بقلم / صلاح السقلدي
برغم حجم المأساة التي ما تزال تُــكبر ككرة ثلج فوق رؤوس اليمنيين جرّاء الحرب الدائرة بأرضهم منذ أكثر من ثلاثة أعوام والتي أطلقتها المملكة العربية السعودية نهاية آذار مارس 2015م ” لأهداف مُــعلنة وغير معلنة” إلا أن في هذه الحرب الكثير من الغرابة والطرافة والخفة كنموذج جليّ لكوميديا سوداء تبعث عن الفكاهة الى حد البكاء, يميزها كثيراً عن باقي الحروب:

فهذا حزب الإصلاح “إخوان اليمن” أحد أكبر القوى المنخرطة بهذه الحرب، الحزب ذات الصبغة الدينية والذي يتلقى الدعم من السعودية لم يعد يتحدث كثيراً عن هذه الحرب على أنها حرب بين المسلمين والمجوس″ الحوثيين” كما درجت عادة بعض رموزه بداية الحرب, وكما ما زالت الجماعات السلفية الجهادية وغيرها من الجماعات المتشددة المشاركة بهذه الحرب تردده,بل أنه أي حزب الإصلاح أنصرف الى التطلع الى أهداف سياسية بحت خالية من كولسترول الخطاب الديني وصار ينشد استعادة الجمهورية في الرياض من معطف “المملكة”.! ويطلب استعادة الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة من كنف سُلطة ملَـكية عائلية مطلقة عمرها عشرات السنين, ويبحث عن نظام حكم ديمقراطي انتخابي في حضرة ملوك وأمراء أسرة حاكمة لمملكة منغلقة تعتبر الانتخابات ناهيك عن الديمقراطية برمتها ضربُ من ضروب البِدع والضلالة والتشبه بالكُــفار. ومن داخل فنادق المملكة التي ترى في الانتخابات خروجاً عن ولي الأمر يتحدث هذه الحزب الإخواني عن ضرورة إعادة الرئيس المنتخب” عبدربه منصور هادي” الى القصر الجمهوري في صنعاء وهو الرئيس الذي بالكاد سمَحَ له التحالف (السعودية والإمارات) بالعودة الى عدن بشروط.

بل والطريف في هذه الحرب أيضا أن المملكة السعودية تصنّف “حركة الإخوان المسلمين الدولية” التي يمثل حزب الإصلاح اليمني ذراعها الرئيس باليمن بالحركة الإرهابية وبأنها ركيزة قطــر باليمن وأن لها أجندة مريبة مع الدوحة بل ومع إيران, في الوقت الذي تتحالف الرياض مع ” الحركة الإخوانية اليمنية” بالحرب باليمن وتمولها بالسلاح والمال, وتمدها بكل أسباب القوة والتفوق والنفوذ, وتستضيف قادتها بقصورها الوثيرة في الرياض وجِدة,بل وتستجدي إخلاصهم لها بهذه الحرب.!

ونزيد من الشعر بيتا من الطرافة, وهو أن القوى التي ثارتْ على نظام الرئيس اليمني السابق “صالح” بسبب الفساد و بسبب توريث الحكم, قد شرعت منذ إسقاطه عام 2011م بأكبر عملية توريث للحكم في التاريخ اليمني الحديث, زاد هذا الأمر اتساعا منذ بداية الحرب تحديداً, من خلال عمليات واسعة النطاق بتعيين كل أقارب مسئوليها في مناصب حكومية وبالذات في السلك الدبلوماسي الى درجة أضحت فيها هذه السلطة محل تندر من قبل عامة الشعب بأنها سلطة جيوش من المناصب العائلية,مناصب الأولاد والأحفاد والأصهار والأنساب, كما بلغ في عهدها الفساد مبلغ ليس له مثيلا باعتراف الجميع بمن فيهم هي نفسها.

وفي حالة فريدة من نوعها عبر التاريخ أن الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا قد نزحتْ خارج البلاد فيما الشعب اليمني تم منعه من تخطي الحدود, حدود الدول التي قالت أنها أتت لتحرره من الاحتلال اليمني ,أي أنّها أتت لتحرر اليمن من اليمنيين, حتى صار الخليجي هو المحرر,واليمني هو الاحتلال.!

ليس هذا فحسب بل أن النزوح اليمني بهذه الحرب تم -وما زال يتم بصورة معكوسة- من الخارج الى الداخل, من خلال تهجير مئات الآلاف من المغتربين من السعودية الى اليمن, في ظل أوضاع اقتصادية يمنية غاية بالصعوبة تشمل كل مناح الحياة,أشدها وطأة الأزمات التي تعصف بالخدمات الضرورية ومنها مادة الوقود بكل مشتقاته وما يترتب على ذلك من معاناة بالغة، دون أن تحرّك الدول المحرِرِة” السعودية والإمارات” ساكنا حيال ذلك, وهي بالمناسبة من أكثر دول العالم انتاجا وتصديرا للنفط الى الأسواق العالمية إن لم تكن أكثرها .!

ومن الغريب بالأمر أن المناطق التي تطلق عليها السعودية والإمارات بالمناطق المحررة هي الأكثر تضررا بالأزمات من المناطق التي ما تزال تحت الاحتلال “اليمني”!….وبمناسبة حديثنا عن المناطق المحررة فأن هذا الأمر لا يخلو من الدهشة والخفة كذلك, ففي الوقت الذي تقول فيه السلطة الموالية للتحالف والمسماة بــ((الشرعية)) التي يقودها الرئيس هادي وحزب الإصلاح بأن هذه مناطق محررة فهي تقول أنها مناطق واقعة تحت الاحتلال الإماراتي.أو بمعنى أوضح فهي في توصيفها لها: (مناطق محررة محتلة).!!

تماما كطرافة الجانب الجنوبي المشارك بهذه الحرب والذي يتلّمس استعادة دولة الجنوب في أرض الشمال،وتحديدا في الساحل الغربي لمحافظة الحُـــديدة الشمالية من خلال مقاتلين جنوبيين يُــساقون الى محرقتها معصوبي الأعين من قبل طرف إقليمي” الإمارات” بالأجر اليومي والشهري, لم ينبس لهم هذا الطرف الإقليمي ولو ببنت شفه عن أنه سينتصر لقضيتهم بهذه الحرب, أو يطلق لهم وعود تحررية لا مِن فوق الطاولة ولا مِن تحتها, ومع ذلك فالبحث عن دولة الجنوب بالساحل الغربي بل في شمال محافظة صعدة على الحدود مع السعودية جارٍ على قدم وساق…ففي الوقت الذي قالت الإمارات مطلع هذه الحرب لهؤلاء المقاتلين الجنوبيين أنفروا خفافا وثقالاً لقتال قوات الرئيس السابق صالح والحوثيين من أجل مصلحة الجنوب وقضيته, فها هي اليوم تقول لهم تحالفوا مع قوات صالح من أجل مصلحة الجنوب وقضيته. و لسان حالهم يردد كل مرة وبكل سذاجة: ( مع الخيل يا شقراء).

نقلاً عن رأي اليوم

حول الموقع

سام برس