بقلم / احمد الشاوش
مازال وسيظل اليمنيون يستحضرون المثل اليمني القائل "واجب على من عشق يطحن "، بعد ان كانت المرأة اليمنية تقوم برعاية الأطفال واعمال البيت وزراعة الحقل وطحن الحبوب والرجل يكد لتوفير المتطلبات اللازمة للبقاء على قيد الحياة دون مراعاة للمرأة المطحونة.

ومازلت أتذكر أحد القياديين الزملاء أثناء المشي الى صنعاء القديمة بعد صلاة المغرب ، قبل سبع سنوات وما ان يصل الى باب اليمن حتى يرن التلفون ، ونلاحظ عليه علامات الارباك والحرج ، متسائلاً ماذا جرى .. يقول " الطحين" فيعود على وجه السرعة ، ولم نفهم ان الداخلية قويه وانه أول من طحن في أزمة الربيع العربي ، واننا آخر من طحن بعد السيطرة على صنعاء وعدن واخواتهما ، وان الشعب اليمني اليوم يبحث عن الطحين لتأمين لقمة العيش للبقاء على قيد الحياة وأن الشرعية وحكومة صنعاء طحنتنا حتى العظم بنار الأسعار وجحيم التضخم .

وتذهب الأيام الخوالي والذكريات الجميلة والأخلاق السامية ويسود العنف والفجور والطغيان ، ويغيب التفاؤل ويصبح الماضي والحاضر رغم حلاوته ومراراته مجرد أضغاث أحلام .

وتأتي الأيام السوداء لتسجل المرأة اليمنية حضوراً استثنائياً وتتحول الى عنوان للتضحية والصبر والايثار والتعبير عن رفضها للظلم والفقر والجوع بعد ان باعت مجوهراتها في سبيل اطعام أولادها ، وسقطت أكبر شنبات اليمن والكثير من المهرجين والمهنجمين والمنظرين وجنرالات المؤسستين العسكرية والأمنية وقيادات الأحزاب والمثقفين ورجال الدين ، مايجعلنا ننظر الى عظمة المرأة اليمنية بكل تعجب وسقوط أشباه الرجال.

وتحقيقاً لمقولة " ماعليش إلا تلحي ..الحطب والماء عليا " ، تحول الكثير من القيادات الحزبية والدينية ومشايخ طوق صنعاء الى معلبات منتهية الصلاحية واستنساخ بعضها الى ببغاوات ناطقة بعد ان خضعوا الى عمليات شد على غرار الشحرورة صباح ، وموظفي الدولة وغيرهم من المدرسين والأطباء والمهندسين ، من باحثين اكاديميين الى باحثين عن طلب الرزق بين مخلفات القمامة والبلاستيك والبحث عن حزمة حطب في غياب دبة الغاز وانعدام الرواتب وصار البحث عن الكراتين والأوراق لإشعال النار وعمل الخبز وطهي الطعام " مارثون " يومي للرجال والنساء والأطفال في الشوارع وعلى أبواب الدكاكين والمحلات التجارية وأماكن وقاعات الافراح والاحزان ، بل تحول البعض مع الأسف الشديد الى شحات بعد ان فقد كل شيء مع غياب " الدولة"، نتيجة للجدل البيزنطي العقيم والكفر بالنعم وتبني الفوضى الخلاقة ، ماجعلنا نتذكر قول الفقهاء في باب الطهارة ، " كثر الطهارة تخرج ...!!؟.

وكما جرت عليه العادة فان الكثير من اليمنيين يبالغ في المجاملة والحب ، والحقد والكراهية ، والحماقة والغباء السياسي مجسداً المثل القائل من المحبة دخل تحت السنف" ،وفي رواية "ما يعقل القبيلي إلا لوما يدكم راسة عرض الجدر" .

والتاريخ يصور لنا الكثير من المشاهد الدرامية والمواقف الساخرة والاخطاء القاتلة التي جعلت اليمنيون " أشبه بنمور شرق اسيا " الذين سرعان ما تحولوا الى قطط أليفة!! ، بعد ان اختلط الحابل بالنابل ، وصار للشعب اليمني فنوناً في الولاءات الشخصية والإقليمية والدولية والغزوات والقتال ، والاغتيالات والاعتقال، والفيد والنهب ، والغزل والرومانسية ، مجسدين بذلك أبشع صور العشق السياسي والعبودية ضد بعضاتهم البعض نتيجة للثقافة المغلوطة والتوحش في الثأر السياسي والانتقام الديني.

وفي غياب القائد الحكيم والدولة الرشيدة والاسرة والمجتمع الصالح وهوى النفس ، تحول اليمنيون الى عبيد لتجار الحروب والأزمات ، وصناعة الطغاة ونسج العبودية وقدمنا اموالنا وأولادنا في معارك عبثية زادت الطغاة طغياناً والضحايا مأس بعد ان شردت عقولنا وتفرقت قلوبنا وزاغت أبصارنا وهدمنا المعبد الذي نستظل تحت سقفه والقبلة التي نتجه اليها .

لقد تجاوزنا العشق الممنوع بعد ان كانت احلامنا بريئة ، وقلبت آلة الدمار الإعلامية كياننا عن بٌعد من المطبخ السياسي وتحول تجار الحروب الى قنابل موقوته وأفكار قابلة للانفجار ..ورغم اننا كنا أكثر شعوب الأرض محبة ووفاء وتراحم واحترام وتكافل ونخوة .. وأكثر التزاماً بالدين وحب الأرض وعشق الوطن ،إلا اننا أصبحنا نقدس الطغاة والقتلة والمنافقين والفاسدين والمحتكرين واللصوص ،،،>

ولذلك فانا معشر اليمنيين ندفع اليوم الثمن باهظاً دون استثناء نتيجة للحقد السياسي والايدلوجي ، فهل من رجل رشيد يمد يده الى السلام لإنقاذ السفينة ، مالم فإن النار ماتحرق إلا رجب واطيها .. اللهم احفظ اليمن وأهله وزلزل عرش من أراد به سؤ أو مكروه.

Shawish22@gmail.com

حول الموقع

سام برس