بقلم/ جميل مفرح
* المساء الذي مرَّ قبل لحظاتٍ، لم تكن مزنه خاويةً ولم يتطفل الكدر على مساحةٍ من آفاقه..

فقط كانت الرعودُ مبحوحة، وكان المتبقي من تمتمتها مبعث ريبة.. كان السعال المكتوم يجرني من أقصى نقطة مشتركة في رئتيَّ ويطوِّح بي حتى أصاب بالنعاس، ثم يغافلني ويتوقف للحظات وجيزةحتى أستيقظ، ثم يعاود الكرَّة..

* هكذا أقضي جلَّ مساءاتي مشغولاً بمدافعة اليقين بما أنا عليه.. فأتظاهر أنني مضطرٌ أن أقسم نفسي إلى شطرين متماثلين تماماً، ثم أتركهما يتسابقان صوب نقطة حبرٍ ضئيلةٍ جداً، أتقنها، بعيداً في الفراغ، ببقيةٍ من سن مثلوم لقلم ميت منذ عامين..

* ...، وكالعادةِ أشعل الفتنة بيننا (كخطيئةٍ غير مقصودة) على جسد الليل، وأظل أراقبنا ونحن معاً نكابر ونرتشف الإنهاك جرعاً مُرَّةً.. وأخيراً أنزل الساعة الثرثارة من ناصية الجدار المقابل وأكبها على وجهها، ثم أثقب لنا في جزء من مكانها كوةً، أحشرنا فيها وأسدها وأنام أو أتظاهرُ بالنوم..

* أشيخُ على هذا النحو، ومنذ زمن غير معلوم، ربما يكون الأزل أحد حدوده المحتملة.. أتخيَّلُني أحياناً جموعاً متكاملةً، وأحياناً أخرى كسَرا وشظايا، جمعها و إعادةُ تركيبها يحتاجان إلى أن أولدَ مجدداً وأبدأ من لحظة اصطدامٍ أخرى بالضوء والهواء والأيادي المقدرة.. وبين هذه وتلك قد أنجح مرةً وأتصور أنني (أناً) عادية للغايةٌ، حين تضيقُ بها الفكرة تلملمُ ما تيسر لها من لغةٍ وتتقوَّس على شيءٍ كهذا النحيب اللذيذ..

* كثيراً ما أشعر، وكهذه اللحظة، بأنني كتلةٌ شائكةٌ من الفوضى.. وربما قطعةُ حجرٍ منسيةً تضيئُ حينما تشعرُ بأنَّ الضوءَ أبعدُ ما يمكن من الإدراك.. أعلم ما في بالكم الآن، ولكن لامشكلة على الإطلاق.. فالأحجار أيضاً تشعر حين نريد لها ذلك..

* أحبُّ نفسي كثيراً، وأقسو عليها أكثرَ.. وبين هذا وذاك لا أجدُ مساحةً مناسبةً تصلح لأن أكون فيها متفرجاً أو شاهداً فحسب.. تحيط بي الخساراتُ المفتعلة من كل جهات الكنايةِ وثغور الكتابة، فأقرر عنوةً أن أنجو بنفسي و...، ننهزمُ معاً، لا نقترفُ ولا نبتكرُ أشياءً ولا نلوي على شيء أكثر من البحث عن وسادةٍ وثيرةٍ نتقاسمها وننفصلُ عن بعضنا حتى ميعاد آخر.

حول الموقع

سام برس