بقلم/ عبدالرزاق الباشا
واشتداد المعارك قبل كل مشاورات يدعو إليها العالم.. والحوثيون يرحبون بالدعوة

منذ أكثر من ثلاث سنوات والحرب قائمة على اليمن بأكمله ..أهلكت من خلالها الحرث والنسل،وشردت الكثير،وقتلت الأكثر من الناس الأبرياء . وأصبح الجميع يفترشون العراء، ويلتحفون السماء ، ويموتون جوعاً..، دون التفات من العالم الخرجي،الذي قيد في سجلاته الحرب اليمنية( حرب بلا أفق ،ومنحها جائزة الحرب المنسية في تاريخ الحروب) رافق ذلك غياب الأمم المتحدة من المشهد كلياً، التي صدمت العالم بتقريرها مؤخراً، وصرخت به بقصدٍ أو بدون قصد،.بأن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين،وفرت مساعدات حيوية لأكثر من 150,000 نازح يمني ،.بصورة فورية على مساعدات نقدية ،.في 14 محافظة، مستضيفة من المحافظات الأكثر تأثراً،.منذ مطلع عام 2018، ووزعت مساعدات نقدية، بقيمة حوالي 33 مليون دولار أميركي. وتهدف حالياً إلى توزيع ما مجموعه أكثر من 41 مليون دولار أميركي قبل نهاية العام. لسيستفيد 700,000 نازح داخلياً وعائد وفرد في المجتمعات المستضيفة المتأثرة بالصراع و130,000 لاجئ وطالب لجوء آخر في اليمن من هذه المساعدة في عام 2018.

**كل تلك التصريحات من المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤن اللاجئين. فتحت الشهية أمام الكتاب الإعلاميين والناشطين الحقوقيين والسياسيين الذين شنوا حملةً اعلاميةً على تلك التصرحيات ،.بأن تلك المساعدات والدولارات لم تصل منها حتى دولار واحد إلى الفئة المستهدفة (النازخين) الأمر الذي لفت الانتباه لدى سلطة الأمر الواقع بصنعاء ممثلة برئيس المجلس السياسي لأنصار الله (مهدي المشاط )يصدر قراراً بشأن إعادة تنظيم الهيئة الوطنية لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية ومواجهة الكوارث.

ومع معاناة الشعب اليمني ،.وبقائه مابين مطرقة الحرب القائمة لإطراف النزاع (بين مدعي الدفاع عن الوطن وبين قوات تدعي تحرير الوطن )،..وسندان دعوات العالم المتخاذلة لإيقاف الحرب فوراً..

تلك الدعوات التي تبنتها الولايات المتحدة الأمريكية،.إنطلقت وتزامنت مؤخراً مع دعوة المبعوث الأممي إلى اليمن ،السيد (مارتن غريفيث) لإستئناف مفاوضات جديدة في شهر نوفمبر،.هذا الشهر الأكثر شؤماً عند اليمنيين،. وخاصة مناطق خط النار..التي تشهد جبهات مشتعلة، تسابق مشاورات «نوفمبر» لتتجاوز الصيغة الأمريكية المنادية لإيقاف الحرب،..التي تشتد ضراوتها في أكثر من جبهة لتسابق الزمن، في محاولة لتغيير المعادلات الميدانية. قبل أي محاولات لتثبيتها على طاولة المفاوضات السياسة القادمة في نوفمبر.

حيث شهد الأسبوع الماضي تصعيداً أمريكياً واضحاً في دعواته.. لوقف الحرب فوراً، وعقد مفاوضات.. حُدد موعدها في غضون شهر، ومكانها السويد التي رحبت بذلك رسمياً ،مشدداً على وقف غارات مقاتلات التحالف العربي،ووقف الحوثيين إطلاق الصواريخ الباليستية باتجاه الأراضي السعودية.،.

ثم سارع الموقف الأمريكي أبعد من ذلك بكثير، إذ عرض وزير الدفاع الأمريكي (جيم ماتيس) خطوطاً عريضة لخارطة طريق الحوار قال( يجب أن تبدأ في نوفمبر وتتجه صوب القضايا الجوهرية)،..وتظمنها في مسارين..

