بقلم / د. عبدالله فارع العزعزي
- قبل 41 عاماً وتحديداً في 11 أكتوبر 1977م, امتدت يد الغدر والخيانة لاغتيال إبراهيم محمد الحمدي, ومعه أخاه عبدالله الحمدي لتنهي تلك الأيادي المأجورة, والملطخة بالدم, وبتخطيط وتمويل إقليمي ودولي, وتنفيذ بأيدً يمنية ... هذا الشهيد - المشروع الوطني- المسروق, والمغدور به, انتمى إلى أسرة يمنية همدانية أصيلة اشتهرت أسرته ومنطقته حمده بالعلوم الدينية أبرزها ممارسة أعمال القضاء, وقد كانت ولادة هذا المشروع الوطني "الشهيد" في 28/7/1943م, في منطقة قعطبة التابعة لمحافظة الضالع, عندما كان يعمل والده في مجال القضاء هناك, ومن أم تعود أصولها إلى بيت الخطيب المشهورة بالخطابة.. وقد تلقى تعليمه مثل أقرانه في تلك الفترة في المعلامة, ثم التحق بعد ذلك بكلية الطيران, لكنه لم يستمر فيها وفضل البقاء مع والده في ذمار للعمل في مجال التقاضي وحل قضايا المواطنين, وعند قيام ثورة 26/9/1962, انضم إلى الصف الجمهوري للدفاع عن الثورة والجمهورية في أكثر من جبهة, وصولاً إلى وضعه في السجن الحربي مع المجموعة التي سجنت في القاهرة.

ليعود إلى الوطن مدافعا عن الثورة والجمهورية في حصار صنعاء, وشغل موقع قائداً لقوات الاحتياط العام 1966م.

وبعد التسوية الجمهورية -الملكية 1970م- عمت مظاهر الفساد جميع جوانب الحياة فتقدمت القوات المسلحة ببرنامج تضمن (42) نقطة لإصلاح أوضاع البلاد مالياً وإدارياً, وقد كان الشهيد في الطليعة لتلك القوة العسكرية.

ونظراً لإخفاق تيار الاعتدال الذي قاد المصالحة في تسيير الأوضاع الداخلية, وتفاقم حدة الخلافات في صفوف تيار الإصلاحيين المعتدلين.

تم تعيينه نائباً لرئيس مجلس الوزراء للشؤون الداخلية, وقد استفاد من هذا الموقع في إدارة الصراعات.

قاد الشهيد الحمدي وزملائه الحركة السلمية في 13/6/1974م, وقد تم إعلان البيان الأول للحركة الذي ورد فيه ((وتجاه هذا الوضع المفاجئ والحرج وجدت القوات المسلحة والأمن نفسها أمام مسؤولية كبيرة وضخمة لا تملك خيار من تحملها والاضطلاع بها حرصاً على السلام والأمن والاستقرار, وحفاظاً على مكاسب الوطن وسيادته واستقلاله حتى تتبدد الغيوم وتنتهي الأزمة السياسية وتعالج المشاكل برؤية وتبصر وتعقل))

وقد استطاع في مدة زمنية واقعة ما بين 13/6/1974- 11/10/1977م, وكان حينذاك عمره 31 عاماً أن ينهض بالوطن في جميع المجالات أثبت للشعب أن القوات المسلحة قادرة على التغيير في أكثر من ميدان ومجال لحراسة الوطن وأمنه, وسيادته متزامنة مع النهوض الوطني الاقتصادي, والسياسي, والثقافي, والإداري...

فعلى صعيد الوضع الوطني الداخلي شهدت البلاد استقراراً سياسياً, وأمنياً, ورخاءً, وازدهاراً اقتصادياً في الزراعة, والتجارة, والصناعة, والثروة السمكية, والحيوانية, والجوانب المالية والنقدية.

وفي المجال الاجتماعي تطور التعليم والمناهج الدراسية وانتشرت المدارس في كل النواحي لتعليم الجنسين, ومحاربة الأمية. وكان للصحة مكانة مهمة في مشروع الشهيد, وللشباب ومعالجة غلاء المهور وفرص العمل, وللوظيفة ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب... وكانت الثقافة والفن بمختلف فروعها عنواناً للمرحلة التي تصنع الوحدة والمحبة والسلام... وكان الإعلام له رسالة وطنية...

ولحركة التصحيح والدور الرقابي والحركة التعاونية سمة من سمات مرحلة الشهيد المشروع الوطني.

وجعل يوماً للعلم, وعيداً للشجرة, وعيداً للجيش, وكان للمساجد رسالة مقدسة توحد المجتمع ولا تفرقه, تحارب التعصب أي كان مصدره ونوعه, وتدعو إلى الأخوة الوطنية, والمحبة والسلام... وكانت المعاهد الدينية من لبنات هذه المرحلة وعنواناً للوسطية والاعتدال والإرشاد.

كما أسس جيشاُ وطنياً, وقوات أمن للدفاع عن الوطن وأمنه وسيادته واستقراره.

ولم تكن التشريعات القانونية بعيداً عن اهتمامه, وكذلك قام بوضع برنامجاً وطنياً لانتخابات مجلس الشورى على أسساً ديمقراطية, وبذلك وضع مداميك وأسس بناء الدولة اليمنية الحديثة.

كما أدرك أهمية وحدة اليمن وأهمية موقع بلاده البرية والبحرية, وعمل على إنجاز ما يقوي ذلك استفادة من دروس التاريخ وجغرافية اليمن...وقد استطاع إدارة التناقضات لمصلحة الشعب أرضاً وإنساناً...

فضلاً عن ذلك أنفتح على الدول الإقليمية, والعربية, والإسلامية, والأجنبية انفتاحاً واعياً مبتعداً عن الوقوع في فخ الكبار ووظف علاقاته الخارجية لمصلحة وطنه وشعبه... هذا المشروع المتكامل لبناء الدولة اليمنية أزعج البعض داخلياً وخارجياً, وعندما هم وعقد العزم إلى زيارة عدن واللقاء برفيقه سالمين ربيع علي امتدت الأيدي المعروفة باغتياله في وليمة في منزل الغشمي ومعه أخاه عبدالله الحمدي ليسدل الستار عن مرحلة مشرقة من مراحل الحركة الوطنية التي قادت اليمن نحو المحبة والوحدة والسلام.

- رسائل:

1- إلى الشرعية في الداخل والخارج أين أنتم من الشهيد (المشروع) الوطني؟

ليس على مستوى الخطاب فقط, ولكن القول والفعل؟

2- إلى سلطة الأمر الواقع أن كان لا توجد لديكم عقدة من الشهيد الحمدي فأين أنتم من مشروعه وصناعة السلام والوحدة والرخاء التي حققها.

3- إلى الأستاذ والعلم الوطني الشامخ محمد سالم باسندوة بكيت على وطنك مبكراً, ولم يفطن أحد لذلك فوصلنا اليوم إلى بكاء أزيد من 25 مليونا من اليمنيين.

وأخيراً نقول وسنمضي واثقين... وعلى درب يونيو سوف نسمو على زحل

والله من وراء القصد.


*أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة صنعاء

حول الموقع

سام برس