سام برس
إعداد د / لبنى مرتضى

المثقّف هو رسول الحرية إلى الناس، وأداته هي اختراق جدار السلطة الحدودية بين أجزاء كل المتغيرات ليصل بالكلمة والدلالة إلى المستوى الحضاري، فهو ليس ذلك المتعلم الذي يقرأ و يكتب، بل هو القادر على الاستفادة من المعطى المعرفي في المنظور الإنساني، وهو المستفيد من التجربة الاجتماعية المحيطة ليصنع من ذلك قوام هويةٍ وخصوصيةَ تمايز، والحامل قضية تعايش مجتمعه بضمير حي كُوِّنَ من تداخل المعطى المعرفي مع المعطى الأخلاقي والوطني، ليصبح ذلك الإنسان_ الأقدر على التعامل من المنظور الإنساني، وإعطاء حالة التكامل بين ما تقدمه الحياة وما يقدمه هو مفهوما خاصا ينشىء صراعا لغويا عبر هذا التعدد المتنامي الذي يحقق توازن الإنسان.

فآلة التثقيف الأولى هي اللغة التي تربطنا بالماضي، وإذا كانت مدروسة بطريقة صحيحة يمكنها ان تفتح أمامنا آفاقا للمستقبل.

فالكتابة هنا هي أداة لخدمة الانسان، وتعمل على إسعاده، وهي متلازمة مع الخير والشر في الآن الواحد، فهنا نعي تلازم القلب والعقل، لأنها الصوت العالي الذي يمارس دوره في تفكيك طلاسم الظلام وبناء النور.

ويتمثل هذا في تصور أن العالم كثيف بالمعنى الذي يقال به عن الحجر إنه غريب عنا، فالإثارة تأتي من الخارج، من الظروف، ومن الأحداث، ثم تتجه نحو الذات وتتوغل وتلتهب في متاهات سحيقة، لترتد من بعد إلى الخارج فيضا قويا يتحدى ويبعث الانفعال من مرقده ليولّد بينه وبين الكلمات علاقةً أقرب للانفجار الشعوري الذي تحدثه المشاركة الوجدانية بين الكاتب وطين حروفه.

فإن الأرض هنا تتشقق عن أكثر من بذرة، والنباتات الصغيرة تنمو في ظل الريح، دربها الدرب ولو أنه غير ممهد، وبدايتها على سطحيتها وضبابيتها إعلان عن حياة جديدة، لإشراقات جديدة، وفكر جديد، ورؤى أغنى وأصدق.

أما عن الأديب الشاعر خالد أبو خالد، فإن شعلة الحياة ظلت تلتهب في أعماقه، وبالحس السليم عرف كيف يكون معاصرا، وكيف يقول الكلمة التي تظل حية رغم كل الملابسات.
فهو نفسه الرؤيا، وبالصورة الموجزة الفياضة، وبالإيماءة البعيدة البعيدة، كان يشف أدبا وشعرا، فهو يلتهب بالنار سيالات شعور، حنانا وتصلبا، حبا أو تدميرا، .لكنه يظل باستمرار موجزاً معجزاً، ينصهر في قصيدة الفكر والإحساس والصورة ، كي ينتقل إلى القارئ ضمن المدى المفتوح، للانتماء والجذر والأصل الأصيل، وإلى أبواب وراءها دنيا بغير حدود..
فعند سؤالي له عن فلسطين قال:

فلسطين هي الاسم الحركي للوطن العربي، وهي القضية المركزية للأمة العربية، وبالرغم من كل ظروف المد والجزر في الأداء السياسي للقوى الفاعلة على هذه الأرض.

فلسطين هي موضوع الصراع الذي يخوضه الوطن العربي كله، هي ليست قضية نزاع، وإنما قضية صراع العدو، فيها مركب وقديم من المحلي إلى العالمي، ولأن الأمر كذلك تستنفر الأمة منذ ما يزيد على خمسمائة عام، قواها لكي توفر عوامل الانتصار، فلسطين في داخلي هي وجدان عميق جمعي وفردي ومن هنا فهي تشكل بالنسبة لي الدافع والأفق.

_ ومن خلال حديثنا عن المقاومة بالنسبة للشاعر والتي تعتبر الزاد الذي يتغذى عليه ويخزنه ليخاطب الآخرين قال:

لقد اخترت هذا الخط تحديدا، لأن في معارك المصير ثمة خطين متصادمين، المقاومة والاستسلام، فالمقاومة شرط الانتصار، والاستسلام لا بيئة له هنا، الاستسلام ظاهرة مرافقة لحركات المقاومة ومصادقة لها في آن.
ولكنها التي تبقى وتتطور في مواجهة كل عوامل الموت على الأرض العربية.
ومن هنا كان اختياري للمقاومة، هو اختيار مصير وبدون ذلك السقوط الحتمي.

ولأن إرادة الحياة لدي أقوى من إغراءات السقوط فأنا شاعر مقاوم..
بيني وبينك شفرة النص المقاتل
من مخيمنا إليَّ
إني أخاف ولا أخاف
رفرف على كتفي واحملني إلي
أطير من جسدي إليك
خذني وخبئني بعيدا عن بساتين النشيد.
وعن رأيه بالمشهد الثقافي السوري، وبما يسمى بشعراء الأزمة(أو شعراء المقاومة)..حدثنا

المشهد الثقافي في سورية يعيش حالة طبيعية، فالطفيلية ظاهرة مرافقة للاقتصاد والسياسة، ومناحي الحياة فتقوم العوامل الأقوى، العوامل الأساس بطردها من مرحلة إلى أخرى وهي أشبه بالفايروس الذي يتحصن بذاته استنادا إلى محيط غير ناهض، ولأن الأمر كذلك فالصراع مستمر والطفيلية عابرة، والنصر أكيد.

