بقلم/ حسن الوريث
كان ابني وصديقي الصغير عبد الله بجواري حين اتصل بي احد الزملاء الإعلاميين يبلغني بوفاة الاعلامي الكبير بابا عبد الرحمن مطهر وفي معرض الحديث قال لي زميلي أنه يريد معلومات عن الراحل لأصدار بيان نعي له وبالفعل فقد ارسلت له المعلومات المطلوبة لكن صديقي الصغير بادرني بعد انتهاء المكالمة الهاتفية بسؤال قائلا : ماذا يعني بيان نعي ؟ .

بالطبع فقد حاولت ان اقرب المسألة لصديقي الصغير وقلت له إن بيان النعي هو عبارة عن كلمات يتم اختيارها بعناية لكل شخصية مشهورة في أي مجال من المجالات تعني اننا نعتبر وفاة هذه الشخصية خسارة كبيرة لنا وللوطن على اعتبار ان هذا الشخص قدم لبلده ومجتمعه الكثير في حياته وبالتالي فلابد أن نذكره بهذه الكلمات لكن اجابتي كانت مدخلاً لسؤال أخر وضعني في حالة إحراج شديد مع صديقي الصغير فقد قال لي هل هذا البيان هو كل ما يتم تقديمه لهم فقط ؟ أم أن هناك أشياء أخرى ؟.

بصراحة فقد كان هذا السؤال مهماً ولابد من إجابة أكثر وضوحاً حتى لا ندخل في حسابات وأمور اخرى وأيضاً لابد من توضيح الامر وقول الحقيقة فقلت له للأسف ياصديقي أن هذا البيان وهذه الكلمات هي كل ما يتم تقديمه لهذه الشخصيات وخاصة الإعلاميين الذين يحتاجونهم في حياتهم لتلميع أنفسهم والدفاع عنهم فقط لكنهم أي الإعلاميين حين يحتاجون إلى الدعم والمساندة وأي شيء اخر يتخلون عنهم ويتركونهم يواجهون مصيرهم الذي يعرفه الجميع .

قلت له ياصديقي الصغير اليوم غادرنا احد رموز الاعلام اليمني بابا عبد الرحمن مطهر وقبله الزميل الإعلامي محمد عمر عوض الذي لم يجد من يقدم له العلاج أو يقف إلى جانبه وقبله الزميل الإعلامي الكبير عبد الملك العيزري غادر الحياة دون ان يجد من يقف الى جانبه او يقدم له الدعم والمساندة والعلاج وقبلهم مئات وآلاف الصحفيين والإعلاميين الذين ماتوا وهم يبحثون عن قيمة العلاج بل انهم ظلوا يعانون في بيوت الإيجار ولم يتمكنوا من تأمين مساكن لأسرهم وسيلحق بهم الكثير من الإعلاميين والصحفيين الذين يتم استهلاكهم واستغلال طاقاتهم وإبداعاتهم لكنهم لم ولن يجدوا سوى الجحود والإنكار وتركهم لمصيرهم المجهول .

كما قلت له هل تعرف ياولدي ان زميلنا الصحفي والإعلامي محمد القعود عرض مكتبته للبيع بسبب ظروفه المادية الصعبة وقبله الصحفي الكبير حسن عبد الوارث وبينهما عشرات بل مئات وآلاف الصحفيين والإعلاميين اليمنيين الذين باعوا ممتلكاتهم ومقتنياتهم ولم يعد لديهم ما يبيعونه لتأمين الحياة الكريمة لهم ولأسرهم .

فقال لي صديقي الصغير وانت فعلا بعت السيارة والمكتبة الخاصة بك فلماذا لم تتحدث عن ذلك فكانت إجابتي له انا واحد من آلاف الإعلاميين الذين باعوا بعض ممتلكاتهم لأجل العيش بحرية وكرامة وعدم بيع مواقفهم لأي كان وبالتالي فليس بالضرورة ان اتحدث عن نفسي ولايمكن ان تساوم بمواقفنا إطلاقا.

والخلاصة ياصديقي الصغير إن الإعلامي في اليمن حين يموت لا يجد سوى بيان نعي تتسابق على إصداره المؤسسات والجهات التي عمل فيها وخدمها وقدم لها عصارة جهده وحياته وتختار هذه المؤسسات أقوى العبارات وأكثرها تأثيرا لتثبت انها حريصة عليه لكن هذا الحرص المتأخر لم ولن يجدي أو ينفع لأنه لم يعد بحاجة إليه فقد كان بحاجتكم في أزمته وفي مرضه وفي الوقت الذي كان يجب ان تقفوا معه ويراكم الى جانبه تخليتم عنه ولم يعد هذا البيان الرنان مفيدا في اي شيء لأنه لم ولن يسمعه حتى أولاده وأسرته ليسوا بحاجة الى بيانكم فقد تخليتم عنهم وعن والدهم في وقت الحاجة حين كانوا يأتون إليكم لمراجعتكم لتصرفوا لهم قيمة العلاج لوالدهم أو تتفضلوا بتحويله على أي مستشفى من المستشفيات لتلقي العلاج أو على الأقل مساعدتهم في محنتهم لتثبتوا لهم أن جهد والدهم في خدمة الوطن لم يذهب سدى .

في اليمن يحتاجون الإعلامي في حياته لتلميع أنفسهم والدفاع عنهم فقط لكنه حين يحتاجهم يتخلون عنه ويتركوه يواجه مصيره الذي يعرفه الجميع وخلاصة الأمر أن الإعلامي في بلاد اليمن مظلوم لكنه من وجهة نظري يتحمل جزء من مسئولية وضعه السيئ لانقياده بسهولة وراءهم وفي اعتقادي أيضا إن وضع الإعلام وخاصة الرسمي منه لن يتطور أو يتحسن ،لان المخرجين على تعددهم يريدونه هكذا أي أن يظل تابعا وليس متبوعا وصانعا للأحداث، كما هو حال الإعلام في الكثير من بلدان العالم.

وفي الأخير فإن الإعلامي صاحب الحظ الجيد هو من يحظى ببيان نعي يتم تلاوته في وسائل الإعلام يعددون فيه مناقبه ويبينون مدى حرصهم واهتمامهم بالإعلاميين لكن كل ذلك لا يثبت أنهم يهتمون بالإعلامي الذي يأخذونه لحماً ويرمونه عظماً وهذه هي الحقيقة ياصديقي فالإعلامي في بلادنا مجرد بيان نعي عندما يموت فقط فهل يمكن ان تصل رسالتنا أنا وصديقي الصغير لكل من يهمه الأمر ؟.

حول الموقع

سام برس