المسار الأول : ضمان حدود منزوعة السلاح وفق جدول تدريجي طويل، بدءاً بالصواريخ الباليستية التي قال إن لا حاجة لها بعد الآن إذ لا أحد سيغزو اليمن، لكن ذلك المسار الذي عرضه وزير الدفاع الامريكي،. كان الرد سريعاً من قبل الحوثيين بإعلانهم منظومة بالستية جديدة من طراز( بدر1P) ، .

والمسار الثاني: إعطاء المناطق التقليدية لسكانها الأصليين ليكون الجميع في مناطقهم، دون الحاجة للسيطرة على أجزاء أخرى من البلاد.

الذي رأى فيه وزير الدفاع الأمريكي ،.أن هذا الأمر لمصلحة الحوثيين لأنهم سيجدون فرصتهم ومصلحتهم الأفضل، في حكم منطقتهم بمستوى من الحكم الذاتي، ولن يحتاجوا لمساعدة إيران،..التي لن تستخدم دولاً أخرى كطرق جانبية سريعة لإخراج أسلحتها لزعزعة الإستقرار، وتهدد الحركة التجارية في الخليج ،وإطلاقها على أهداف مدنية سعودية.

* لحق ذلك التصريح مباشرة دون تأخير ..تصريحات خارجية واشنطن (لمايك بومبيو)، الذي دعا لوقف الأعمال القتالية في اليمن، وبدء المفاوضات في شهر نوفمبر.،.ودعا (بومبيو) جماعة الحوثي للتوقف عن تنفيذ ضربات صاروخية ضد السعودية والإمارات، مقابل دعوة السعودية للتوقف عن شن ضربات جوية في كل المناطق المأهولة باليمن.

** الموقف الأمريكي تبعته مواقف داعمة ومؤيدة من دول غربية عديدة، أبرزها بريطانيا وفرنسا والسويد والإتحاد الأوروبي وكندا والأمم المتحدة، ودول أخرى.

* قوبلت تلك الدعوات الدولية لوقف الحرب في اليمن .. بصمت من قبل قيادات دول التحالف ممثلة بالعربية السعودية والإمارات المتحدة . أما الجانب الحكومي الممثل للشرعية فقد أعلن ،على لسان وزير خارجيتها ترحيبها بالحوار،..مع تمسكه بالمرجعيات الثلاث المتمثلة في المبادرة الخليجية، ومخرجات الحوار وقرار مجلس الأمن 2216.

**في المقابل وعند الطرف الآخر، أبدى الحوثيون على لسان ناطقهم الرسمي( محمد عبدالسلام) ترحيباً بالمفاوضات، لكنه طالب واشنطن بوقف دعمها ومشاركتها بالحرب على اليمنيين والإمتناع عن تزويد السعودية بالأسلحة وطائرات الإستطلاع والدعم اللوجستي، مشيراً إلى إستعداد جماعته لمواجهة أي تصعيد في الجبهات.

لكن رغم تلك الدعوات لإيقاف العلميات العسكرية..سجل يوم 1 نوفمبر 2018 عند اليمنيين يوماً دموياً بإمتياز ،إلى جانب المعاناة التي يعيشها وعاشها منذ مطلع عام 2015م..

وبحلول اليوم الأول من نوفمبر كانت المعارك على أشدها في عدة جبهات، بينها الجبهتان الأكثر حساسية محلياً ودولياً، جبهة الساحل الغربي (الحديدة) التي جائت بعد هدوء منذ أسابيع، بعد أن توقفت القوات المشتركة ( ألوية العمالقة والمقاومة التهامية وحراس الجمهورية) بقيادة العميد( طارق عفاش ) بأوامر من التحالف عند النقاط التي وصلت إليها أواخر سبتمبر الماضي.

وجبهة صعدة.. واشتداد ضراوة معاركها في أكثر من خمس مديريات

من 11 محوراً ،..وبمشاركة أكثر من عشرة ألوية عسكرية موالية للشرعية، التي تمثل المعقل الرئيسي للحوثيين ،..تزامناً مع جبهة الساحل الغربي ،.إلى جانب جبهتي البيضاء«فضحة، والملاجم» ومن خلالها تكون الإنطلاقة إلى أكثر من محافظة.

