بقلم/ فيصل جلول
كيف يمكن النظر إلى رئيس عربي يحكم منذ ثلاثة عقود بلداً تزيد مساحته عن 2 مليون متر مربع ويخترقه نهر النيل العظيم وشطر كبير من فروعه وقنواته المختلفة، بلداً يُقدّمُ في الأدبيات السياسية المحلية والعربية بوصفه سلّة غذاء العالم العربي، كيف يمكن الحُكم على رئيسه الذي يواجه تظاهرات يطالب أصحابها بالخبز الذي كان متوافراً في البلاد قبل تسلّمه السلطة؟.

كيف يمكن النظر إلى رئيس تحتفظ جِبالُ بلاده على البحر الأحمر باحتياطاتٍ مهمةٍ من الذهب، تستخرجها وتسوّقها عصابات ومافيات ولا يصل منها إلى خزينة الدولة حظّاً يُذكَر. معروف أن الذهب هو الاحتياطي الأهم لكل العملات الصعبة، فما بالك بالعملة السودانية التي يأكلها التضخّم سنوياً بنسبة تفوق ال 60 بالمئة.

كيف يمكن النظر إلى رئيس بلد استخدم جيشه في المواقع الخطأ، تارة في" دارفور" في الداخل، وتارة أخرى ضد فقراء اليمن في الخارج، ويكلّف البلاد مع الأجهزة الأمنية المختلفة حوالى 70 بالمئة من موازنتها؟. كيف يمكن النظر إلى رئيس قُسِّمتْ بلاده في عهده وخسرت 70 بالمئة من مصادرها النفطية، واندلعت فيها حربٌ في دارفور واضطرابات في النوبة وفي أمكنة أخرى.

رئيسٌ لم يعثرْ على حلِّ واحدٍ لمشكلةٍ أساسيةٍ واحدةٍ في عهده، تُحاصره محكمة الجنايات الدولية من دون معين إقليمي أو دولي، لا يُغري نظامه أحداً للاستثمار في إقتصاده، يُقدّم "سواكن" إحدى مدن السودان التاريخية، هدية لسلطان العثمانيين الجُدد، يُخفِقُ في حل مشكلة "حلايب" مع مصر الجار الأقرب والأهم، يُغري ضعفه إثيوبيا في بناء سد النهضة على حساب جيرانها، انحسر عنه شركاؤه السابقون في الحُكم، ومع ذلك يستعدّ لتعديل الدستور من أجل ولاية جديدة؟!!.

لا يمكن النظر بعين العطف على الرئيس السوداني عمر البشير في مواجهة المُتمرّدين على نظامه والمطالبين برحيله، رغم الحديث المتواتِر عن مؤامرةٍ خارجيةٍ تستهدف وحدة السودان وتسعى لتشطيره، على غرار "المؤامرات" التي حملها ما يُسمّى ب " الربيع العربي" إلى 8 دول عربية. كيف يمكن أن يستوي حديث المؤامرة الأميركية على نظام البشير وهو شريك بالدم للتحالف الأميركيي - السعودي في الحرب على اليمن؟ كيف يستوي حديث المؤامرة الإعلامية ضد البشير وهو حليف لقطر وقد شكرها للتوّ على دعمه بل ثمة مَن يشكو من قناة الجزيرة بسبب تغطيتها لتظاهرات الخبز السودانية؟ كيف يمكن الحديث عن مؤامرة خارجية عندما تقرّر السعودية والإمارات العربية المتحدة تزويد نظام الخرطوم بمشتقّات نفطية مجانية خلال عام كامل في مواجهة المتظاهرين ولتجاوز الأزمة؟ كيف يمكن الحديث عن مؤامرة خارجية في وقتِ فكَّكت فيه الولايات المتحدة الأميركية حصارها الاقتصادي على السودان عام 2017 وما عادت محكمة الجنايات الدولية تصرّ على مُلاحقة البشير في رحلاته الخارجية عِلما أن قرار اتهامه يعود لسنتي 2009 و2010؟.
كيف يمكن النظر إلى رئيس متزوّج من سيّدتين من دون أبناء، أيّ لا وريث يسلّمه الحكم من بعده، تجاوز ال 75 عاماً من عُمره ويبحث عن ولايةٍ جديدةٍ في حين أن الكوارث التي ترتّبت على حُكمه طيلة العقود الثلاثة الماضية لا تستدعي الفخر، فأية مسيرة يريد مواصلتها؟.

