بقلم / عبير الحيالي
قال نابليون بونابرت “في الثورة هناك نوعان من الناس، من يقومون بالثورة ومن يستفيدون منها”.
في ليبيا، القائمون بالثورة رفعوا هتافاتاتهم المنادية بالحفاظ على ليبيا فاختاروا “لا للتدخل الأجنبي، الليبيون يستطيعون فعل ذلك وحدهم” ” لا شرقية ولاغربية ليبيا للوحدة الوطنية”، والمستفيدون منها قاموا بسحق البلد الغني بالثروة النفطية وتقسيمها مستخدمين القوى الدولية والاقليمية لصالح مصالحهم الاقتصادية والسياسية. وهكذا سرعان ما اصطدم الحراك الشعبي الحالم بالديمقراطية بحكومات ليبية موازية وقوى محلية وقبلية جعلت من ليبيا مسرحاً لحرب أهلية، تدعم كل طرف فيها قوى اقليمية ودولية.

يرتكز التدخل المصري في ليبيا على عدة مرتكزات سياسية واقتصادية، فوجدت موطأ قدم لها عن طريق دعم حليفها اللواء حفتر. رغب السيسي في إقامة علاقات قوية مع شخص يتناغم معه في مفهوم السلطة العسكرية ومعارضة الإخوان المسلمين المدعومين من قطر وتركيا. كما أراد تأمين الحدود المصرية-الليبية التي تصل إلى ١١٠٠ كيلو متر وتفادي انعكاسات الفوضى الأمنية في ليبيا على الأمن القومي المصري. ولكن السيسي لم يركز فقط على الناحية الأمنية، فالأطماع الاقتصادية في البلد الغني بالنفط كانت حاضرة في طريقة التعاطي المصري مع الأزمة الليبية التي تشكل فرصة استثمارية قوية لمصر، كمشاريع إعادة الإعمار وزيادة التعاون الاستثماري بين البلدين، إلى جانب الحصول على النفط الليبي وبأسعار وتكلفة أقل ولاسيما أن مصر بدأت باستيراد النفط منذ عام٢٠١٣

ولكن مصر لم تتفرد بالتدخل الفج والمعيق لأي حل سياسي، حيث قامت كل من الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية بتأييد الجنرال حفتر في حربه ضد الأطراف الليبية الأخرى. وفعلاً قطف حفترثمار هذا الدعم الذي كان سبباً رئيسياً في صموده أمام قوات الحكومة المركزية المعترف بها دولياً والثوار الرافضين لتوسع قواته. أشقاء ليبيا اخترقوا جميع القرارات الأممية الخاصة بالشأن الليبي، كصرف الأموال الليبية المجمدة داخل البنوك، وقرار حظر إرسال السلاح الأممي. حيث تم ارسال طائرات ومركبات عسكرية وحاملات جنود وغيرها من الأسلحة الثقيلة والخفيفة. ووصل مستوى التدخل إلى امتلاك الإمارات قواعد عسكرية كاملة ومجهزة في منطقة “الخروبة” و”الخادم”وانتشار واسع للجواسيس الإماراتيين على الأراضي الليبية.

أما الضلع الثالث للمثلث وهو المملكة العربية السعودية، فكانت لها الكلمة الأخيرة في الهجوم الأخير على طرابلس على الرغم من معرفة الرياض بخطورة هكذا تحرك على انفجار الوضع الليبي، ولكنها اتخذت القرار بإعطاء الضوء الأخضر لحفتر أثناء زيارته الأخيرة للرياض قبل الهجوم بأيام والتي تم الإعلان فيها عن زيادة الدعم السعودي لحفتر. أما فيما يخص دوافعها، فهي محاربة الجماعات الاسلامية المدعومة قطرياً وتركياً، والعمل على بسط نفوذها امتداداً لذلك المفروض في مصر، والاستحواذ على النفط والسيطرة على الشواطىء الليبية.