**الأحداث الميدانية الجديدة، وما رافقها من تأييد للمفاوضات ، تشير إلى أن الأيام القادمة ستشهد سباقاً على السيطرة الميدانية.. هي الأشد ضراوة منذ مطلع العام الجاري.

***وهكذا يرى بعض المحللين السياسيين.. أن دعوات التفاوض ،ووقف الحرب أكثر جدية..

وتحظى بتأييد عالمي واسع، ورغم صيغتها الأمريكية المعلنة بما تحمله من تفاصيل غير مقبولة للشرعية وحلفائها، فلن يكون بمقدور السعودية التي تقود التحالف ،..التملص من هذه الدعوات كما فعلت سابقاً مع مبادرة وزير الخارجية الامريكي الأسبق جون كيري، في ظل المتغيرات والضغوط الكبيرة التي تتعرض لها على خلفية مقتل الصحفي (جمال خاشقجي)، التي يرى كثير من المراقبين والمعنيين أن لها تأثير قوي للدفع باتجاه وقف الحرب في اليمن، وكان آخرها تصريح المبعوث الأممي (مارتن غريفيث) الذي قال إن مقتل خاشقجي شكل دافعاً قوياً للدعوات الأمريكية لوقف الحرب في اليمن.

*أما البعض الآخر من المتابعين عن كثب للحرب اليمنية،يرتأي إحتمالات الحرب.
الأول : الذي أشار إليه ( ماتيس) إلى انه يتم تقسيم اليمن بحيث تكون المناطق الخاضعة حالياً تحت سيطرة الحوثيين بحكم ذاتي، وخصوصاً «إقليم آزال» فيما تبقى بقية المناطق المحررة تكون مقسمة ما بين الحكومة وبين المجلس الانتقالي وكذا أتباع صالح ( أقليم تهامة)
واقليم سبأ للاخوان المسلمين.

الإحتمال الثاني : من يرى أن التصريحات الأمريكية، لإيقاف الحرب خلال ثلاثين يوماً، رسالة واضحة للتحالف والقوات المشتركة والموالية للشرعية،إعطاء فرصة أخيرة بتحرير الحديدة وصعدة والبيضاء وكافة الجبهات من تحت سيطرة الحوثي،.

أو أن الحوثي سيصبح سيد الموقف والمسيطر على طاولة الحوار المقبلة وإعلان إيقاف الحرب رسيماً في اليمن.

وإحتمال ثالث: يراه بعض المتابعين لما قاله وزير الدفاع الأمريكي بأن عليهم أن يفعلوا شيئاً لوقف الحرب في اليمن خلال ثلاثين يوما. والقصد من تحديد هذه المدة هو الحرص على إستغلال قضية خاشقجي قبل حلها، لأن هذه القضية تمثل فرصة للغرب لإبتزاز السعودية وإجبارها على تقديم تنازلات والقبول بالحوثيين كجماعة مسلحة على حدودها.

بينما هناك رأي مغاير للرأي السابق أن امريكا ودول آخرى أعطت دول التحالف بقيادة السعودية والقوات الموالية للشرعية.. فترة مزمنة لا تتجاوز الشهر الواحد، لتحرير الحديدة والبيضاء والأهم من ذلك صعدة وتحويلها إلى محافظة خالية من السلاح لتأمين الحدود السعودية وإلى أرض تخضع لرقابة دولية،. وإدخال قوات حفظ السلام (اليونفيل) حارساً للأراضي السعودية من أي تهديد حوثي يأتيها من الاراضي اليمنية .

**ختاماً : يرى المواطن كل تلك التداعيات لوقف الحرب في اليمن والترحيب بها من قبل الأطراف المتصارعة على شفرات الموت ،المتزاحمة في كل الجبهات ،..الذي طالب من منذ بداية الحرب من يومها بإقافها والدمار والخراب وإزهاق الأرواح البريئة،.الذي لم يلق لطلبه أي اهتمام..
والله من وراء القصد

نقلاً عن رأي اليوم

حول الموقع

سام برس