بقلم/ حسن عبدالوارث
ماذا تقرأ؟ ... كيف تقرأ؟ ... والأهم: لماذا تقرأ؟

إذا استطعت الاجابة عن هذه الأسئلة - لاسيما السؤال الأخير- يغدو في امكانك التوصُّل إلى ادراك سرّ القوة التي تمنحك إياها قراءتك، أو ما يُعرف بسلطان القراءة.

فالقراءة بقدر ما تمنحك مفاتيح المعرفة، فهي تمنحك سلاح الشجاعة، تبعاً لذلك أيضاً . فالديكتاتوريات -مثالاً- لا تشعر بالرعب إلاَّ ممن يقرؤون. فالديكتاتوريات تدرك جيداً أن القارىء -والقارىء الحصيف بالذات- من شأنه أن يصل بالضرورة إلى فهم حقيقة وسرّ الهشاشة التي تعاني منها تلك الديكتاتوريات في كل زمان ومكان.

منذ أن بدأت الكتابة -ومعها القراءة كقرين شَرْطي لها- في أواسط الألفية الرابعة قبل الميلاد في بلاد الرافدين، لم تبدأ ملامح المعرفة بالكون وأشيائه بالظهور فقط، بل بدأ أيضاً سطوع الالمام بكل ما يتصل بالعلاقات والعواطف وأسرار النفس البشرية، في أعقد تجلياتها وأدق تفاصيلها.

إذْ لم يعرف الانسان حقائق ذاته -منذ ذلك الفجر الكبير- وعلى نحو جيد، من خلال البصر واللمس وسائر الحواس، كما كانت عليها الحال الآدمية قبل الكتابة والقراءة، انما من خلال الاتصال المباشر بوسائل المعرفة التي تطورت تدريجياً منذ ذلك الحين.. فلم يعد مجرد حيوان صارخ، بل ناطق ، قبل أن يصير مفكر بفضل نقش الحرف وقراءته.

كتب الكثيرون في موضوع القراءة، من نواحٍ عدة، بمناهجها وطرائقها وسايكلوجيتها وسائر أطروحاتها التي تتشعب في الأشكال الفنية والمضامين الموضوعية، على قواعد ومدارس وفلسفات شتى.

فكثيرون يقرؤون، وما هم بقراء.. وكثيرون لا يدركون أن القراءة تتجاوز البصر إلى أعمق بؤرة في البصيرة.. وكثيرون لا يعرفون أن قراءة الصورة -مثالاً- تغدو في حالاتٍ ما، أهم من قراءة الكلمات.

وفي رأيي الشخصي أن من أهم الكتب التي تمنحك المعرفة الحقة بموضوع القراءة، الشائك والشائق في آن، هو كتاب "تاريخ القراءة" للكاتب الارجنتيني المتميز آلبرتو مانغويل وهو أنجب تلاميذ الكاتب الارجنتيني الفذ خورخي بورخيس. وقد صدر هذا الكتاب في العام 1996 فيما صدرت طبعته العربية الأولى سنة 2001 عن دار الساقي.

وهو كتاب يجول بك في عالم القراءة الساحر المبهر المسيطر بكل ما يكتنفه من كنوز معرفية نفيسة وأسرار غامضة ومدهشة لا يقع عليها إلاَّ من تعبَّد في محراب الكتاب وتوحَّد معه في ثنايا سطوره وأمعن في معانيه ببصيرته لا بصره. وأنت تخلص من هذا الكتاب بكثير من القواعد الثمينة والدروس الحكيمة، ليس أهمها اكتشافك أن من يقرأ -يقرأ حقاً- لا يمكن أن يشعر بالعزلة تحت أي ظرف أو حالة، حتى لو كان مقيماً لوحده في جزيرة معزولة عن العالم كله. ويقول مانغويل: قد نتمكن من العيش بدون كتابة، لكن ليس بدون قراءة. وهو محق في هذا القول كل الحق. فالقراءة ضرورة حياتية حتمية من دون أدنى شك، ولا أدري من في استطاعته دحض هذه الحقيقة !

- ماذا يقرأ اليمنيون، اليوم؟

والسؤال في غاية البساطة ربما.. غير أن الاجابة عنه في غاية الكآبة:

-لا شيءَ حقيقياً، أو لا شيءَ جديراً بالذكر!

وقد يبدو الاستثناء الوحيد هو ما يتمكن بعض القراء من قراءته اليكترونياً عبر مواقع تعنى باحتواء الكتب في شبكة الانترنت عبر تنزيلها بنظام pdf.

فالوسائط المتعارف عليها في الحصول على الكتاب لم تعد متوافرة في اليمن منذ اندلاع الحرب فيها قبل ثلاثة أعوام. فلا حركة استيراد، ولا معارض كتاب، ولا اصدارات تخرج من المطابع المحلية التي توقفت عن الدوران، فيما المكتبات لم تعد مكتظة بالكتب والمجلات الثقافية الرصينة إلاَّ ما كان معروضاً فيها أو موجوداً في مخازنها منذ العهد السابق للحرب التي شلَّت عصب الحياة في هذي البلاد.

وقد تتواتر الأخبار عن اصدارات جديدة في هذا العالم، غير أنها مستحيلة التوافر في سوق الكتاب اليمنية، لأنها ببساطة صدرت في الخارج الذي تحجبه عن اليمن هذه الحرب التي قطعت سبل الاتصال والتواصل عبر منافذ البر والبحر والجو. حتى أولئك الكُتَّاب والأدباء اليمنيين الذين صدرت لهم كتب هناك، لم يتمكنوا من الحصول على نسخة يتيمة من مؤلفاتهم!

أما بسطات الكتب المستعملة التي كانت تزدان بها شوارع صنعاء وعدن ومدن أخرى فقد باتت شحيحة الزاد والرواد، جراء الأسباب ذاتها التي أصابت المكتبات الخاصة والعامة. واِنْ توافر فيها أحياناً بعض ما يستحق، لا تتوافر القدرة الشرائية لدى الغالبية، مهما كانت الأسعار معقولة، فالشخص الذي قطع برابرة الحرب راتبه الشهري أو دخله الثابت أو رزقه الدائم، لا يمكنه أن يقايض ثمن اللقمة سعراً لكتاب مهما رخص هذا السعر!

وليس سراً أن كثيراً من المثقفين -بينهم أدباء وكُتَّاب- سعوا إلى بيع مكتباتهم الشخصية ليتمكنوا من اطعام أطفالهم، غير أنهم اصطدموا بحقيقة مريرة: عدم قدرة أحد على الشراء.

انه ربيع البارود.. وخريف الكتاب!

حول الموقع

سام برس