بقلم/ احمد الشاوش
كان للأغنية العربية الاصيلة واللحن الجميل والكلمات الرائعة والصوت المميز صدى في اذن المستمع العربي ، وصورة جميلة لا تفارق خيال وعيون وذكريات المشاهد اللبيب، وكانت تلك الاغاني الجميلة تنُقش في ذاكرة التاريخ الإنساني بماء الذهب ، وتوثق اسطوانتها في عدد من استديوهات ومتاحف وارشيف العديد من الدول المتقدمة التي تعي قيمتها الفنية.

وكان عشاق الفن والطرب الأصيل من الرؤساء والقادة والوزراء ورجال الاعمال والشخصيات الاجتماعية والميسورين يحرصون على حضور حفلات كبار الفنانين ، بينما تجلس الاسر البسيطة في مصر وغيرها من مدن الفن الأصيل بجوار " الراديو " للاستماع الى ما تقدمه برامج الإذاعات الوطنية وراديو هيئة الإذاعة البريطانية في المساء من أغاني جميلة لأشهر المطربين من بينها ، اخي جاوز الظالمون المدى ، امي ياست الحبايب ، والاطلال وقارئة الفنجان ورباعيات الخيام ، وحشتوني ، مكه وفيها جبال النور ، قل للمليحة، بينما يستمع البعض الى الأسطوانات عبر مشغل البيكام الذي كان يشكل صيحة في ذلك الوقت ، وكان لكوكب الشرق ام كلثوم ، والعندليب الأسمر عبدالحليم حافظ ،وفريد الأطرش واسمهان وليلى مراد وشادية وفهد بلان وسيد درويش محمد عبدالوهاب وفيروز وفايدة كامل،،مكانة رفيعة وحب كبير أحدث نقله نوعية في مجال الفن والثقافة الراقية لدى الجمهور العربي.

واستطاع عشرات الفنانين والملحنين والشعراء والفرق الموسيقية في ذلك الزمن الجميل من احداث اعمال فنية متناغمة اطربت العامة وكانت ومازالت وستظل في قمة الابداع ، كل ذلك الكمال والتناغم أسعد وحرك مشاعر واحاسيس ووجدان وقلوب الجمهور العربي بفعل الأغاني الجميلة والالحان الاصيلة والكلمات الراقية والاصوات المميزة والأداء الرفيع ، ما جعل مصر وسوريا ولبنان والعراق والأردن عنواناً وقبلة للفن والطرب الأصيل الذي قدمه أولئك المبدعين ، ومازلنا نتذكر وديع الصافي وهاني شاكر وناظم الغزالي وصباح فخري وورده الجزائرية، وهيام يونس ، وماجده الرومي ونجوى كرم ونانسي عجرم واصالة واحلام ووليد توفيق وراغب علامة وكاظم الساهر وملحم بركات وعاصي الحلاني وغسان الرحباني ووائل كفوري وغيرهم من فناني العصر الحديث الذين مثلوا مدارس عديدة للفن العربي المعاصر.

وزخرت اليمن بالكثير من الادباء والشعراء والملحنين ونجوم الغناء والطرب الأصيل ، وكان ومازال للأغنية الصنعانية والحضرمية واللحجية والعدنية والكوكبانية السحر العجيب ، وتميزت كل مدينة بلون خاص عن غيرها ، هيجت قلوب جمهور الفن في اليمن والخليج ، وكان للحرية في جنوب اليمن الأثر الكبير في الاهتمام بالفن وتطوير الاغنية اليمنية ، في حين كان الفن في الشمال يمر بالعديد من القيود والعادات المتوارثة أيام الامامة ، ورغم تلك العوائق ناضل الكثير من الفنانين وساهموا في الارتقاء بالأغنية اليمنية والتراث الشعبي الأصيل من بينهم ، إبراهيم الماس واحمد عبيد قعطبي ومحمد جمعة خان واحمد قاسم وكرامة مرسال ومحمد سعد عبدالله ، ومحمد مرشد ناجي وفيصل علوي والزبيدي وعلي الانسي واحمد السنيدار وايوب طارش ومحمد حمود الحارثي وعلي السمة والاخفش والخضر وابونصار والعرومة ومحمد محسن عطوش وعبدالباسط عبسي وفؤاد الكبسي والاسدي وعلي حنش والعوامي.

