بقلم / احمد الشاوش
يدور شريط الذكريات العطرة والصفحات الناصعة والسجايا العظيمة واللحظات البريئة، مختزلاً أجمل وانقى سنوات الطفولة التي تذكرني بالحب والحنان ، والعطف والسعادة ، والرحمة والدلال والمشاعر الفياضة التي وهبتني " أمي" العزيزة من بحرها العظيم وأنهارها الجارية وروافدها المتدفقة وشواطئها الامنة وأشجارها الوارفة الظلال وخبراتها التي لا تنضب ، منذ ان كنت نطفة فعلقة ومضغة ، وعظام ، ولحم وجنين مكتمل النمو خرج الى الدنيا ، رغم آلام المخاض والولادة والصبر والايمان ، إلا اني اقف عاجزاً عن الوفاء للام التي منحتني روحها الطاهر وقلبها الصافي التي لولا ان السجود لله ، لسجدت لتك الام العظيمة والمرأة الفاضلة التي جعلتني شيئاً مذكورا.

لذلك ستظل "والدتي" التي تشربت منها القيم الفاضلة والتربية الحسنة والتعاليم السمحة ، هي بيتي الآمن ، ووطني الغالي ودولتي الرشيدة ، ومدرستي المشرقة ، وسلوكي النبيل ، ومستقبلي الزاهر ، وقبلتي الصادقة ومعبدي الطاهر ، وحزبي الكبير ، ومذهبي الأصيل ، ودستوري الراقي ، وقانوني المنظم وفطرتي السليمة ، كما انها" شوكة ميزان وقضاء عادل ومساواة دائمة وتسامح وتعايش متواصل على مستوى الفرد والاسرة والمجتمع ، لأنها لم تُفرق بيني وبين اخوتي وجيراني وأبناء مجتمعي ، كما يفرق الرئيس والأمير والملك والقائد بين مواطني الدولة ، وتمارس قيادات الأحزاب الثقافة القروية والقتل بالهوية ، ورجال الدين الإعدام بالمذهب والفتوى المفبركة ، والمثقفين بالتلاعب بالألفاظ والجدل العقيم والمشايخ بالجبروت وابتزاز الناس ، بينما تظل " الام" الصالحة هي الاصالة التي تتفرع منها عاداتي وتقاليدي واعرافي واسلافي النبيلة ومواقف النخوة والشهامة والوفاء والحَمية بعد ان نبت منها عظمي وجسدي وعودي وفكري وعقلي وحكمتي وقوتي ، لهذا كم احببتك يا امي ، وكم أحببت كل أم عظيمة في الكون؟.

أمي أنت الماضي الجميل الذي لم ولن يغادر ذاكرتي حتى قيام الساعة والحاضر الاجمل الذي يضيء تلك القيم النبيلة والمستقبل المشرق الذي يعانق السماء ، ففي الماضي علمتيني قواعد التسامح ولغة التعايش والصبر والامل والطموح والوفاء وأدب الحوار وحسن الخطاب وفنون الحياة واعمال الخير والفرائض قولاً وعملاً ، قبل رسالة المسجد والمدرسة والجامعة والبيئة التي ترعرعت فيها وعملت في مؤسساتها ، لذلك أنت افضل مخلوق في الكون ياست الحبااااااااااااايب وأصدق مدرسة وابرع جامعة نقَشت في قلبي كل الاصالة وفي مهجتي وعقلي وجوارحي معاني الإنسانية والوفاء والايثار والقناعة منذ نعومة اظفاري.

أخيراً .. كم اشتقت اليك والدتي العزيزة بعد ان صعدت روحك الطاهرة الى الرفيق الأعلى ، فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا ، وانا اليك واردون وبقدرنا مؤمنون والى ربنا راجعون ، بعد ان سقطت اخلاق الامة وتغيرت طبائع الأمم وكثر الهرج والمرج وتحول الناس الى وحوش وصار الكاذب صديقاً والخائن مؤتمناً والمنافق مسؤولاً والدجال حاكماً والمعلم مفلساً والقائد قواداً والتاجر محتكراً والقاضي مرتشياً والمفتي فاجراً والمثقف والإعلامي متسولاً ، إلا ما ندر>

فلا قيم تردعنا ولا تعليم يوجهنا ولا عقيدة تصدنا ولا ضمير يؤنبنا ولا انسانية تفرملنا، ولا دولة تحكمنا ولا زعيم ينصفنا ولا حكيم ينصحنا ، فانت اعلم بحالنا نسألك الرحمة والنجاة من النار، فألف بيننا واجعل القرآن ربيع قلوبنا والأمن والاستقرار والسلام غايتنا انك على كل شيء قدير.

Shawish22@gmail.com

حول الموقع

سام برس