بقلم / د. كمال الهلباوى
شرعت فى كتابة هذا المقال قبل نهاية العام الماضى بيومين – أى نهاية ديسمبر 2018- ولكن معركة الدستور فى مصر والكتابة عنها هى سبب التأجيل. مع نهاية وبداية كل عام جديد تتجدد الأمنيات وتكثر الأدعية والدعوات، ويتسابق المثقفون والمفكرون فى الابداع والتخيل والتمنى.

أمنيات الناس تختلف وتتنوع حسب الجنس والعمر والاهتمام والبيئة والثقافة والمستوى المعيشى والوظيفى والقرية أو المدينة أو البادية أو الحاضرة والحاجة والمزاج، وغير ذلك من العوامل، وحتى المشاعر والنظرة فى الحياة والكون، ولكن الانسان هو الانسان حتى وهو يتمنى.

تتنوع الأمنيات من شخصية الى عامة حتى تسع الانسانية. بعضهم يتمنى الزواج فتنتهى أزمات العالم بالنسبة له، وبعضهم يتمنى حاكما على مزاجه. وأحيانا تتحقق الأمنيات فيتمنى الانسان ألا تكون قد تحققت، فالقديم مع سوءته، قد يكون أقل سوءً من الجديد الذى يثقل الكاهل، ولا نستطيع له دفعا. وأحيانا يتمنى الانسان أن يكون هو نفسه شيئا آخر حتى فى الآخرة” وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا”. أو يتمنى أن كان صالحا أو عادلا أو أن يعيش أطول أو فى بلد غير بلده أو فى زمن غير زمنه، أو فى جيل غير جيله، أو تحت رئيس أو حاكم غير رئيسه أو حاكمه.أو حتى زوجة غير زوجته او ولد غير ولده.

إستوقفتنى بعض الأمنيات عند بعض مشاهير من المعاصرين المعروفين ممن شغلوا الدنيا كثيرا. أولهم: الامام حسن البنا رحمه الله تعالى، وكانت أمنيته أستاذية العالم، وأستاذية العالم فى فكره، هى أن تكون الأمة الاسلامية، النموذج فى الاستقامة على المنهج القويم (منهج الله ورسوله)، والتقدم والنهضة والرقى والحضارة والاستقلال، بدلا من أن نكون أمة متناحرة بعضها يستعين بالشرق، وبعضها يكون فى خدمة الغرب، وتأتى فى ذيل الأمم، فى الحضارات وإثرائها،وتتهم نفسها بالارهاب ، وتتصارع على السلطة وهى تستورد أدوات الصراع والحرب فضلا عن الطعام والشراب . وتكون فى خدمة العدو المحتل بقصد أو بدون قصد، أو تسير فى فلك التغريب وتدوس فوق تراثها وأصولها.

وضع حسن البنا كذلك – مع الجيل الأول من رجال الدعوة – العديد من البرامج التربوية والتنظيمية، لحسن تنشئة ابناء الأمة ذكورا وإناثا، وتمثل ذلك كله فى المشروع الاسلامى الوسطى ، الذى تحتاجه الأمة بل العالم ،حتى يعيش فى سلام وحرية وأمان وتعاون وحب وتكامل ووئام، وتقدم وتعاون على البر والتقوى. أين آل الحلم الذى لا يختلف عليه العقلاء رغم إختلافهم فى التفاصيل؟ الأمر يحتاج بالضرورة إلى توضيح وتفصيل.أين وصل مشروع أستاذية العالم ؟

كانت هناك أمنية أخرى أو حلم آخر، عند حاكم من الغرب. استوقفنى ذلك الحلم وصاحبه معروف ولكن بدمار الأمة وتمزيقها ، ومع ذلك قام منهم من أسمى أولاده بإسمه او شوارع الوطن،حبا فى قوته وجبروته وبطشه، لأنه أنقذهم من صراع ونزق وطيش ساد العراق ايام صدام حسين عندما أغراه الأمريكان بانهم لن يتدخلوا ضده فى الصراع مع الكويت فصدقهم وإحتل العراق الكويت . وكان عاقبة أمره وأمر الأمة خسراً.

لعلكم عرفتموه الآن، إنه جورج بوش الأب، الذى تمنى وهو فى مرحلة الشباب، أن يكون رئيسا لأمريكا، وأن يرى صورته فى البيت البيض إلى جانب الرؤساء السابقين . وقد رأى – فعلا وقولا – صورته ليس فى البيت الأبيض فحسب، بل حتى على صور المجلات والمحلات فى العالم كله وخصوصا فى العالم العربى فى التسعينات. ورأينا من يسمى إبنه عبدالله جورج بوش. يا للعجب!!! وجورج بوش الأب الذى فعل بنا كل ذلك لم ينجح فى رئاسة أمريكا لفترة ثانية، ولم يفكر فى تعديل الدستور، ولا تحريك الجيوش، ولا فتح المزيد من السجون ولا المعتقلات لمعارضيه فى السياسة او الاقتصاد او حتى حماية الأمن القومى.

