سام برس/ تونس / شمس الدين العوني
*فكرة المحو لتأثيث ممكنات جمالية أخرى واكتمال مشهدية تشكيلية مغايرة في اللوحة..

الفن .. الفكرة الآسرة و المحيرة حيرة الانسان و انسيابية أسئلته و احتشادها بين معقدة و بسيطة..الفن هذا الركام من المنجز الانساني بحثا و تقصدا للأجمل و الأنقى و الأرقى تجاه الموجود و المنشود كذلك..الفن بما هو لعبة الكائن الأولى و هو ينحت هبوبه مثل ريح ناعمة لا تلوي على غير القول بالآه و البهجة الخافتة و العلو ...انها أوجه الفن و ممكنات تجليات الانسان ضمنه و هو يمضي في دروبه لا يلوي على غير تأصيل ذاته و كيانه في كون محفوف بالأشياء و العناصر و التفاصيل المتغيرة و الحاضنة لسيرها في عناء و حرقة..الفن بما هو عنوان للحيرة الكبرى المحيلة الى المنجز الذي هو حيز من تمثلات و انعكاس لاعتمالات الدواخل حيث الاقامة بين الوردة و السكين...بين الحالة و الآلة..
انها اللعبة الباذخة التي لا تنتهي..الفكرة المسكونة بتمامها في النقصان و بنقصانها في اكتمالها حيث النظر هنا و هنا ..بعين القلب لا بعين الوجه..

وجوه يلفّها الخسران

في ضفّتيه..

حيث السّرور والسّواد البارد..

رأيت النّور يجلس في باحة

الألوان

هي الذّكرى

أو كأنّها هي..

وجوه تلطم خدود التّواريخ

تختفي

كموسيقى خلف الألوان...
هي غربة في المرايا
تزرع الأسئلة في الأيقونات
هي أعمدة النشيد
في هذا البرد الكوني المريع..

نعم يمضي الفنان و التشكيلي تحديدا في هذه الأكوان من التعاطي مع الفكرة باعتبارها المجال الأرحب و الأضيق لمحاورة الذات و محاولتها وفق عنوان لافت و مفتوح و هو ضروب التخير تجاه طرح الأسئلة و النظر وفق حالة التذوق و الوعي الجمالي و ممكنات كل ذلك لدى الآخر..العالم.

اللون لعبتها الأولى..

لتمحو شيئا من ضجيج اللغة و الوجوه

و الأمكنة....

و هل ثمة أمكنة غير النسيان و نيران الأسئلة....

في هذا الزخم من التجارب الفنية المكتوية بنيران السؤال و البحث في الدروب الوعرة و غير المطمئنة في عوالم التشكيل...نلج شواسع التجربة الفنية لفنانة تبحث عن طرائق للاختلاف و التغاير قولا بالفن بما هو ينابيع نظر آخر و نزوعا نحو ادراك جمالي و وجداني ينهل من خصائص الذات و غذاباتها و هي تراكم هواجسها بحثا عن الجديد و المختلف في ضروب من لعبة التشكيل التي تتشابك تلويناتها و قضاياها و تفاصيلها و هي الفنانة التي ارتأت الذهاب مع فكرة المحو لتأثيث ممكنات أخرى و بحثا عن اكتمال مشهدية تشكيلية في فضاء اللوحة حيث القماشة حاضنة عمل دؤوب تحتشد فيه ألوان المغامرة و التي من أدواتها الحذف و الأشكال و الجزئيات و الألوان المتحاورة و المتجاورة و لكنها الصاخبة في اعتمالاتها...كل ذلك قولا برؤية أخرى للنظر و فكرة الاكتمال .

