعد اعداد القتلى من المدنيين واستفحال معاناتهم، لكن ما نعرفه انه من الصعب، بل من المستحيل ان يتقبل الحوثيون الهزيمة، وسيواصلون القتال، وقد تنتقل الحرب الى الحرب الاصعب، اي حرب الجبال التي يتمتع فيها الحوثيون بأمرين اساسيين، الاول الخبرة، والثاني وجود حاضنة ضخمة من التأييد لهم.

الحوثيون انسحبوا من عدن العاصمة الثانية عندما ادركوا انهم لا يستطيعون الدفاع عنها، وربما ينسحبون من الحديدة للسبب نفسه، وان كانت لدينا بعض الشكوك، ولكن بعد معارك مدن شرسة هم الاكثر دراية وخبره فيها، ولمدة اطول لانهم يعرفون انها خط الدفاع الاقوى للدفاع عن صنعاء لاحقا.
***
الرئيس الراحل علي عبد الله صالح، قدم خريطة طريق للحل، تشكل مخرجا للجميع من هذه الحرب الدموية، في آخر “فيديو” سجله قبل مقتله بساعات، تقول بالحوار وعدم الاقصاء، ومرحلة حكم انتقالية تتلوها انتخابات عامة.

السؤال: هل تقبل دول التحالف بهذه الخريطة، هل تقبل بها حركة “انصار الله” الحوثية، هل يتبناها المجتمع الدولي والامم المتحدة؟ لا نملك الاجابة، ولكننا واثقون ان سقوط مدينة هنا واقتحام اخرى هناك لن ينهي هذه الحرب، واليمنيون منهم خاصة يملكون ارثا هائلا من الكرامة وعزة النفس، والرغبة في الثأر والانتقام.. ولذلك فانه بدون العمل بخريطة الطريق هذه، والاصرار على فرض الهزيمة على هذا الطرف او ذاك عسكريا قد يطيل من امد الحرب لسنوات قادمة.. والله اعلم.

رأي اليوم

حول الموقع

سام برس