بقلم / احمد الشاوش
يعيش الشعب اليمني اليوم النكبة الكبرى والكذبة الأكبر والفضيحة الأسوأ في تاريخ اليمن السياسي الدامي ، وتطل علينا الذكرى الثامنة لثورة 11 فبراير 2011م ، مسجلة أكبر وصمة عار في تاريخ البشرية ، وجبين النُخب السياسية والحزبية ورجال الدين والمثقفين والمشايخ والتجار وقواعد الأحزاب التي تحولت الى قطيع هائج خارج اطار العقل والاخلاق والإنسانية ، نتيجة للجرعات الكبيرة من خطاب الكراهية وثقافة الحقد والغدر والثأر والفجور والتبعية التي دمرت اليمن أرضاَ وانساناً وحولته الى قنابل وخنادق وانفاق وسجون ومقابر وأرصدة في جيوب امراء وتجار الحروب ، بدءاً بسيناريو تدمير المجتمع والبيت اليمني ، ومروراً باشعال مؤسسات الدولة وهيكلة الجيش واغتيال وقتل وملاحقة واختطاف وسجن وتعذيب الاخرين، تحت ايقاعات اسقاط النظام والحكم العائلي وشعارات الدولة المدنية الحديثة وتهيئة الملعب لانصار الله!!؟

ورغم تلك الاحداث المروعة والمآسي الكبيرة والاحزان العميقة والدموع المتدفقة والبطون الجائعة ، إلا ان الكثير من شباب اليمن الشرفاء والأكثر وطنية كانوا أكثر تفاؤلاً وأملاً وطموحاً واندفاعاً نحو تغيير الوضع السياسي والاجتماعي وانتشال الدولة الفاشلة من الفساد والمطالبة بتحقيق العدالة والمساوة والحرية والقضاء على البطالة من خلال مشاركتهم في احتجاجات ثورة الربيع العربي ، إلا ان كبار الفاسدين والمفسدين في الأرض من جماعة الاخوان المسلمين " الإصلاح ، والاشتراكي والناصري والبعث والأحزاب المفرخة والطابور الخامس الذي كان يتربص باليمن ، شنوا المعارك والغزوات واستخدموا الخناجر والجنابي والصمل والسلاح الناري والتخوين والتشكيك والمناطقية للسيطرة على المنصة الحكمة و"سرقوا " الثورة " وتاجروا بدماء الأبرياء بعد ان ضللوا كوادرهم وصادروا أحلام الشباب ودمروا البيت اليمني في مقابل تنفيذ وتحقيق أهواء ونزوات شخصية ومصالح إقليمية ودولية.

كان الشعب اليمني يأمل في الكثير من النُخب السياسية والحزبية ورجال الدين والمثقفين والقوى الايدلوجية والتقدمية اصلاح ما افسده الدهر عبر الحوار والتسامح والسلام والحفاظ على الدولة ومؤسساتها بعيداً عن روح الانتقام والاجتثاث والثأر ، لكنه صدم بالتصرفات الطائشة والنوايا السيئة والمشاريع المأزومة بعد ان سقطت الأقنعة وتحول كل منهم الى مجرد مخبر لدى سفارة ومخرب وعبداً لمن يديره عن بُعد ، فكيف لـ " الزنداني " الذي كان بمثابة التيس المستعار لعفاش وحزب الاصلاح في اصدار فتاوى التكفير والزندقة والتحريض ضد الحزب الاشتراكي واقتحام الجنوب وابتلاع شركة الأسماك والاحياء المائية ان يتحول الى مصلح بعد ان تحول الى طبيب للإيدز ووكيل لصكوك الغفران وموزع لبراءة الاختراع ونجاح وصفات خلطة الحريو وتحليل زواج المسيار والفريند .

وكيف للشيخ حميد الأحمر ، امبراطور النفط والغاز والأراضي والوكالات والشركات التجارية ان يتحول الى ثائر وقائد ثورة بسرعة البرق رغم الدكان المتواضع والقفز الى عنان السماء في عالم المال والاعمال في اليمن وتركيا وجبوتي وغيرها، وكيف للجنرال على محسن ، ان يتحول الى حامي لثورة الشباب واراضي مذبح وغير ذلك خير شاهد على الأخطاء والتجاوزات وانحراف قادة 26 سبتمبر ، وكيف لـ " المخبر" محمد اليدومي ، الذي أشرف على التحقيق ضد الاشتراكيين والناصريين سابقاً ان يكون رمزاً من رموز ثورة الشباب ، وكيف تحول عبدالله صعتر الذي قال نضحي بـ 24 مليون ويكفي مليون واحد للعيش بكرامة ، فعن أي كرامة وإنسانية يتحدث ، وكيف لـ عبدالوهاب الانسي والمسوري والحزمي ان يصبحوا مناضلين في زمن التحريض وبث الكراهية .

