سام برس/ تونس/ شمس الدين العوني
المكان ..مكانة..والمكان بعطوره و حكاياته الباذخة..لقد هام الفنانون و الشعراء و عموم المبدعين بالأمكنة نشدانا للقيمة و للذكرى..و للتذكر ..نعم انها فسحة العطور المكللة بالحنين و الجمال و الشجن ..
و القيروان في هذه الفسحة تجاه الألوان و الكلمات..مثلت مجالا خصبا للذاكرة و للقول بألق الأبجدية..أبجدية الروح و الأسئلة..والترحال النادر ..و الفن بالنهاية هو ترجمان هذه الشواسع..و غناؤها الخافت..

الرسامة هندة عبد الكافي بوخاتم هامت بالمدينة و نعني القيروان بحثا عن ذاتها حيث تداعت كأغنية بها شجن قديم و لا تلوي على غير العناق تجاه الألوان...و القماشة أرضها المفتوحة على الذكرى....و النظر.
هي الآن تعد لمعرضها الخاص الجديد بعد معارضها برواق علي القرماسي و رواق " آر بلوس " المنستير و ضمن الفعاليات الخاصة بربيع الفنون بالقيروان من خلال المعرض التشكيلي الجماعي بقاعة محمد الحليوي بالقيروان و في هذا المعرض القادم تعرض الرسامة هندة عبد الكافي بوخاتم عددا من أعمالها الفنية حيث تقدم عددا من لوحاتها الجديدة .

وهي من الفنانات التشكيليات ضمن المشهد الفني بتونس حيث عملت على نحت تجربتها منذ عقود و كانت بعيدة عن أجواء المهرجانات التشكيلية و المعارض الخاصة و الجماعية سوى بعض المبادرات التي رأت فيها أهمية التواصل مع الجمهور الذي أحب اعمالها ضمن الفضاء الجمالي المحلي و نعني المدينة العابقة بالحضارة و بالتواريخ..القيروان .

من القيروان نهلت و قدمت أعمالها بفضاءات المركب الثقافي أسد ابن الفرات و نجح المعرض الذي ضم باكورة تجوالها في تفاصيل الحالة القيروانية بما هي حالة وجد و أصالة و تراث و تقاليد...

الرسم لدى الفنانة هندة عبد الكافي مساحة من مساحات القول الجمالي ..ذلك ان الحيز الممنوح للذات من عناصر و تفاصيل و أشياء يجعلها تتماهى بما توفر لديها من مفردة تشكيلية نحتا للقيمة و تأصيلا للكيان..والفن تعدد اتجاهات و تيارات و رؤى مختلفة..

ألوان من وحي الحوار الوجداني و الانساني البليغ..أما المشاهد فانها خليط جمالي بين ما يعتمل في الذات من أفكار و هواجس و رؤى تنبع من أصل الفكرة ..و الفكرة هنا هي هذا الحوار المأخوذ بالتواصل المشترك تجاه القيمة..انها قيمة الانسان في تجلياته الثقافية و الفكرية و الانسانية العميقة..ماذا لو صارت الألوان ملاذا مفتوحا للحوار بما يعنيه ذلك من آفاق رحبة للتواصل و التأسيس لياء المحبة و نون النظر و هاء الدهشة...

انها رحلة الفن الجميل الآسرة و المأخوذة بالرفعة و الجمال و الحنين في هذا البرد الكوني ...
مثّل المكان قيمة جمالية ورمزية للفنانين والأدباء عبر التاريخ وذلك لقيمته الانسانية والوجدانية باعتبار ما يمنحه من حميمية وطاقة تعبيرية عالية وعابرة للازمنة.وقد اشتغل عدد هائل من المبدعين في هذا المجال فكانت روائع الاعمال الادبية والفنية التي خلدت الامكنة من مدن وأحياء وعبرت عن جانب كبير من التعاطي الاجتماعي والثقافي مع التحولات والمتغيرات في مستوى السلوك والعلاقات والتقاليد والانماط في هذه الفضاءات الإنسانية...
المدينة العتيقة التونسية وفي هذا الاطار، جلبت اهتمام حيز من هذه الاعمال لعدد هام من الفنانين و هذا مايقودنا للقول بجدية تعاطيهم مع الفضاء و عطوره و رمزيته العالية ..
الرسامة هندة عبد الكافي تشبعت بالألوان و بالامكنة و هي ابنة القيروان هذه المدينة الموحية و الساحرة بتفاصيلها و بعراقتها و بجمال معالمها..منها استلهمت التجريديات و الطبيعة الجامدة و المشاهد المختلفة التي توحي بالألفة تجاه المكان و العائلة بشيء من الكلاسيكية ..فالرسم عندها ما تستبطنه الذات و ما تراه..و هو ذلك الترجمان لمختلف العناصر و التفاصيل..

اذن ..ياتي هذا المعرض الجديد لآخر أعمالها في سياق من العلاقة المفتوحة التي بنتها بينها و بين المتلقي الذي تنصت جيدا لآرائه و ملاحظاته فالفن لديها تواصل و حوار مفتوح ..
معرض آخر و تجربة مفعمة بالكد و حب المغامرة و الفن هو هذا النزوع المفتوح و المتواصل على الآفاق و المستقبل..هكذا هي الألوان في فضائها القيروان حيث تواصل الفنانة هندة بحثها عن مفردات أخرى تؤثث التجربة و تضيف للذات و للمكان ألقا آخر..

حول الموقع

سام برس