سام برس

هل تقبل مصر مشاريع “تسمين” قطاع غزة على حساب أراضيها شمال سيناء؟ ولماذا تتعهد السعودية والامارات وقطر بتمويل المرحلة “التمهيدية” لصفقة القرن؟ وهل يرضخ عباس لضغوط الرياض ويرفع “الفيتو” عن لقاء المبعوثين كوشنر وغرينبلات؟ ولماذا نجزم بأن مشاريع تصفية القضية ستفشل؟



ونظراً لاهمية المقال التحليلي للصحفي والكاتب الكبير "عبدالباري عطوان" وماتمر به القضية الفلسطينية من تآمر، يعيد " سام برس" نشره للقارىء العربي :



*يستعد المبعوثان الامريكيان، جاريد كوشنر وجيسون غرينبلات، للقيام بجولة شرق أوسطية تشمل خمس دول هي مصر والمملكة العربية السعودية ودولة الاحتلال الإسرائيلي والأردن وقطر، للترويج لصفقة القرن، والحصول على موافقات من الدول المذكورة، على هيكلها الرئيسي ومحطاتها الرئيسية.

موعد هذه الجولة لم يتقرر بعد، لكن هناك تسريبات إخبارية تؤكد انها ستبدأ الأسبوع المقبل بزيارة القاهرة، التي من المتوقع ان تلعب دورا كبيرا في تمرير هذه الصفقة التي سيكون عنوانها الأبرز “تسمين” قطاع غزة، وتحسين الظروف المعيشية لمليونين من سكانه، وإقامة ميناء بحري ومطار جوي في منطقة رفح المصرية المحاذية له، الى جانب محطة كهرباء عملاقة، وأخرى لتحلية المياه.

 الإسرائيليون توصلوا الى قناعة راسخة بأن استمرار حصار قطاع غزة، وخنق أبنائه، سيؤدي الى انفجار، وتعاظمت هذه المخاوف، بعد مسيرات العودة التي كشفت عن إرادة مقاومة فلسطينية إبداعية جبارة، عجز رصاص القناصة الإسرائيليين عن كسرها، رغم استشهاد اكثر من 120 محتجا في أيام معدودة، بل أعطت اعمال القتل الاجرامية هذه نتائج عكسية بإظهارها إسرائيل كدولة مارقة ترتكب جرائم حرب امام العالم بأسره.
***
مهندسو هذه الصفقة الثلاثة، أي كوشنر وغرينبلات بالإضافة الى بنيامين نتنياهو الاب الروحي وكبيرهم الذي علمهم السحر المسموم، يريدون فصل القطاع عن الضفة الغربية نهائيا، وتحويل مطالب أبنائه في العودة الى مشكلة إنسانية، وتلبية احتياجاتهم الأساسية من ماء وكهرباء، وحرية السفر، باعتبارها باتت نوعا من الرفاهية بعد عشر سنوات من الحصار، والتجويع تماما مثلما حصل في العراق وليبيا وكوريا الشمالية، ويحصل في اليمن حاليا.

الهيكل الأساسي لصفقة القرن هذه تقوم على أساس خطة جرى تطبيقها بنجاح من قبل توني بلير، رئيس الوزراء البريطاني الأسبق في ايرلندا الشمالية، عمودها الفقري اغراق المناطق الفقيرة المحاصرة التي كانت مصدر امداد للتطرف والمنخرطين في الجناح المسلح للجيش الجمهوري الايرلندي بالأموال والاستثمارات المالية الضخمة مع حلول سياسية جزئية مما يجعلهم ينعمون في الرخاء ويلقون السلاح، وهذا ما حدث فعلا.
دول الخليج، السعودية وقطر والامارات، ستكون الممول الرئيس لهذه الصفقة، وكل ما يتفرع عن مرحلتها التمهيدية الأولى في القطاع من مشاريع البنية الأساسية الخدماتية، وتتردد حاليا تقارير تفيد بأن كوشنر وغرينبلات حصلا على موافقات مبدئية بمنح إماراتية سعودية تصل قيمتها الى مليار دولار، ويسود اعتقاد بأن إضافة قطر الى جولة المبعوثين الامريكيين جاء لتحقيق هدفين، الاول مساهمة قطر ماليا في تمويل هذه المشاريع، والضغط على حركة “حماس” لعدم اظهار أي معارضة لها، وضمان “حياد” قناة “الجزيرة”، وعدم فتح شاشتها للمعارضين، والا فعليها تحمل النتائج، وعلى رأسها تغيير النظام.

