بقلم / احمد الشاوش
من أغرب الأمور التي لا تخطر على قلب بشر ، ان الازمة اليمنية منذ بداية أحداث الربيع اليمني الدامي وانقسام الشارع اليمني الى شارعين ومروراً بسقوط العاصمة صنعاء واتفاق السلم والشراكة وسيطرة الحوثيين وفرار هادي ومحسن وقياداته ، انها حطمت الكثير من الطغاة والاصنام ومراكز القوى العابثة والأحزاب القومية والتقدمية والعقائدية الورقية والجبابرة والمتكبرين والانتهازيين والافاكين ، وعرت الكثير من أوراق التوت.

ومن عجائب الأمور والاقدار ان الحوثيين الذين رحبت بهم كوادر الإصلاح في ساحة التغيير بصنعاء بزامل " حيا بهم حيا بهم" وتقاسموا معهم انصاص الدجاج والوجبات السريعة في البداية ومن ثم الصراع على المنصة ومطالبة حميد الأحمر برد الاعتبار وتعويضهم ودخول علي عبدالله صالح في شراكة مع الحوثيين وتسليمهم البنك المركزي ومخازن الأسلحة والسكوت على قطع مرتبات العسكريين والمدنيين لم يكن حباً في أنصار الله أو انقاذاً للوطن أو اصلاحاً للسلطات وانما أحياء للانتقام وتجسيداً للفجور وتصفية الحسابات الرخيصة مع اخوان اليمن واللقاء المشترك من الاشتراكيين والناصريين الذين انقلبوا على صالح وحاولوا تصفيته في جامع الرئاسة رغم انهم المستفيد الأكبر في الجاهلية والإسلام.

حيث قدمت كل الأحزاب اليمنية وفي طليعتها المؤتمر الشعبي العام أكبر خدمة " للحوثيين" لم يحلموا بها منذ الف عام مكنتهم من السيطرة على مفاصل الدولة وقلمت أظافر وشوارب الاعفاط من مشايخ حاشد وبكيل ودُمى سنحان والقبائل الأخرى والاخوان والمثقفين ودكاترة الجامعات والاعلاميين وحلقت للجميع صفر دون استثناء بعد ان تنكروا للدولة ونظامها الجمهوري وسيادتها ونهبوا خيراتها واراضيها وجسدوا المناطقية والعنصرية والمذهبية وعبثوا بحرمة وأمن وسكينة صنعاء وغيرها من المدن اليمنية وامتصوا دماء أبنائها دون أدنى اعتبار للقيم والأعراف والتقاليد والقوانين فكان " الحوثي " بمثابة العقااااااااب لذلك الفجور السياسي والديني والثقافي والاجتماعي والمناطقي بعد ان تنكر كل مواطن للنعمة والبيت اليمني والوحدة اليمنية التي أستظل تحت سقفها جميع اليمنيين دون استثناء.

كما كشفت الازمة اليمنية الكثير من القناعات وتساقط الكثير من الأوراق ، فالشيخ حميد الأحمر الذي تفاخر بقبيلة حاشد في قناة الجزيرة ، لم يعد رقماً في الحياة السياسية اليمنية بعد ان دمر الحوثيون دارة في الخمري وتم قصقصت أجنحته وسقطت هيبته ، والشيخ صادق الأحمر دفع ثمناً كبيراً جراء خلافة مع صالح بقوله سنخلس الاحزمة اذا بقي صالح في الحكم، ولم تحمه إلا بضع " ناشطات " بعد مهاجمته في عقر دارة بالحصبة ومقولته المشهورة انا في وجه السيد ، واخوانه واسرته فروا وتشردوا في تركيا والسعودية والجبهات بعد ان كانوا دولة ، والجنرال علي محسن هربه السفير السعودي في صورة مهينة كشفها سفير الرياض.

واحمد علي عبدالله صالح ذهب الى أبوظبي مبكراً بعد ان وعى الدرس والخيانة ونغمات البند السابع ووالده صمم على البقاء في صنعاء وخيل على جماهير السبعين حتى تم مهاجمته في عقر دارة بعد اعلان الثورة على الحوثيين الذين أصبحوا دولة بكل ما تعنية الكلمة ، والاغرب من ذلك انه طلب من الجيش والامن التوجه الى المعسكرات وعدم الامتثال للحوثيين ، بينما جندي الحرس الجمهوري والامن أصبح لا يملك مائة ريال قيمة خبز لأولاده أو أجرة باص توصله الى المعسكر ورُغم ذلك فإن قادة ومشايخ ووزراء صالح من اللصوص اثروا بملايين الدولارات وانظم البعض منهم مع الحوثيين والسواد الأعظم فروا للخارج.

