بقلم/ سلمان الدوسري
حملة إعلامية جديدة تقوم بها قطر هذه الأيام بمناسبة مرور عامين على مقاطعتها. تدور بها على نفسها لتشرق وتغرب ثم تعود لنفس النقطة التي بدأت منها، وهي نفس الحملة الإعلامية التي قامت بها قبل عام وتتكرر بالطريقة نفسها، والأكيد أنك إذا قمت بنفس الفعل أكثر من مرة فلا تتوقع أن تجد نتيجة مختلفة.

الدوحة تصر من اليوم الأول للمقاطعة على دبلوماسية معتمدة على رسالتين متناقضتين؛ الأولى خارجية تحمل مظلومية باعتبارها «محاصرة» وتعاني من المقاطعة، والرسالة الأخرى داخلية بأنها أصبحت أكثر قوة وازدهاراً مما كانت عليه وباتت تعتمد على نفسها وليس جيرانها، والرسالتان بطبيعة الحال لا تستقيمان، فمن يصبح أقوى وأكثر ازدهاراً بالتأكيد لا يمكن أن يكون «محاصرا»، ومن يعاني فلا يمكن أن يمسي أقوى، وفي جميع الأحوال «ازدهار» قطر أو قوتها أو القدرة على استيراد آلاف الأبقار بالطائرات لا يشغل بال جيرانها، فلديهم من القضايا ما هو أهم من ذلك، على عكس الدوحة التي تعتبرها أم القضايا.

في خضم احتفالات قطر الصاخبة بعامين «من الشموخ والإنجازات» وتسمية طائرات رافال الفرنسية بـ«العاديات»، فإن ما يهم جيرانها فعلاً أنهم حققوا جزءاً كبيراً من أهدافهم من مقاطعتها؛ تخلصوا من تدخلاتها العبثية في شؤونهم الداخلية، وتمكنوا من إجبارها على تقليص دعمها للإرهاب، بالإضافة إلى أنها لم تعد قادرة على اختراق دول مجلس التعاون لتنفيذ أجندات معادية كما كانت تفعل مع إيران على وجه الخصوص، وهذه في تقديري من أعظم الإنجازات التي حققتها المقاطعة، ففي موقف النظام القطري وتراجعه عن بياني القمتين الخليجية والعربية اللتين أقيمتا في مكة المكرمة، لصالح إيران، أكبر دليل على صحة قرار الدول المقاطعة بأنها كانت خنجراً مسموماً تعمل بالخفاء لصالح النظام الإيراني، بعد أن رمت الدوحة بكل أوراقها لتصطف مع إيران بل وتمثلها في القمم كما لم تفعلها أي دولة أخرى، حتى تلك الدول التي تحتفظ بعلاقات قوية مع إيران خجلت من أن تفعلها بالشكل المفضوح هذا، حيث انقلبت على موافقتها على بيانات القمم وحملت الموقف الإيراني بكل تفاصيله، بل عبرت عن امتعاضها من بياني القمتين العربية والخليجية اللذين «ركزا بشكل رئيسي على التصعيد مع إيران، في حين غاب أي طرح لاعتماد سياسة الحوار مع هذه الدولة الجارة»، بحسب وزير خارجية قطر، أما أمير قطر فذهب أبعد من ذلك بالتعبير الصادق عن العلاقة القطرية الإيرانية خلال اتصاله بالرئيس الإيراني حسن روحاني، قائلاً إن «مواقف طهران والدوحة تجاه العديد من القضايا الإقليمية متقاربة جداً»، في حين شكر روحاني أمير قطر على موقف حكومته من قمتي مكة، وبينما المنطقة تشهد توتراً شديداً بسبب التصعيد الإيراني وسلوكياتها العدوانية، ترمي الدوحة بكل أوراقها بوقوفها مع طهران ضد جيرانها كعادتها، كل الفرق أنها كانت تقوم بذلك سراً على مدى عقدين، أما اليوم فأصبحت تقوم به على رؤوس الأشهاد.

عاماً تلو الآخر تمضي سفينة الدول الأربع بهدوء بعد أن تخلصت من دولة كانت تخرق السفينة عمداً، وفي كل مرة يتم إصلاح الخلل بينما الجميع يعلم مَن خرقها لكنهم ينتظرون توقفها مستقبلاً عن ذلك، في الوقت الذي تزيد قطر في كل مرة من مساحة التخريب المتعمد للسفينة، أما اليوم وبعد عامين من المقاطعة فالمكاسب مستمرة، ولا يوجد من يفكر مجرد تفكير في إعادة الدولة المعزولة إلى السفينة من جديد.

لا أحد يعلم متى تعود، ربما بعد خمسة أعوام أو عشرة، الأكيد أن جيرانها أصبحوا أكثر أمناً واستقراراً بعد عزلها، أما هي فهنيئاً لها بـ«إنجازاتها»، فالأهم أنها كفت شرها عن الآخرين، ولم يكن ذلك ليحدث أبدا لولا المقاطعة التي أراحت جيران قطر وجعلتهم أكثر تركيزاً على قضاياهم من الانشغال من أذى بالغ كان يأتيهم من الجار الصغير.

*نقلا عن "الشرق الأوسط".

حول الموقع

سام برس