بقلم/ عبدالباري عطوان
ولماذا فشلت رواية الاعتراف بالجريمة بعد انكار وتخبط في اقناع الكثيرين؟ وما هي الخطوة الثانية التي ينتظرها ترامب؟ واي من "الكباش" سيقف في قفص المحكمة النهائية؟

الرواية الرسمية السعودية التي تعترف بمقتل الصحافي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في إسطنبول مليئة بالثقوب، والثغرات، وتعكس محاولة يائسة لكسب الوقت، ولهذا قوبلت بالشكوك، وصعّدت المطالبات باجراء تحقيق دولي شفاف.

فالقول بأن خاشقجي قتل اثر شجار وقع بينه واشخاص قابلوه في القنصلية تتسم بالكثير من الركاكة والسذاجة، وغير مقنعة على الاطلاق، فالرجل لم يذهب الى القنصلية من اجل الشجار، وانما لاستلام وثيقة قانونية، من المفترض انها جاهزة ولا يحتاج امر التسليم الا بضعة ثوان، ثم لماذا يكون الطرف الثاني من هذا الشجار يضم 15 شخصا؟ وحتى اذا كانت هذه الراوية صحيحة، وهي قطعا مفبركة، فان الرجل تعرض لاعتداء وكان في حال الدفاع عن النفس.

اعتقال 18 شخصا من المتورطين في هذه الجريمة، وفصل خمسة آخرين ابرزهم اللواء احمد عسيري، نائب رئيس المخابرات، وسعود القحطاني، المستشار الإعلامي المقرب جدا للامير محمد بن سلمان، ورئيس اركان جيشه الالكتروني، هو محاولة للبحث عن كبش فداء، وتحويل الأنظار عن الشخص المسؤول عن هذه الجريمة، أي ولي العهد السعودي.

لا يمكن ان يقدم اللواء عسيري، نائب رئيس جهاز المخابرات على هذه الجريمة، واعداد فصولها واختيار المشاركين فيها، دون أوامر من الأمير محمد بن سلمان، واكد هذه الحقيقة المستشار القحطاني في “تغريدة الوداع” على حسابه على “التويتر” انه لا يفعل أي شيء الا تنفيذا لأوامر الملك وولي العهد.
***
العائلة المالكة في السعودية تواجه احد ابرز التحديات التي تهددها ووجودها، واستمرارها، ولا نبالغ اذا قلنا انها اخطر من حربي اليمن الأولى والثانية، لأنها تأتي في وقت تواجه فيه انقسامات داخلية، وضغوط دولية، شعبية متدنية سواء على الصعيد الداخلي او الخارجي، فمجلس العائلة لا ينعقد، والامراء الكبار مهمشون، والكثير منهم صغارا، كانوا ام كبارا من الصعب عليهم رؤية الملك، والتشاور معه حول شؤون الاسرة والدولة، والمحظوظ منهم، عليه الانتظار لأيام، واذا جرى التجاوب لطلبه فانه يمر وسط إجراءات امنية مشددة للغاية، من بينها عدم حمل أي سلاح، وترك هاتفه النقال في الخارج، حسب رواية احد المقربين جدا منهم.

لا نعتقد ان الاعتراف الرسمي السعودي سيغلق صفحة هذه القضية المأساوية، كما انه لن يكون الأخير، وسيضاف الى ملف البيانات الأخرى التي حاولت طمس الحقائق مثل الادعاء بأن السيد خاشقجي غادر القنصلية، وانه لم يتعرض للقتل داخلها.

الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد، لم يجاف الحقيقة، عندما اكد في حديثه لوكالة بلومبيرغ بعد ثلاثة أيام من اختفاء خاشقجي انه غادر القنصلية فعلا، ولكنه لم يقل كيف، حيا او ميتا، بكامل هيئته ام مقطعا؟

الجريمة لن تختفي من صدر نشرات التلفزة وعناوين الصحف الرئيسية التي تتربع عليها حاليا، لان الدهاء التركي أراد ان يبقيها كذلك، ولان الحكومة السعودية ما زالت تخفي الكثير من الحقائق، وتأتي اعترافاتها بالتقسيط غير المريح قطعا.

الامر الوحيد المؤكد حتى الآن ان الخاشقجي قد انتقل الى الرفيق الأعلى خنقا او تقطيعا داخل القنصلية السعودية في إسطنبول، ولكن الجميع يترقب الدليل الأهم عن هذه الجريمة، وهو جثمان الضحية، والهيئة التي سيكون عليها، وكيفية اخفائه، سواء تحت الأرض او فوقها.

القيادة السعودية استطاعت بالمال وصفقات الأسلحة ان تتجاوز ازمة هجمات الحادي عشر من سبتمبر، ولكن سيكون من الصعب عليها تجاوز “ازمة خاشقجي”، لانها باتت داخلية أمريكية أولا، وعالمية ثانيا، ونقطة ارتكاز أساسية في الانتخابات التشريعية النصفية، وعامل توحيد، لأجهزة الإعلام الامريكية، والعالمية واذا كانت هناك استثناءات فهي محدودة، فمن كان يتوقع وقوف “سي ان ان” خصم ترامب، و”فوكس نيوز″ حليفته في خندق واحد.
***
ترامب يريد استخدام قضية خاشقجي لابتزاز المملكة ماليا وقضائيا، لتحقيق اكبر صفقة ممكنة، ولعل تصريحه الأخير حول الاعتراف السعودي بالقتل الا الدليل الأمثل، حيث وصف البيان بأنه تفسير “معقول”، وقال “انها خطوة أولى جيدة، وما حدث غير معقول”، نشرح اكثر: فقوله انها “خطوة أولى” يعني انه يجب ان تتبعها خطوات.. فما هذه الخطوات التي يقصدها؟ تغيير في هيكلية الحكم السعودي تشمل الاتيان بولي عهد جديد؟ ومن يكون؟

نشعر بأننا نقف امام سيناريو مشابه لتحقيق دولي، ومحكمة خاصة على طريقة “لوكربي”، ولكن بتعديلات كبيرة، وابرزها الذهاب الى المتهم الرئيسي، وليس “كيش الفداء” فقط، فالزمن تغير، والظروف تغيرت، والمحكمة الجنائية الدولية قد تكون الفصل الأخير لهذا المسلسل.

السعوديون نجحوا في تنفيذ العملية، وهو الجانب الاسهل، وفشلوا في التستر واخفاء الأدلة، وهو الجانب الأكثر تعقيدا.

الدولة السعودية الرابعة ربما تؤدي جريمة خاشقجي الى وأدها وهي مجرد نطفة.. والله اعلم.

المصدر: رأي اليوم

حول الموقع

سام برس