وكان ذلك النجاح مرتبطاً بالقصائد التي كتبها عدد من الشعراء والملحنين من بينهم المحضار وادريس احمد حنبلة وحسن الشرفي وعبدالرحمن الانسي وعبدالرحمن قاضي وعبدالله هاشم الكبسي والبردوني وإبراهيم الحضراني والفضول وعبدالتواب سيف وعباس المطاع ، ولازلنا وسنظل نتذكر ذلك الاوبريت الرائع والعمل الفني الساحر والزي الشعبي الاصيل ، تحت عنوان" خيلت براقاً لمع" للملحن الكبير أحمد بن غودل، وكلمات عباس الديلمي.

بينما قدمت دول الخليج العربي الكثير من الفنانين والشعراء والملحنين واستغلت الإمكانيات المادية في تدريس وتطوير مدارس الفن التي ذاع صيتها في الافاق ، ومن بين تلك النجوم ، فنان العرب محمد عبده ، وطلال مداح وابوبكر سالم وعبد الرب ادريس وحسين الجسمي ونبيل شعيل وعزيزة جلال وعبدالله الرويشد وعبدالمجيد عبدالله واحمد فتحي وطلال مداح وعبادي الجوهر والجسمي ونبيل شعيل ،،،الذين ينتمي بعضهم لليمن ونهلوا من تراثه واتيحت لهم فرصة العيش في الخليج وعملوا على تطوير التراث الخليجي واستفادوا من مدارس الفن في مصر ولبنان وخلقوا فناً رائعاً وجمهوراً اروع بطول وعرض الوطن العربي.

كما اننا في اليمن مانزال نتذكر الالحان الجميلة والكلمات الرائعة واصوات بلابل كبار الفنانين التي صدحت حناجرهم بإغاني ، انستنا ياعيد ، عروسة ام بحر تدعوك يابنم تهايم حان غرسم شجر.. ياقلب كم سرك لقاء الحبيب ، اراك عصي الدمع ، ياقافلة عاد المراحل طوال ، وقف وودع ، ياحارس البن ، ياشاري البرق ، انا الشعب يافندم ، دق الجرس يامهندس حان وقت العمل ، عمال في المصانع ، اخي المسافر زمان الفرد قد ولى ، سلام ياروضة الاهجر ، صوت فوق الجبل ،،.

ورغم تلك الطفرة الفنية والسعادة الكبيرة والمعيشة البسيطة ، إلا ان الفوضى عصفت بكل شيء جميل ، وافقدتنا الكثير من المشاعر والاحاسيس الرقيقة وقتلت روح الامل والابداع وصادرة الفرحة وانتزعت كل الجميل، وحولت أيامنا الى تعاسة بعد خراب مالطا وقطع الارزاق وانتشار الفقر وغياب الدولة وحضور الزامل والرازم ، فلم نعد نسمع الأغنية الوطنية والثورية والعاطفية والتراثية والزراعية والإنسانية والسياسية في زمن التجهيل ولغة البندقية والتحريم والمشاريع الرخيصة التي دمرت احلامنا وبلدنا ، ورغم ذلك الجهل وتلك الفوضى العارمة والطغيان لابد من ان تشرق شمس الحرية بعودة الدولة ومؤسساتها وتنتعش الثقافة والمعرفة والفنون وتعود الروح والبسمة الى كل عشاق الفن والذوق والاصالة.

Shawish22@gmail.com

حول الموقع

سام برس