_ يعرف عن خالد أبو خالد بأنه أيضا فنان تشكيلي فهل اندمجت فكرة المقاومة مع اللوحة واللون لديك أيضا؟

بين القصيدة والتشكيل وشائج تتشابك وتتفارق ولكنها بالمحصلة خطّا تيارين كلٌّ يعبر عمّا في داخل الفنان والشاعر، هما شكلان من التعبير لا يتفوق واحدهما على الآخر، ولا يتنافسان .

لكنهما يتكاملان فتكون النتيجة تعبيران عن قضية واحدة بلغتين، ومعروف أن اللغة التشكيلية هي الأقدم، من لغة الكتابة فهي اللغة الأولى للإنسان ولأنها كذلك تختلف أدواتها.
_ ومن خلال حديثنا عن الأزمة السورية ماذا أضافت وأخذت من الشاعر الإنسان أبو خالد أجاب:

الأزمة في سورية أخذت مني الاستقرار، وأضافت لي روحا إضافية، هي ما ساعدني ويساعدني على الصمود والمثابرة على المزيد من الاندماج في العمل النضالي على جميع الصعد، سوريا هي أمي، حاضنتي، ومواكبتي والتي تمنحني الحياة في كل يوم.

سوريا ليست أمي فقط، إنها أم العالم ومفجرة الحضارة والتقدم، منذ أن نشأت.
_ وعن المشروع الذي سعى الشاعر لبنائه في سورية قال:

أنا لم أسعَ لبناء أي مشروع في سورية، وإنما كانت سورية دائما قاعدة الارتكاز لمساري ومسيرتي، حين أتحدث عن سورية لا أحدد نقطة بداية ولا أحدد نهاية، المشروع في سورية هو مشروع هذا الوطن وهذه الأمة، وأنا عنصر مساهم في بنائه، إنه لا يبدأ من سورية ولا ينتهي فيها، أتحدث عن التاريخ، فسوريا هي البداية المفتوحة على بدايات جديدة في كل مرحلة من مراحل حياتنا.
_ صديقي الشاعر ما هو السؤال العصي على الإجابة ؟

أسئلة كثيرة عصية على الإجابة فليس صحيحا أن يزعم الإنسان أنه قادر على توفير كل الأجوبة عن كل التساؤلات، ولكن عليه أن يعمل على ذلك وأنا أعمل، ولأن الأمر كذلك يغدو السؤال عن الإجابات العصية متوالية هندسية تأخذ شكلها في كل مرحلة وفي كلمته الأخيرة قال :

إما النصر وإما النصر، وحين نؤكد على هذا المبدأ، فنحن نقول:
بإما فلسطين وإما فلسطين، أما عن سورية فهي أمنا التي تخيم فوقنا فتحمينا وإلى جانبنا، فتقاتل معنا، فسورية ليست اسما مجردا بدون وصف، إنها سورية العظيمة قلب العالم.
ببليوغرافيا الشاعر:

ولد خالد محمد صالح احمد المعروف باسم (خالد أبو خالد) في سيلة الظهر (جنين)عام 1937م، التحق بكلية النجاح الوطنية بنابلس، ثم انقطع عن الدراسة، وتنقل بين عمان وسوريا والكويت، وحصل على شهادة الثقافة العامة من ثانوية الشويخ، عمل في شركة نفط الكويت، ثم في الإذاعة الكويتية وتلفزيون الكويت، ثم ذهب إلى سوريا،فعمل في إذاعتها خلال العامين 1966_1968 وانتخب لأمانة سر فرع الاتحاد بسوريا، وهو محرر مجلة الكاتب الفلسطيني، وعمل رئيسا لقسم البرامج الثقافية والشعبية والمنوعات في إذاعة دمشق.
مؤلفاته:

1_ فتحي_ مسرحية_ عمان 1969.
2_ الرحيل باتجاه العودة_ قصيدة طويلة_ القاهرة 1970.
3_ قصائد منقوشة على مسلة الأشرفية_ مجموعة شعرية مشتركة_دمشق 1971.
4_ وسام على صدر الميلشيا_ شعر_ بيروت_ 1971.
5_ تغريبة خالد أبو خالد_ شعر_ 1972ّ.
6_ الجدل في منتصف الليل_ شعر _ دمشق 1973.
7_ أغنية حب عربية إلى هانوي_ شعر_ بغداد 1973ّ.
8_ وشاهرا سلاسلي أجئ_ شعر _ بيروت .
9_ بيسان في الرماد_ شعر_ بيروت 1978.
10_ اسميك بحرا، اسمي يدي الرمل، شعر، المغرب 1991.
11 _دمي نخيل للنخيل،شعر، 1994.
12_ فرس لكنعان الفتي ، شعر، دار الاداب 1995.
13_ العوديسا الفلسطينية، شعر، 2008.

حول الموقع

سام برس