سام برس
وهَل يكون مَطار صنعاء المَحطَّة المُقبِلَة؟ وما هِي الأسباب الحَقيقيّة لتَحقيقِ هذا الإنْجاز؟ ولِماذا مِن حقّنا أن نَحتَفِل؟

نظراً لاهمية التحليل السياسي والقراءة العميقة لصحيفة رأي اليوم ، المتمثلة في المصافحة التاريخية التي جرت بين وفدي الحكومة الشرعية والوفد الوطني في مشاورات السويد ، وهو ماجعل ذلك اللقاء وتلك المصافحة بمثابة الانجاز الاكبر من اتفاق الحديدة ، تعيد صحيفة " سام برس" نشر تحليل صحيفة رأي اليوم اللندنية للفائدة العامة:


مِسْك الخِتام في الجولةِ الأُولى للمُفاوضات اليمنيّة في السويد الذي يُعتَبر في نَظرِنا هو الإنجازُ الأكبَر، ويتَقدَّم على الاتِّفاقات التي جَرى التَّوصُّل إليها، بِما في ذلِك اتّفاق الحُديدة، هِي تِلك المُصافَحة التاريخيّة بين السيدين خالد اليماني، وزير الخارجيّة الذي ترأس وفد حُكومته، ومحمد عبد السلام، رئيس وفد حركة “أنصار الله” الحوثيّة وحُكومَتها، وسط تصفيق حارٍّ جِدًّا من قبل المُشاركين والحُضور، فهذا هو الشَّعب اليمنيّ الذي نعرفه، وما يتمتَّع بِه مِن أخلاقٍ وقِيَمٍ رَفيعةٍ، يُحارِب برجولة وشهامة، ويُصالِح بأنَفَةٍ وكِبرِياء، ويُثبِت دائمًا أنّ اليمن الكَبير واستقراره وأمنه وسيادته هو الطُّموح الأكبَر والبَوصَلة الأهَم.

أن نَسوق هذه المُقدِّمة اللَّافِتَة، لا يَعنِي مُطلَقًا تَقليلنا مِن أهميّة الاتِّفاقات التي جَرى التَّوصُّل إليها طِوال الجَولة الأُولى مِن هَذهِ المُفاوضات المَاراثونيّة، التي أذابَت حرارة الأخوّة والانتِماء صَقيع السويد القارِص التي أحاطَ بِها مَناخيًّا، فهذا الاتِّفاق الذي كرَّس وقف إطلاق النّار وانسِحاب المُسلَّحين مِن هذا الميناء، وأعطَى دَوْرًا مَركَزيًّا لمُراقبين مِن الأُمم المتحدة للإشرافِ على إدارته، حقَّق الإنْجاز الأكبَر ألا وهو كَسرُ الحِصار، وحقْنُ دِماء اليمنيين أيًّا كانَ مَوقِعَهم أو خندقهم في هَذهِ الحَرب.

جميع الأطراف التي شارَكت في هَذهِ المُفاوضات التي اقتَصرت على اليمنيين فقط، وتحت إشراف الأُمم المتحدة، وحُضور أمينها العام أنطونيو غوتيريش شَخْصيًّا الجَلسة الخِتاميّة وحَفل تتويجها، خرَجت رابِحة، وحقَّقَت مُعظَم مطالبها، إن لم يَكُن كلها، وأهمّها الاعتِرافُ بالآخَر، وإنهاء سِياسات الإقصاء، فالجَميع، دون استِثناء، قدَّم تنازلات وإلا لما كانَت هَذهِ النِّهاية المُفْرِحَة لهَذهِ الجَولة.