وأنى للرفيق ياسين سعيد نعمان الذي كان يرتدي البدلة الكاكي الزرقاء ويناضل من أجل البلوتاريا والنظام الاشتراكي والماركسية والشيوعية ، وفي سبيل المصلحة والثأر السياسي يتخندق مع من أطلق عليه الكفر وأباح دمه وحزبه ، وتحوله الى رأس مالي بقدرة قادر يسهب في الحرية وعناوين الديمقراطية والحوار رغم ديكتاتورية الحزب ، وشعار تخفيض الراتب واجب ، لينتهي به المطاف الى الفوز بسفارة في لندن ونجله بالقاهرة ، وكيف لسلطان العتواني وعبدالملك المخلافي المتمردين على مبادئ الناصرية والارتماء في أحضان الرجعية أن يقودوا امة بعد ان ناصبوها العداء حيناً من الدهر مقابل غرفة او جناح في فندق وفيزا كرت حولت مسار اتجاههم السياسي والفكري ، وانى للشيخ مجاهد القهالي أن يكون ثائراً بعد ان تقلب كدرجات الحرارة ، والفصول الأربعة ، وكيف للرفيق احمد الحبيشي ان يتحول الى مناضل صالح لكل زمان ومكان ، وسجاح العصر الحديث " توكل كرمان " أن تحافظ على القيم النبيلة والبيت اليمني بعد ان تحولت الى وحش مفترس ، وكيف لخالد الانسي ان يكون جدير بالاحترام وهو معبأ بالراهية وخارج اطار الاتزان ،،،.

ومن الغرائب يتساءل الناس ، كيف أدار الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح ، دولة جمعت بين الكوادر العلمية والخبرات المطعمة بالمنخنقة والموقوذة والنطيحة ، بكل ما تعنية الكلمة بينما نجد فساد مراكز القوى العابثة في المؤتمر وغيرهم بصورة فاضحة ما أدى الى السقوط ، وتحول المؤتمريين الى متاع وميراث موزع بين القوى المحلية والاقليمة والدولية ، وما السكوت على حرامية أراضي الحتارش الذي دفع موظفي الدولة قيمتها من قوتهم اليومي إلا خطوة في انهيار الدولة ، وما نهب عقلان الراشدي لمئات الملايين من الريالات والذهب ودولارات المواطنين المودعة لديه في محافظة عمران للمتاجرة بها وسرقتها إلا خطوة متقدمة للنهاية المأساوية.

ومن المؤسف والمخجل أن يحتفل اليوم شرذمة من بقايا الدجالين والقتلة والمرتزقة والدمويين والصعاليك واللصوص والمنحطين وقطاع الطرق وناهبي المال العام والخاص على جثث الأبرياء ، ودماء البسطاء وضحايا الساحات بعد ان مزقت أوصال اليمن وأدخلت الحقد والفقر الى كل منزل في اليمن بعد ان تنكروا لضحايا الاحتجاجات الذين يعانون حتى اللحظة من اعاقتهم باب كل مستشفى وعياده ، بينما رؤوس الأموال الملوثة والمشبوهة التي نهبت اليمن حيناً من الدهر كانوا شركاء وفي خندق واحد مع الرئيس الاسبق علي عبدالله صالح ، وأدوات وأبواق ناطقة لعفاش ورغم ذلك يتحدثون عن النزاهة والوطن والفساد والقيم وهم يمارسون الفساد بلاحدود ويمارسون التسلط والديكتاتورية على مستوى الحزب وكوادرهم في حين يرتمون على أبواب السفارات في إسطنبول والدوحة والقاهرة وعمان وواشنطن ولندن والرياض وابوظبي لتمرير المشاريع الرخيصة.

ولكل هذه الاحداث المأساوية والفوضى الممنهجة والفساد الكبير والسقوط الأخلاقي لم يُكتب لثورة 11 فبراير الدموية النجاح ، لان قادتها ونُخبها لصوص ومتآمرين وخونة ، لم يخرجوا الى الشارع من اجل الشعب وإصلاح المسار وانما من اجل مصالح شخصية بحته واحقاد وعماله حتى النخاع واختلاف على الثروة والسلطة وابار النفط والغاز والأراضي والشركات ، وهو مافجر الصراع في الشارع اليمني وصاحب تلك السنين عمليات الاختطاف والاغتيال والاعتقال والسجون والتعذيب والتحقيق وتفجير المعسكرات والشوارع والمنازل والمساجد وملاحقة قادة وضباط الجيش والشخصيات الوطنية والحكماء والعقلاء وتدمير البنية التحتية وهو مالم تعمله دولة الاحتلال الاسرائيلي منذ انشاؤها عام 1948م ، لذلك سقطت الدولة والشعب والبلد والمؤسسات والنُخب ، وصعد الانتهازيون والعملاء والمتآمرين والمنافقين وخبراء الفوضى بمشاريعهم الرخيصة ، ورغم ذلك الخلل الكبير كانت الضريبة أكبر للجميع دون استثناء لاسيما وعجلة التغيير تعصر تروسها ما تبقى من الطغاة والمستبدين وعندما يفيق الشعب من غيبوبته وتُحكم النُخب لغة العقل والمنطق ويعتبر الجميع من سنوات الرعب والدماء والدمار ويشرع في التسامح والتعايش ستعود الدولة وتعود المؤسسات ويحل السلام شرط النوايا الصادقة والإرادة الحرة.. وعلى حد قول صاحب جبلة لارحمك الله والفتحة فتحته ، فعلة لاتتلفلف.

shawish22@gmail.com

حول الموقع

سام برس