بقلم / طلال سلمان

لعل أظرف من أوصلتهم المقادير إلى موقع رئاسة الجمهورية هو الرئيس الياس الهراوي الذي كان يمارس “زحلاويته” في كل زمان ومكان، بغض النظر عن موقع الضيف او المضيف.

وأذكر انني التقيته إلى مائدة غداء في فندق شيراتون في منطقة الهوا، قرب الطائف (باعتباره من النواب الموارنة).. واللحظة كان موضوعها رئاسة الجمهورية. وحين سألته رأيه، قال بهدوء: أنا اعرف انني مش خرج.. من شان هيك، انا اشتغل لرينيه معوض..

ولسوف نعود إلى لبنان بعد انتهاء مؤتمر الطائف.. ولسوف يتلاقى النواب في مطار القليعات، ويتم انتخاب رينيه معوض بما يشبه الاجماع بعدما “انسحب” الياس الهراوي الذي نال في الدورة الأولى 14 صوتاً.
معروف ما جرى بعد ذلك، اذ اغتيل الرئيس المنتخب رينيه معوض غير بعيد عن السراي المؤقتة (وزارة الداخلية، حاليا).. واجريت انتخابات رئاسية في شتوره، وفاز الياس الهراوي بالمنصب الذي كان يراه بعيد المنال.

فأما نوادر الرئيس الراحل ومقالبه فأكثر من أن تُحصى.. وهذه بعضها:

ـ بعيد الانتخاب في شتورة باراك اوتيل، تم “تهريب” الرئيس الجديد إلى ثكنة الجيش في ابلح… واستنفرت “الاجهزة” البلديات والمخاتير والوجهاء للمجيء لتهنئة الرئيس. وكان بين هؤلاء مختار بلدة بعلبكية كان شريكا لالياس الهراوي، قبل الرئاسة في زراعة البطاطا.. ولقد انطلق الرئيس يطلق الوعود “إذا الله قدرنا” بإنصاف تلك المنطقة الساقطة من ذاكرة الدولة، فلن نقصر..

ويبدو أن “الرئيس” قد “زادها” فقاطعه المختار قائلاً: هون عليك، يا فخامة الرئيس.. فمزرعتي أكبر من جمهوريتك!

ذات يوم جاءت وزيرة الخارجية الاميركية مادلين اولبرايت إلى بيروت.. ولقد استقبلها الرئيس الهراوي في القصر الجمهوري بحضور الرئيس الشهيد رفيق الحريري ووزير الخارجية فارس بويز.. وكان رئيس الجمهورية يريد أن يختلي بضيفته ولو لدقائق، فاستخدم المصعد طالباً إلى الحريري وبويز أن يستخدما الدرج.

لفتت نظر اولبرايت الصور العائلية: الابناء والاحفاد، فأخذت تتأملها.. ولفت “حجمها” الرئيس الهراوي، حين جلست إلى جانبه فوضع يده على بطنها المنتفخ وهو يسألها: شو حبلي؟
ولقد بوغتت اولبرايت وردت: لست انا الحبلي، بل ابنتي!

ذات اعتداء اسرائيلي كبير، ولمناسبة الجمعية العامة للأمم المتحدة، قرر الرئيس الهراوي أن يذهب بنفسه إلى نيويورك، لكي يعرض ظلامة لبنان.. برغم انه كان قد أجرى جراحة لتوه، بسبب تجمد الدم عند رسغه، مما اضطر الاطباء إلى اجراء اللازم على طول الِرجل (من فوق فوق، لتحت تحت..)

كان الرئيس الراحل حافظ الاسد يرتاح إلى الرئيس الهراوي ويستمتع بظرفه الزحلاوي وصراحته، ولو حفلت ببعض الكلمات الخارجة على المألوف.. وهكذا فقد اتصل به بعد عودته إلى بيروت ليطمئن أن السفر لم يفسد الجراحة التي اجراها.. ثم انطلق يسأل عن التفاصيل..

قال الرئيس الهراوي، بطرافته: صار يسأل ويلح في السؤال، وين العملية، منين لوين جرحوا الساق لاستخراج نقطة الدم.. وهكذا قلت له: انا جايي لعندك. ركبت ورحت على القصر الجمهوري في دمشق، حيث رحب بي الرئيس حافظ الاسد، وعاد يتدرج في اسئلته حتى انهكني.. فوقفت وفككت الحزام والسحاب، وخلعت البنطلون، وقلت له: اتفضل، شوف.. من هون، من حد المشعر، إلى هون عند كعب الرجل!

*كاتب وناشر ورئيس تحرير صحيفة السفير
نقلاً عن رأي اليوم

حول الموقع

سام برس