بقلم/ سكينة المشيخص

إشعال النار في منطقة الخليج والشرق الأوسط ربما يكون مسؤولية إيرانية كاملة، لأن ذلك يرتبط ببساطة بسلوكها في الملف النووي، والكيانات والتيارات التي تدين لها بالولاء داخل دول المنطقة، دون أن نغفل الأبعاد التوسعية في الممارسة السياسية الإيرانية المعاصرة، لذلك ترتهن الفكرة العسكرية في التوتر القائم حاليا في المنطقة إلى مدى تفكيك العناد الإيراني واستجابته لمقتضيات المنطق السياسي الذي يتطلب مرونة مع الجانب الأمريكي في الملف النووي، من جهة، وخطوة سلمية مع جيران الساحل الغربي للخليج تبدأ برفع اليد عن التدخل في الشؤون الداخلية لدول هذا الساحل.

لا يمكن لإيران ونظامها السياسي أن يجمع الماء والنار في كف واحدة، وليس ما يؤديه من رقص على المسرح السياسي بمثابة مناورات وتكتيكات جديرة بالتوافق مع مبدأ الاتزان العقلاني، فكل الطرق، دون خطوة تكتيكية متراجعة تؤدي إلى الحرب، وهي لن تكون حربا محدودة وإنما شاملة وسريعة لأن إيران ستتعامل بمبدأ (أنا ومن بعدي الطوفان) لذلك ستتوسع بها، وسريعة لأنه سيتم تدمير قوتها العسكرية بأسرع ما يتسنى للقيادات العسكرية الأمريكية وحلفائها لتقليم أنيابها سريعا قبل أن تستوعب الضربة الأولى وتحول يوميات الحرب إلى أعمال استنزاف.

لم يعد بإمكان إيران أن تتمتع بهامش سياسي وعسكري واسع يمنحها القدرة على التلاعب بالوقت، خاصة وأن العامل الاقتصادي يتعرض لانهيار كبير، وذلك له تأثيره في إنشاء جبهة داخلية معارضة لسلوك النظام الحاكم، وفتور في التعاطي مع الحرب التي لا يبدو أن أمريكا ستتنازل عن انتصار حاسم وكاسح فيها إن بدأتها، لذلك فإن وقت العناد والتهور والصلف قد انتهى ولم يعد مجديا على الإطلاق ممارسة السياسة بمنطق الفتوة والبلطجة، وليس من خيارات كثيرة أمام إيران في مواجهة الإدارة الأمريكية الحالية التي وضعت كل ثقلها في حسم الدور الإيراني السلبي في المنطقة والعالم.

تقتضي الواقعية السياسية أن تقدم إيران نفسها كشريك سلمي يبحث عنه العالم في طهران منذ حوالي أربعة عقود، ولم يعد الوقت يسمح بمزيد من العنتريات وفتح الجبهات العسكرية التي تشاغب هنا وهناك، أو جبهات سياسية تعمل على تخريب استقرار المجتمعات وتهدد أمنها وسلامها، هذه السياسات المتهورة انتهى وقتها مع نهاية الحرب الباردة، ولم يعد العالم يتسع للمتهورين والمشاغبين الذين يدخلون السياسة من أبواب الخروج، وهناك نماذج عديدة لأنظمة فعلت ذلك وتساقطت بأقل مجهود سياسي وعسكري.

بالتأكيد لا أحد يرغب في الحرب، ولكن كما سبق وذكرت أن الولايات المتحدة لا تتردد في اتخاذ الحرب وسيلة دبلوماسية، والرئيس الأمريكي دونالد ترامب ومستشاره للأمن القومي جون بولتون من منطلقات براغماتية محضة سيعملان على استخدام هذه الوسيلة في السيطرة على الملف النووي، وقد يصلان به إلى أسوأ كوابيس إيران، وحينها سيكون من المؤسف تضرر قطاعات واسعة من الشعب الإيراني اقتصاديا إلى جانب الضحايا الذين يمكن أن تخلفهم العمليات العسكرية.

في جميع الأحوال، ليس أمام إيران الكثير من الخيارات، لأنها الآن في الزاوية الضيقة، وسيظل السلام خيار صفر، لا تتناسب معه التصريحات والخطابات والخطب العدائية التي تستعدي المجتمع الدولي بأكمله بتهديد الملاحة في الخليج وإيقاف الصادر النفطي ومشتقات الطاقة إلى المستهلكين في مختلف أنحاء العالم، لذلك المعادلة في غاية الحرج والسوء بالنسبة لإيران وأي إجراءات ذات طبيعة عسكرية من جانبها سيتضرر منها آخرون في المنطقة بذلوا جهدهم من أجل السلام ووقفوا موقفا يتماهى مع تجنيبها الحرب، لذلك فإن خسارة الحرب المحتومة ستكون معقدة بالنسبة للنظام، وليست نزهة تعزز موقفها في طاولة التفاوض، فقد خسرت من قبل اليابان وألمانيا كل شيء دون فرصة استسلام أو جلوس على طاولة من أجل التسوية.


*كاتبة سعودية

* نقلا عن "اليوم"

حول الموقع

سام برس