أما الفريق العربي الآخر، والمؤثر في الشطر الغربي من البلاد والذي يديره المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق برئاسة السراج، فهو قطر التي لعبت دوراً أصيلاً فيما يسمى بثورات “الربيع العربي” مالياً واعلامياً، وتعمل لصالح مصالح مزدوجة في المنطقة “قطرية-تركية”. كان الحضور القطري واضحاً منذ بداية الأزمة الليبية بدءاً من الدعم الإعلامي والدعائي، وصولاً إلى تزويد الميليشيات الموالية للدوحة بالأسلحة وربما أبرزها “سرايا الدفاع عن بنغازي”. كما كانت أول من طالب بالتدخل الدولي ضد ليبيا في جميع المحافل الدولية والعربية، وشاركت في العمليات العسكرية إلى جانب حلف شمال الأطلسي. وبحسب ماقدمته مجلة الفورين بوليسي فإن الدعم القطري وصل إلى مايقارب ٧٥٠ مليون يورو لصالح تغذية هذه المليشيات بالمال والسلاح، معتمدةً بذلك على شبكة من جهاديين ورجال أعمال ورجال دين.

وإذا ما أردنا أن ندرج نموذجاً واحداً فقط فيكفينا النظر إلى العلاقة بين قطر وصلاح بادي زعيم مايعرف بميليشيات “لواء الصمود” وأحد مؤسسي ميليشيات “فجر ليبيا” التابعة لجماعة الإخوان المسلمين. وللذين لايعلمون خطورة بادي فإنه مدرج على قائمة الارهاب، وقائمة عقوبات مجلس الأمن منذ ٢٠١٨. وقطر كشقيقاتها لديها مطامع اقتصادية وجيوسياسية، فهي تسعى إلى السيطرة على مقدرات النفط والغاز ولا تريد أن تكون ليبيا منافساً ومزاحماً لها إذا ما استقرت ولاسيما أن ليبيا هي الأقرب جغرافيا ً إلى أوروبا.

وأخيراً.. ربما يسأل البعض هل كانت ليبيا ضحية للموالقف العربية فقط؟ من المؤكد أن استمرار الأزمة الليبية تصب في صالح القوى الدولية المهتمة بالشأن الليبي كفرنسا وايطاليا وروسيا ولكن كل هؤلاء وجدوا من ينوب عنهم من العالم العربي ويمثل مطامعهم خير تمثيل فوقفوا خلف الستار يتابعون اللحظة المناسبة للانقضاض على فريسة ذبحت بسكين الأخوة اللذين تجاهلوا جميع القيم الأخلاقية والدينية بالتواصل والتراحم والتناصر!
تقف ليبيا على مفترق خطير، فإما تغليب المصلحة الوطنية وإنقاذ شعبها وثرواتها البشرية والنفطية، وإما الغرق في مستنقع حرب أهلية وصراع غير منتهي، وهي الفوضى التي تصب في صالح القوى التي لاتريد الوصول إلى تسوية سواء أكانت عربية أم غربية. إن ثروات ليبيا النفطية قادرة على أن تحدث تحولات اقتصادية كبرى في جميع المجالات لو رُشدت من قيادة وطنية حريصة على تطوير البلاد، وهذا لن يحصل إلا بإعادة انتاج الثورة لنفسها بشكل آخر. فالحل اليوم هو تشكيل مجلس وطني واحد يمثل جميع مكونات المجتمع الليبي ويعكس طموحهم وتطلعاتهم، وقادر على مواكبة التطورات التي قسمت البلد خلال السنوات الماضية.

ولابد من الالتفاف حول شخص واحد قادر على إيصال ليبيا إلى بر الأمان. ومن ثم البحث عن انتقال ديمقراطي للوصول الى دولة مدنية حرة وموحدة، ولكن الأهم في هذه المرحلة هو توحيد الصف والكلمة الليبية. وبالرغم من صعوبة تنفيذ هكذا خطوة بالنظر إلى الأوضاع الأمنية الداخلية، والأطماع الخارجية إلا أن الشعب الليبي قادر على القيام بها وتحقيقها.
كاتبة عربية

نقلاً عن رأي اليوم

حول الموقع

سام برس