أما صاحب الأمنية الثالثة ، فهو معاصر معنا اليوم – للأسف الشديد- ويحلم بأنه يقوم بتغيير العالم . أقول دون إطالة، إنه نتنياهو الصهيونى الماكر الذى يفتح له حكام العالم العربى الأبواب التى أغلقها من سبقهم من الحكام العرب والمسلمين بقيادة مصر أثناء الرئيس ناصر رحمه الله تًعالى وطنية أو قومية أو حياءً، ولكن ذهب الحياء. وتبددت القوة وتحتاج إلى من يلمها. صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا لم تستح فاصنع ما شئت) .

فما هى أحلامنا اليوم؟ كأفراد وكأمة، ورؤساء، وحكام وملوك، وشعوب، وأحزاب سياسية وحركات اجتماعية ودينية، ومؤسسات إقليمية أو محلية أو حتى عالمية.

نحن فى صراع مع أنفسنا ومع غيرنا وأمنياتنا صغيرة وأحيانا تكون تافهة . هل من عقل جديد وتفكير جديد نخرج به من الصراع إلى الحوار، ومن الأزمات الى الحلول بعد أن نرتب الأولويات لمواجهة التحديات والخروج من المآزق الجاثمة على صدر الأمة وهى عديدة . لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة. نعم. أين نحن من هذا النموذج العظيم صلى الله عليه وسلم،أو حتى غيره من الرموز والنماذج العديدة الوطنية التى برزت فى عصور تالية، وكانت لها أحلام عظيمة، تسعى لتحقيقها وتتحد الشعوب وراءها.

أود أن أشارك القراء الكرام أمنية واحدة لى تمنيتها كثيرا ويمر الزمن والعقود، وتمر الاعوام وهى لاتزال أمنية . لعلها تتحقق فى العام الحالى أو جزءاً منها أو حتى الشروع فى تحويل هذه الامنية إلى مشروع عملى قابل للتطبيق على مراحل ،بدلا من المشروعات الفاشلة التى تفاجئنا فى الأمة وخصوصا فى العالم العربى فى كل يوم. ونظرا لكثرة الفشل القائم فى الأمة مما يحتاج إلى أكثر من مقال بل إلى كتاب ، اسمحوا لى أن أخصص هذا المقال للأمنية الكبرى، وهى الأمنية الاولى والاخيرة فى الحياة فى هذه الدنيا.

“وهى جامعة شاملة. أتمنى أن تنقضى جميع السلبيات والتحديات والمشكلات والمعوقات والأزمات من حياتنا وحياة الأمة، وحياة البشرية أجمع لنعيش جميعا فى سلام ووئام وتقدم وأزدهار، فتنتهى الحروب والصراعات.

والمراهقات والعداوات والحصارات،وتنقضى جميع السلبيات من حياتنا كأفراد وكدول ومجتمعات. نعيش للانسانية وخيرها( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ). نشارك فى تقدمها وحضارتها والسلام العالمى الحقيقى الذى يقوم على القوة مع العدل. أمنية قد يراها بعضهم خيالية اليوم، ولكن العقل البشرى فى بلادنا والامة يجب ان يسعى فى تهيئة المستقبل اللازم لذلك. ليتنا نستطيع قهر شياطين الأنس، أما شياطين الجن فالله أولى بهم(فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) . الخيال والحلم يصبح حقيقة عندما نعمل له جميعا، فى البيوت وفى المدارس والجامعات ومراكز البحوث والمؤسسات المعنية،وطبعا فى الاعلام، وتصفو النفوس إذا عملت لمستقبل أكثر سلاما واستقرارا وتقدما وإزدهارا. ومهما بلغ الانسان من العلم فإنه كما يقول القرآن الكريم (وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا)،المجال أمامنا واسع، ولذلك فعلينا وعلى الانسان العاقل أن يعمل وان يدعو ربه (وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا)”.

أمنيتى الشاملة هى التى تدعونى وتدعو الدنيا كلها إلى الاستبصار، إذ ينطوى مصطلح الاستبصار في علم النفس على معانٍ عدة – كما هى فى المصادر العديدة- ومن أهمها: النظر إلى الوضع بوصفه كلاً، وتبين العلاقات في هذا الكل، وإدراك الروابط بين الوسائل والهدف، والاستفادة من تلك الوسائل في الوصول إلى الهدف، والتعلم أو الفهم الواضح والمباشر للوضع من دون استخدام سلوك المحاولة والخطأ على نحو ظاهر.

وهذا كله يمكن أن نختصره فى التفكير والتخطيط الاستراتيجى مقابل الهمجية والعشوائية. وبذلك نخرج من الصراع إلى الحوار، وننتصر على الارهاب، والفساد، والتخلف، والديكتاتورية، والاستبداد، والنفاق.

وهذا يتطلب أولا الانتصار على النفس ونحن لها. وهذا لا يتنافى طبعا مع من يريد الزواج أو وظيفة أو حتى هجرة من العالم العربى والاسلامى للغرب فهو يبحث عن الأفضل دايما، هل يأتى زمن يطلب الغربى الهجرة الى بلاد الأمة لا طمعا فى ثرواتها ولا موقعها الاستراتيجى بل فى عدلها وأمنها والسلام فيها؟.
وللحديث صلة . وبالله التوفيق فى القول والعمل

*كاتب مصري

نقلاً عن رأي اليوم

حول الموقع

سام برس