الرئيس الفلسطيني محمود عباس يتعرض لضغوط متعاظمة من مصر والمملكة العربية السعودية لرفع مقاطعته اللقاءات مع المسؤولين الأمريكيين، واسقاط شروطه بالتراجع عن قرار نقل السفارة الى القدس المحتلة، ولكنه وحسب تقارير في الصحف العبرية ما زال يعارض هذه الضغوط، رغم ان المسؤولين السعوديين قدموا له اغراءات مالية ضخمة، وقالوا له لا تتسرع الحكم، التقي المبعوثين الأمريكيين واستمع اليهما، وابدي ما شئت من “تحفظات”، ونحن سندعمك، لكن هذه الخدعة، التي تهدف الى إضفاء غطاء شرعي على هذه الجولة، وانهاء المقاطعة لم تعط اؤكلها حتى كتابة هذه السطور، لكن من الصعب استبعاد أي شيء من سلطة قمعت “قواتها” بوحشية مظاهرات في ميدان المنارة في رام الله تطالبها برفع العقوبات عن قطاع غزة.

إقامة ميناء بحري وآخر جوي ومحطتي كهرباء وتحلية مياه كعناوين رئيسية لسلام اقتصادي تطبيعي مباشر، او غير مباشر، يأتي في اطار مشروع امريكي إسرائيلي لإعادة القطاع إداريا الى مصر مثلما كان عليه الحال قبل هزيمة عام 1967، وكمقدمة لعودة الضفة الغربية، او ما تبقى منها، الى الاردن، في اطار فيدرالي او كونفدرالي، أي لا امل بقيام دولة فلسطينية، والقدس المحتلة، خارج هذه الصفقة كليا بعد حسم امرها كعاصمة للدولة اليهودية، وحق العودة سيكون متاحا لعدد محدود من اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، ولكن الى المنطقة “الف” من الضفة الغربية فقط.
***
لم نسمع حتى الآن ما هو موقف السلطات المصرية من هذه التسريبات، وزيارة المبعوثين الأمريكيين وما يحملانه في جعبتهما من مشاريع في “رفح المصرية” تكون مقدمة لضمها الى القطاع، مثلما نجزم بأن الدول الخليجية التي سيزورها المبعوثين لن تقول لا لهذه الصفقة وتمويلها الاولي، فمن قدم 500 مليار دولار لترامب اثناء زيارته ليومين للرياض، وفرش له السجاد الأحمر، لا نعتقد انه سيقول “لا” لتقديم “مليار” دولار لتمويل مشاريع الصفقة المسمومة هذه.

الشعب الفلسطيني يحتاج الى الماء والكهرباء والميناء والمطار اسوة بكل الشعوب الأخرى، ولكن ان يكون مقابل هذه المطالب الأساسية هو التنازل عن ثوابته الوطنية، وحقوقه المشروعة في العودة وتقرير المصير وتحرير وطنه من النهر الى البحر، فهذا مشروع تصفوي مرفوض يجب ان يقاوم بكل الطرق والوسائل، ومهما بلغت التضحيات.

فلسطين لا تُقايض بمشروع كهرباء ومحطة تحلية مياه، ومطار وميناء على ارضها او في ارض الغير، فلسطين اغلى من ذلك بكثير، وشعبها الصامد المقاوم المبدع الشريف، لن تغريه كل أموال الخليج، ولن يركع لكل الضغوط الامريكية والإسرائيلية ضغوط أمريكا وإسرائيل مهم تعاظمت، ولن تجد الدولتان قلما فلسطينيا يوقع على تصفية هذه القضية العربية والإسلامية المقدسة.. والأيام بيننا.

نقلاً عن رأي اليوم

حول الموقع

سام برس