بقلم/ زينب الصفّار
الدكتورة ماريا سلطان هي المُديرة العامة لـ "معهدِ الاستقرارِ الاستراتيجي لجنوبِ آسيا" SASSI في إسلام أباد وهو مركزُ الدراساتِ الفريدُ من نوعه والمُكرَّسُ لتعزيزِ السلام والاستقرارِ في منطِقةِ جنوبِ آسيا، حيث يتّخذ منهجاً مُتعدّدَ الاختصاصاتِ يهدُفُ إلى الجَمْعِ بين مختلِفِ تياراتِ التفكيرِ من خلالِ العلومِ الاجتماعيةِ والطبيعيةِ وصانعي السياساتِ بالإضافة إلى الأوساطِ الأكاديمية.

يدور التوجّهُ الرئيسيُ للعملِ الذي قام به المعهدُ حول المسائلِ والمُناقشاتِ النوويةِ المُتعلّقةِ بحظْرِ الانتشارِ ونزعِ السلاحِ، معَ التركيزِ بشكلٍ خاصٍ على إيجادِ السُبلِ والوسائلِ لتعزيزِ بناءِ القُدراتِ داخل المنطِقةِ وخارجها. ومع ذلك، فإن اهتماماتِ معهدِ SASSI تتجاوز الاستقرارَ النووي لتشمُلَ القضايا الأوسعَ نطاقاً للأسلحةِ الكيميائيةِ والبيولوجية، وتوازنَ القوّةِ التقليدي، والعَلاقاتِ المدنيةَ - العسكرية، والاستقرارَ الاجتماعي والسياسي، والتطرّفَ الديني، والأراضي المُتنازَعَ عليها في كشمير، والتي تُفيد بطبيعةِ الأمنِ والاستقرارِ في تلك الجغرافيا وتأثيرِ ذلكَ على القضايا الأمنيةِ المُتعلّقةِ بالعلاقةِ النووية.

ماريا سلطان هي مُحلّلة رائِدة في شؤونِ الدفاع الباكستانية ومُستشارة لوِزراةِ الدفاع حول الشؤونِ الاستراتيجية والعسكرية، ومُتخصّصة في قضايا الحدِ من الأسلحة النووية ونزع السلاح في جنوبِ آسيا وتطويرِ الاستقرارِ الاستراتيجي. وقد نُشِرَتْ مقالاتٌ لها على نطاق واسع في المجلاتِ الأكاديميةِ والصحفِ اليوميةِ والكُتب. في وقتٍ سابق، عمِلت الدكتورة سلطان كمُحرّرةٍ مُساعِدة في الصحيفةِ اليومية "المسلم" التي تصدُرُ باللغةِ الإنكليزية، وهي أيضاً عضوُ هيئةِ تدريسٍ زائِر في جامعاتٍ مُختلفة.

د. ماريا سلطان المعروفة جداً لبصيرتِها العميقةِ في البيئةِ الجنوب آسيوية الاستراتيجية وديناميّتِها النووية الأمنية تُخبرنا من الداخل عن التحديات الداخليةِ والخارجية التي تواجه باكستان اليوم وكيف يجب التعاملُ معها إن تحدّثنا من الناحية الداخلية، وسبَرنا أغوار المُجتمع فإن التحديات تنتشر أُفقياً وعمودياً، وإن تحدّثنا عن الوضع الخارجي مع التورّط الهندي في أفغانستان ونموّ تحالف الولايات المُتحدة مع الهند وكيف تُقيّم الدينامية اليوم وتصف استراتيجية باكستان ومُقاربتَها في تعامُلها مع "طالبان" و"القاعدة" و"داعش".