مِن حقّنا نحن الذين وقَفنا مع الشعب اليمنيّ بكُل فِئاته وألوانِ طيفِه، وعارَضنا هَذهِ الحَرب، وطالَبنا بوقْفِها مُنذ اليوم الأوّل، وإعطاء أولويّة للحَل السياسيّ عبر الحِوار بين الأُخوة، مِن حقّنا أن نتفاءل ونَتطلَّع إلى مُستَقبل أفضَل لكُل أبناء اليَمن بَعيدًا عَن المَجاعةِ والأمراضِ وسفْكِ الدِّماء والانقِسامات، نحن الذين حوّلت جَثامين الشُّهَداء المُمَزَّقة، والأطفال منْهُم خاصَّةً، والهياكِل العظميّة بفِعل المَجاعة والحِصارات ليالينا إلى كوابيس، مِن حقّنا أيضًا أن نَحتَفِل بهذا الاتِّفاق، وهَذهِ المُصافَحات، ونُشارِك إخوانَنا هَذهِ المُناسَبة التي جاءَت بعد أربَع سنواتٍ عِجاف مِن القَتل والدَّمار والحِصار.

رُبّما يتّهمنا البَعض بالتَّسرُّع والإغراق في التَّفاؤل، لأنّ الأُمور في بِداياتها، ويَعتقدُون هؤلاء، أو بعضهم، أنّ الحَذر مَطلوبٌ، لأنّ هُناك مَن لا يُريد لهَذهِ الاتِّفاقات أن تنجَح، ولهَذهِ الحَرب أن تتوقَّف، ولسَفكِ الدِّماء الطَّاهِرة أن يستمر، وهذا الاتِّهام يُشرِّفنا لأنّنا نسير على نَهجِ رسولنا محمد، صلّى اللهُ عليهِ وسلّم، وحديثِه الشريف “تفاءلوا بالخَير تَجِدوه”.

هذا الاختِراق الدبلوماسيّ الكَبير في هَذهِ الأزَمَة الدمويّة المُستَمِرَّة مُنذ أربَع سَنوات تَقريبًا ما كانَ له أن يَحدُث لَولا أنّ جميع الأطراف المُنخَرِطَة فيها أدرَكت أنّ الحَل العَسكريّ لن يَحسِم هَذهِ الحَرب لصالِح هذا الطَّرف أو ذاك، وأنّ الضُّغوط الدوليّة، وخاصَّةً على المملكة العربيّة السعوديّة ودولة الإمارات، جاءَت في الوقتِ المُناسِب، وبعد أن استَنزفَتهُما هَذهِ الحَرب عَسكريًّا ومالِيًّا وسِياسِيًّا وأخلاقِيًّا.

إنّها بداية جيّدة ومُشَجِّعة تَشِي بالكَثير على صَعيد الطُّموحات بإمكانيّة إيجاد حُلول للقَضايا المُعقَّدة الأُخرَى، فمَن كان يتَصوَّر التَّوصُّل وبهَذهِ السُّرعة إلى اتِّفاق وتَبادُل آلاف الأسرى، وعودة الابتِسامة إلى أهلهم في اليمن الكَبير العَظيم.. اليوم الأسرة والحُديدة وتعز.. وغَدًا مطار صنعاء والبنك المركزيّ ومُشكِلَة الرَّواتب بإذن الله.

نُبارِك للشَّعب اليمنيّ بكُل أطيافِه هذا الاتِّفاق، ونُبارِك أيضًا للمُفاوضين اليَمنيين الذين كانُوا أهْلًا للمَسؤوليّة، ووَضعوا مصلحة اليمن فَوقَ كُل اعتِبار، ونأمَل أن يكون الالتِزام بوَقفِ إطلاق النَّار هو مَسؤوليّة واحترام الجَميع، وُصولًا إلى مَرحلةٍ جَديدةٍ مِن الهُدوء والاستِقرار تُعَبِّد الطَّريق لمُفاوَضات المَرحلةِ التَّالية التي ستُعقَد بعد شَهر وفي السويد أيضًا، لبَحثِ الحَل السياسيّ الذي مِن المَأمول أن يُحَقِّق طُموحَ كُل يمنيّ في المُصالَحةِ الوَطنيّةِ وإعادَة الإعمار بشَقّيه الماديّ والإنسانيّ.

“رأي اليوم”

حول الموقع

سام برس