والمثير للعجب أن طارق عفاش ظل غارقاً في العالم الافتراضي " مواقع التواصل الاجتماعي " وشُغل بالنظارة السوداء والتقاط الصور ودعم القادة والمشايخ و الإعلاميين المنافقين الذي ورطوا عمه وما استطاعوا حمايته أو حتى يبثوا قناة اليمن اليوم من الخارج وسقطت كل المواقع الالكترونية والصحف في غمضة عين بعد ان غرق في تويتر وترك نصائح وعروض الشرفاء من المشايخ والقادة الذين رفدوه بالمقاتلين مجاناً وفاءاً مع صالح والحفاظ على النظام الجمهوري ولم يسمح لأي منهم بمقابلة الزعيم بقوله كما احتجناكم بانتصل لكم وبعد المعركة فر هارباً الى التحرير واشترى معوز ليواصل الهروب من العاصمة صنعاء متخفياً ، وأصبح أداة مع الأسف الشديد في يد التحالف لايتقدم خطوة لتحرير محافظة الحديدة إلا بتصريح مسبق مالم سيتم قصفه من الجو والبحر.

بينما الحبوب يحي صالح رئيس جمعية كنعان فضل اللجوء الى بلد الجمال والخضرة و المزز " لبنان " وعلى أهبة الاستعداد لتحرير القدس في حين لم يحرر شارع في العاصمة صنعاء ، واما العمدة توفيق صالح مازال مصروعاً من دخان كمران والبعض في السجون وآخرين ذهبوا الى عمان بوساطة بعد خيانة صالح من اقرب الناس من اسرته وقبيلته وحرسة ووزراءه ، وقبل ذلك تحول منزل مهدي مقوله الى متحف يجمع الاثار والتحف التاريخية .

وأصبح" طفل " أو مشرف من انصار الله يهز سنحان وحاشد وبكيل وما الفيديو الذي كشف مهاجمة منزل الجنرال على محسن والشتائم الفظيعة واستجداء الحراس الا تأكيداً لذلك الرعب بعد ان كانوا يهزوا الدنيا في عصر الدولة .

بينما غرق الشيخ عبدالمجيد الزنداني ومحمد اليدومي وعبدالله صعتر وآخرون في عالم اكتشاف الايدز وخلطة الحريو والجلاكسي والبوفيه المفتوح في الرياض و تركيا والبزنس السعودي وصفقات الأسلحة وبناء الدولة في مأرب والجمع بين الأربع الذي حول كل منهم الى قوة 128 حصان ، انستهم تحرير " نهم " ومبادلة محمد قحطان ، ولهذه القوة الجبارة فرت توكل كرمان الى إسطنبول وأصبحت تحت حماية واشنطن بعد ان تحولت 360 درجة بمقياس الدوحة.

واذا كان الرفيق ياسين سعيد نعمان كان له صولة وجولة قبل وأثناء وبعد صالح عن الدولة المدنية الحديثة ، إلا ان تصريحاته ومقالاته من داخل لندن مجرد فقاعات وخطاب استهلاكي للعيش في الوقت الضائع بعد ان تحول من طبقة البلوتاريا الى البورجوازيين وكذلك العطاس الذي يطمح في منصب جديد رغم ان القطار فاته في ظل الصرعات الإقليمية والدولية في اليمن ، بينما صبأ قادة الحزب الناصري عن ادبيات وقيم الحزب بعد ان تدافعت كل قياداته الى أحضان " الرجعية" في الرياض ، وبعدان قال عبدالناصر ان جزمة الجندي المصري أشرف من تاج الملك " سعود" ، أصبحت جزمة الـملك سعود أشرف من أكبر قيادي ناصري يمني أرتمى بين أحضان السعودية وأكل من مخلفاتها ، لاسيما بعد ان هرول عبدالملك المخلافي والعتواني وغيرهم الى تقديم الولاء والطاعة.

واما المؤتمر الشعبي العام فحدث ولاحرج فإنه منذ تكوينه في الثمانينات مظلة وطابور خامس للإصلاح والاشتراكي والناصري والبعث والهاشميين والمشايخ رُغم رؤيته الوطنية ووسطيته ، وبعد مقتل صالح تم تقسمه الى 24 قيراط على الورثة بين صنعاء وعدن والرياض وابوظبي والأردن وتعز والدوحة ، في حين لاتزال بعض كوادره الوطنية والمستقلة من أمثال الدكتور ابوبكر القربي وغيره تعكس الصورة الحقيقية للمؤتمريين الشرفاء.

أخيراً .. هل يستفيد الحوثيون من كل تلك التجارب والأخطاء القاتلة ويستمعوا الى صوت العقل والحكمة ويفتحوا صدورهم للنقد الصادق ويقدموا الفاسدين للمحاكمة بعيداً عن الانتقاء ويحققوا مبدأ المساواة والعدالة وإخراج الأبرياء من السجون وصرف المرتبات وتوفير دبة الغاز والتداول بالعملة اليمنية اياً كانت لانها ليست عملة صالح اوهادي او الحوثي وانماعملة بلد ، مالم فالشعب اليمني مزاجه متغير على مدار الساعة وكما أصطف معكم في البداية قد يصطف مع القادم ولو بعد حين .. نأمل التفهم .

shawish22@gmail.com

حول الموقع

سام برس