اننا نعني تجربة الفنانة التشكيلية الباحثة نجاح المنصوري التي عندما نلج عوالم لوحاتها و أعمالها نستشعر هذا الكم من الأحلام التي تعتمل في ذاتها و هي تباشر فسحاتها مع القماشة ..فالمحو هو كتابة أخرى و لعبة تامة الدلالة لتبين حالات أخرى من العمل..من ممكنات اكتماله الأخرى في جدلية تبتكر ألوانها المختلفة التي نراها من لوحة الى أخرى في علاقات حضور متعددة بين التناسب و التضاد ..فاللوحة في عديد الأعمال لنجاح مجال حيوية و حركة و من حيث التلوين و الكتل و الأشكال ...انها تضعنا أمام سؤالها الدائم في أعمالها و القائل بلعبة الابانة و الاخفاء و الاضافة و المحو وفق تخير لوني يبرز حيزا من الصراع..تنظر باتجاه العمل الفني لنجاح المنصور و تمعن في النظر قراءة و تأويلا لتسافر أو تتيه في حالات من شعرية الحيرة..حيرة الكائن منذ القدم و هو يلهو بأسئلته و تفاصيله و كيانات عوالمه المربكة..انها متعة جمالية بعنوان الصراع المولد..نعم تمعن في النظر و بوسعك الاقامة في هذا النظر و لكن بالنهاية و في لحظة قطعك مع النظر لا تملك الا أن تتحسس أطرافك و تنظر في كفيك و تحرك أناملك ...نفعل كل ذلك من لوعة و رعب و حرقة المايحدث...نعم كتل و أجسام تامة و مبتورة الأجزاء تملأ الفضاءات الملونة أصواتا و ضجيجا و لكن...

و لكن في صمت عظيم..هنا تكمن لعبة التعاطي الجمالي بين الرسامة و العمل الفني...لا شيئ يظل غامضا في العمل لكن لا شيئ يتضح فقط هي متعة الكمال و النقصان لتذهب العين عندها الى زوايا أخرى من العمل / اللوحة بحثا عن فعل المحو المبثوث في المرئي على جسد القماشة..فبين التركيبات اللونية و الأشكال يظل ينهل المجال التشكيلي في اللوحة ليأخذنا طوعا و كرها الى نظر مخصوص في علاقتنا الجمالية بالأثر الفني لفنانة تبحث ة لا تريد غير ذلك ديدنها الوصول ثم الذهاب فالوصول ثم...انه الذهاب الدائم في جادة الفن...لوحات لا تملك معها الا القول بالابداع كنهج للعبارة تجاه تجريدية العناصر و الأحوال حيث الفنان كائن هش هشاشة عناصره و شخصياته و كائناته في العمل الفني....و مثل ذلك في الشعر و الرواية..نعم نكتب لنمحو و نمحو بحثا عن كتابة أخرى ليظل المعنى سؤالا مقيما .. الفنانة نجاح المنصوري شكلت حالاتها الفنية وفق أهمية وسائل و وسائط المحو والحذف وليس الهدف أو النتيجة...

تجربة حرية بالدرس لما تستبطنه من وعي مخصوص تجاه الفن ..لذلك هي ثقول عن سياقاتها الفنية مثلا "... اشتغلت على " الحذف بين الحضور المسؤول والغياب المؤسس " و بحثت في أهمية التفصيلة (الجزئية ) العينية في إدراكنا الجمالي وعن السبل الكفيلة لتفعيل تقنيات الحذف في توليد الفضاء التشكيلي. فاتخذت في مرحلة أولى رمز المحذوف في شكل مربع تدور حوله جميع الطروحات التقنية سواء كان ذلك على مستوى التركيب أو التلوين أو تشكيل المعاني. وجربت في ذلك الحذف بالإضافة وكنت أعبر عن هاجس البحث الذي يسكنني بعدم الرضا بالموجود في الفعل الذي أنجزه فأقوم بحذفه بإضافة لطخات لونية. . و إضافات خطية. ..فكانت النتيجة تراكيب مثقلة خطيا ولونيا وتركيبيا وتقنيا : جاءت الخطوط على تنوعها مائلة، منحنية، رقيقة، متينة. ..وحضرت الألوان باختلاف درجاتها باردة وحارة، رمادية و نقية، متكاملة ومتناقضة. ..والنتيجة تركيبة تراكمية ومعقدة نوعا ما ...".

و الفنانة التشكيلية و الباحثة نجاح المنصوري متحصلة على ماجستير في جماليات و ممارسات الفنون المرئية اختصاص فنون تشكيلة بالمعهد العالي للفنون الجميلة بسوسة سنة2014 و على الأستاذية في الفنون التشكيلية بالمعهد العالي للفنون والحرف بصفاقس. 2003 و لها مشاركات متواصلة في معارض اتحاد الفنانين التشكيليين التونسيين منذ سنة2005 و هي عضو الرابطة التونسية للفنون التشكيلية وتشارك في معارضها منذ سنة2010 .

حول الموقع

سام برس