سقط بن علي في تونس وكان حليفاً للغرب، عندما ضغط شعبه على الحُكم بواسطة القِيَم والمعايير الحقوقية الغربية لكن نظامه الاقتصادي ما زال قائماً، وسقط القذافي عندما اعتقد أنه قادر على حماية نظامه الذي بنيَ برعاية سوفياتية، عبر استسلام غير مشروط للعالم الغربي، فارتأى معارضوه المَحميّين من الغرب أن الأصيل أحق بالحُكم من البديل وكان لهم ما أرادوا بواسطة الحلف الأطلسي. وسقط حسني مبارك جرّاء صفقة بين الغرب والإخوان المسلمين كان من المفترض أن تتوّج بهدنة نصف قرن في الصراع مع إسرائيل وتغيّر وجه المنطقة. وسقط علي عبدالله صالح لأن دول الخليج أقفلت أبواب "مجلس التعاون" أمامه ، ولأنها تريد تفكيك اليمن تحت ستار دولة مؤلّفة من ستة أقاليم يمر النفط الخليجي من خلالها عبر إقليم حضرموت نحو المحيط الهندي مباشرة ومن دون المرور بمضيق هرمز أو باب المندب.

يا حبّذا لو يُرشدنا الرئيس السوداني عمر البشير إلى أهداف وعناصر المؤامرة الخارجية التي يتعرّض لها حكمه والتي تهدّد وحدة وسلامة أراضي السودان؟ قل لنا يا فخامة الرئيس كيف تحفظ أنت وحدة السودان وكيف سَيحلُّ الخراب في هذا البلد من بعدك؟ أقول لك صادقاً إن تبيّن لي ولآخرين كثر إن بقاءك في الحكم يضمن سلامة هذا البلد العربي العريق ، فإنني لن أترّدد لحظة واحدة في الوقوف إلى جانبك لأن أولوية الحفاظ على بلدك هي عندي أمّ الأولويات. وأخشى ما أخشاه يا صاحب الفخامة هو أن يكون شعار "أنا أو الفوضى من بعدي" قناعاً لولاية جديدة ستكون مرة أخرى أشبه بغيمةٍ لا تُمطِر في بلادك العظيمة.

منحكَ الشعب السوداني يا فخامة الرئيس ثلاثة عقود كان يمكنك من خلالها أن تتحوّل إلى بطلٍ قومي لو سرت على النهج السوري في الأمن الغذائي، فدمشق تُصدِّرُ قمحاً ولم ينقطع الخبز يوماً من الأسواق السورية، في حين أن الظروف الزراعية في الشام لا تُقارَن مع ظروف السودان المناسبة والغنية بالشروط الزراعية العملاقة. وكان يمكن يا فخامة الرئيس أن تسير على خُطى اليمنيين الفقراء الذين منعوا استيراد الخضار والفواكه من الخارج إلى أن أصبح بلدهم مُستهلكاً ومصدّراً لها في محيطه خلال سنوات قليلة. ويا ليتك يا فخامة الرئيس اتبعت أمثلة أخرى كثيرة في العالم حول حماية احتياطي العملة الصعبة وتجميع الذهب في المصرف المركزي السوداني، واتباع سياسة حكيمة في مكافحة الفساد والانتقال ببلدكم من المرتبة الثالثة بعد تشاد والصومال في قائمة الدول الفاسدة إلى مراتب أفضل، فلا "نمو ونماء" كما تقولون، ولا سيادة وسادة في بلد يحكمه نظام فاسد.

قُلْتم يا فخامة الرئيس ألا مانع لديكم من أن يتسلّم الجيش السلطة في البلاد وهو حليفٌ مخلصٌ لكم لكن حزبكم عارض هذا القول وأكّد أن له الحق الحصري في ترشيح مَن يراه مناسباً للرئاسة، في حين يرى غازي صلاح الدين المُبتَعد عنكم بعد طول تحالف، أن الإنقاذ يكون عبر شخصية معارضة، أما اللجان المهنية التي تنظّم التظاهرات فهي ترى وجوب تسليم السلطة عبر انتخابات ديمقراطية مفتوحة تأتي برئيس إنقاذي يضع السودان على سكّة الأمن الإقتصادي والسياسي.

في السودان يا فخامة الرئيس تجربة جديرة بالاهتمام اعتمدها الجنرال "عبد الرحمن سوار الذهب" الذي سلّم الحُكم لائتلافٍ حزبي خذل الناس فجئت أنت للإنقاذ الذي لم يتم ومازال هدفاً لكل السودانيين..اعتقد إن ابناء بلدك يريدونك أن تلعب دور جعفر النميري وسوار الذهب في الآن معاً فتضع الحكم في صناديق الاقتراع وترحل كالنميري آمناً إلى حيث تريد.

المصدر: الميادين

حول الموقع

سام برس