يقولون أحياناً إن موقعك وفي أيّة دولةٍ تولدين هو ما يُحدّد الدور الذي ستلعبينه في مسألة الأمن الدولي وباكستان تُعدّ بلداً من هذا النوع، حيث إننا لم نلعب دوراً بمنحى كيف يُدار الأمن الدولي وكيف لعبت القوى العُظمى دورها في هذه المنطقة وحسب، لكنها أيضاً لعبت دوراً مُحدّداً بمنحى النتيجة المُتمخّضة بالنسبة إلى شتّى الشُركاء الدوليين. لقد كانت باكستان حليفاً استراتيجياً للولايات المُتحدة لأكثر من 70 عاماً، لكن هذه العلاقة كلّفتنا من ناحية دفع الدولة نحو لعبة القوى الدولية بمنحى اصطفاف باكستان إلى جانبهم في الحرب الأفغانية الأولى بالقتال ضدّ السوفيات، وفي الحرب الأفغانية الثانية أقحمتنا في القتال ضدّ الإيرانيين، وبالطبع في الحرب الأفغانية الثالثة دُفعنا أقلّه إلى إعادة النظر في الطّيف الأفغاني بأسره بشكلٍ مُختلفٍ تماماً بعد وجود الولايات المُتحدة وحُلفائها المُختلفين الذين كانوا على الأرض، ألا وهي الحرب الأفغانية الحالية وهذا بشكلٍ أساسي عنى أن علينا التعامُل مع التحدّي الرقم واحد من الإرهاب، ألا وهو أنه مسألة عابِرة للحدود.

ثانياً، لقد كانت قد أُسّست ومُوّلت من قِبَل وكالات دوليةٍ مُختلفة ولديها برنامج دولي، وكذلك حقيقة أن علينا التعامُل مع النتيجة الدولية للإرهاب الدولي ألا وهي التجارة غير الشرعية، في حال أفغانستان كانت التجارة غير الشرعية بالسلاح وبالمخدّرات. ثانياً بالطبع هو كيفيّة مُعالجة المُشكلة من منظورٍ محلّي سواء إن كان يُنظَر إليها من وجهة نظر القوى العالمية، أو إن كان يُنظَر إليها على أنها معركةٌ ضدّ "القاعدة" وسواء إن نُظِرَ إليها على أنها معركةٌ ضدّ "طالبان"، وقد عانينا من وضعٍ استمرّت فيه أهداف الحرب في أفغانستان بالنسبة إلى المُجتمع الدولي في التغيّر، أولاً تمحورت حول مُكافحة الإرهاب، من ثمّ تمحورت حول مُكافحة التمرّد وبالتالي قالوا إن كُنّا ضدّ "القاعدة" فإننا ضدّ كُل حُلفائها وهذا عنى "طالبان" أيضاً، واليوم هناك أيضاً "داعش" كان هذا العامِل الأكثر تعقيداً لأنه بعد انسحاب عام 2014 كُنّا نتوقّع أن تهدأ الأمور، لكن بسببب استمرار تغيير أهداف الحرب من مُكافحة الإرهاب إلى مُكافحة التمرّد وبالعكس، فإن ما نواجهه الآن هو مستوى جديد من التهديد الذي يُعزى إلى سياسات القوّة الدولية ولم يجرِ التركيز عليه".

وعن مدى تصاعُد هذا التهديد اليوم تشير الأستاذة سلطان إلى أنه مُتصاعد جداً في أفغانستان.

