بقلم/ محمد العزيزي
لا شيء يمكن ان يصدمك و يجعلك تحتار عندما تصادف قول من أقوال العظماء يتحقق و تعيش واقعه رغم الفارق الزمني للقول و الحدث المعاش .. نحتار و تتلبسنا الدهشة و الإعجاب في قدرة شخص ليس برسول و لا بنبي يستطيع أن يشخص واقع قد يحدث مستقبلا و يعيشه و يتبنى به و يحذر الأجيال من مغبته و خطورته إلا عندما تقرأ لمفكرين و كتاب و أدباء و شعراء وهبهم الله تلك القدرة الخارقة في التوقع و الشعور بما قد يحدث ..

الإلهام و القدرة العقلية و الذهنية في قراءة هؤلاء العظماء تفكير و أفعال و أعمال مجتمعاتهم و ما يمكن أن يوصله نخبة هذه المجمعات بواقعها الاجتماعي و السياسي و الاقتصادي.

في اليمن يؤكد العديد من عامة الناس و النخب المثقفة أن نبي هذا العصر و هذه الأمة و الذي كان يمتلك بصيرة و مشاهد ما تعيشه الشعوب لاسيما الوضع في اليمن هو الشاعر الكبير المرحوم عبدالله البردوني رحمة الله عليه. . و إلى جانبه عدد من المفكرين و العلماء ..

إلا أن كل ما يقوله هؤلاء العظماء لا تلقاء أذن و لا قلوب و عقول تفهم و تتمعن في أقوال حكمائهم و يقرؤون تفاصيل تلك الرؤيا و الأفكار ليتجنبوا مخاطر وويلات أعمالهم المأساوية و الهاوية التي قد يتسببوا بها لشعوبهم مستقبلا.

بالأمس القريب أهداني المثقف و القارئ اللبيب الوالد عبدالله النخلاني _ مالك الثروة التنويرية من الكتب العلمية و الثقافية و التاريخية و السياسية _ أهداني كتاب للشاعر الأستاذ الدكتور عبدالعزيز المقالح تحت عنوان "لابد من صنعاء" و هو أول كتاب صدر للدكتور و الشاعر المقالح و عندما قرأته شعرت بعظمة هذا الرجل و زادت مكانته و أدركت أن العظماء و الهامات و المبدعين و المفكرين في هذا البلد كثر و لو استفادة الحكومات و الأنظمة و القيادات المتعاقبة من ما قاله هؤلاء العظماء لما وصلنا و شعوبنا إلى هذه المواصيل التي تعجز الكلمات عن وصفها و ما ألحقته بنا الأزمات المتلاحقة و ما فعل بنا الدهر من نكبات و مصائب متعددة الأنواع و الأحجام و التأثير .

الدكتور المقال أطال الله بعمره شخص في كتابه " لابد من صنعاء " قضايا كثيرة ووصف في أحد قصائده حالنا و البلاد و كأنه كان على علم عندما كتب القصيدة في سبعينيات القرن الماضي بما سيحدث لنا اليوم.

لن أطيل في الكلام بل سوف أجتزئ لكم هذه الأبيات التي توصف حالنا اليوم و تتوقعها لنا و قبل ذلك فإن "كتاب لابد من صنعاء" للدكتور المقالح هو أول كتاب له صدرت الطبعة الأولى عام 1971 م و أودع بدار الكتب برقم 4979. و أبرز محطاته و قصائده الإبداعية هي :

الأبطال و السبعون .. و بكائية ثور في حلبة المصارعة .. و عدن و دوتكيشون .
و من أروع تلك القصائد هي قصيدة. "الأم الميتة. . و الرضع الكبار " و هي القصيدة التي وصفت حالنا حيث قال :


مذبوحة على طريقكم .. مقطوعة اليدين و الأثداء .. مفقوءة العينين .. لا لبنا أبقت لها سنينكم .. لا ماء .. فما الذي تفتشون عنه .. تمتصون في الثديين ؟ .. حتى الدماء ترضعون ؟ حتى الدموع تشربون ؟ لا شبعت بطونكم و لا الأمعاء. . و لا ارتوت عيونكم يا أنذل الأبناء. .

و أنت أيها المراهق العجوز .. يا أيها الشيخ الرضيع .. منذ بقرتم بطن أمكم في زمن المجاعة الأسود .. لم تنزل الأمطار في دياركم و لا الربيع .

و لم يغب عنا نهار المحنة الأنكد .. لترفعوا أيديكم .. لترفعوا شفاهكم عن الميته .. عار على ( الذقون ) أي عار .. ليلتزم كل رضيع منكمو بيته .. يا أيها الأطفال يا كبار .. فربما عادت لها الحياة .. و ربما سالت على جبالها الأمطار .. و جاء بعدكم جيل مطهر الأكف و الجباه .
19 يوليو 1970 م عبدالعزيز المقالح.

حول الموقع

سام برس