"نحن نتعامل مع "داعش" بكونه ظاهرةً كُبرى مُستجدّة في أفغانستان. هناك تقارير أن القوات العسكرية الأميركية والمُتعاونين المُختلفين قد شوهدوا يدعمون وفي تناغُم مع "داعش". الإدارة الأفغانية صامِتة لكن من غير الجليّ ما سيفعلونه لذا فإن هذا يخلق مُشكلة لـباكستان. فعلياً وفي الوقت الراهِن يُقدَّر عدد "داعش" بـ 15 ألف مُقاتل والذين هُم من جنسياتٍ أُخرى مُتضمّناً أُناساً ليس فقط من أفغانستان بل من منطقة شمال أفريقيا بأسرها، والهدف بالطبع خلقُ خطوط أمامية جديدة ألا وهي بين السُنّة والشيعة ولإعادة تنشيط ذلك بطريقةٍ عسكريةٍ مختلفةٍ جداً، بالطبع فإن هذا يأتي مُخالِفاً لسياسات باكستان، لأن باكستان تؤمن بأن أيَّة مجموعةٍ تخلق العنف فإن الدولة الباكستانية ستعمل ضدّها، لذا فإن مُبادرة باكستان لمُكافحة الإرهاب التي بدأت بشكلٍ أساسي في 2001 بالرغم من أننا خُضنا مراحل مُختلفة قد نضجت الآن لتُصبح حرب الـ17 عاماً، حيث خسرنا 75 ألف شخص لكننا حقّقنا نجاحات رئيسية في سياسة مُكافحة الإرهاب أيضاً، حيث انخفضت الهجومات الإرهابية من 500 هجوم في الشهر إلى هجومٍ واحدٍ رُبما في خلال ستة أو تسعة أشهر. لقد استعدنا أكثر من ألفي كيلومتر من حدودنا المُتاخِمة لأفغانستان لجعلها مُستقّرة. طبعاً هذا يعني أن علاقتنا مع بُلدان مُعيّنة قد أصبحت صعبة، هذا يعني الولايات المُتحدة ويعني الحكومة الأفغانية حيث نضع في أولويّاتنا أمن إدارة وأمن حدود باكستان. ثانياً، نُريد الوضوح من ناحية أهداف مُكافحة الإرهاب مع أصدقائنا، إن أمكن إطلاق تلك الصفة على الولايات المُتحدة".

الهند وباكستان اليوم
لعلّها علاقاتٌ فاتِرة بين الهندِ وباكستان منذ قيامِهِما تخللَتْها ثلاث حروبٍ والعديدُ من عملياتِ وقفِ إطلاقِ النارِالتي لم تستمرْ، ولكنْ على الجارتين النوويّتينِ المُتعاديتين إقامة روابط تجاريةٍ في المنطِقة، هذا ما صرّحَ به المُتحدّثون في مؤتمرٍ إقليمي حول "الاتّصالِ والاقتصادِ الجغرافي في جنوبِ آسيا" الذي نظّمَهُ معهدُ باكستان لدراساتِ السلام PIPS، وهو مركزُ أبحاثٍ مقرُهُ إسلام أباد.

الفريقُ المتقاعد ناصر خان جانجوا، الذي استقال منذ فترةٍ وجيزة من منصبه كمُستشارِ الأمنِ القومي الباكستاني والذي خصَّ الميادين ومنَ الداخل بمقابلةٍ حصريةٍ ووحيدة بعدَ أنْ أمضى ما يقربُ من ثلاثِ سنواتٍ في هذا الموقع، ذكَر أنّ على الهند أن تحافظ على علاقةِ احترام مع جارتها الشرقية. مشيراً إلى أن الاستقرارَ في جنوبِ آسيا غالباً ما يكونُ شرطاً مُسبّقاً لخطوطِ التواصلِ فيه ، فمن خلالِ الاتصالِ يتحقّق النموُ الاقتصادي والاستقرارُ الأمني، وبحسَبِ جانجوا باكستان هي الدولة الوحيدة التي يمكن أن تزوِّدَ الهند بالقـُدرةِ على الوصول إلى الأسواقِ الغنيةِ في أوروبا عبر منطِقةِ آسيا الوسطى.

د. ماريا سلطان تستفيض في شرح قراءتها للخارطة المُستقبلية للمنطِقة وكيف يُمكن لـباكستان حماية مصالحِها ولا سيما في كشمير التي ستبقى هي القضية الأهم، وماذا حول التحالفِ الاستراتيجي بين الهند وإسرائيل وكيف تنظر إلى التعاون النووي والاقتصادي والاستراتيجي الباكستاني- الصيني الذي يتقدّم بسرعةٍ إلى الأمام اليومَ أكثرَ من أيِّ وقتٍ مضى.

*أكاديمية وباحثة عراقية - لبنانية متخصصة بالقضايا الدولية. معدة ومقدمة برنامج "من الداخل" على قناة الميادين.

المصدر: الميادين

حول الموقع

سام برس