بقلم/ محمد علوش
بحسب الصحافة التركية، فإن مركز العمليات المشتركة بين الأميركيين ونظرائهم الأتراك بشأن المنطقة الآمِنة في سوريا التي تمّ الاتفاق عليها مؤخّراً، سيكون في "شانلي أورفا" أو "غازي عنتاب"، حيث وصل مطلع هذا الأسبوع 90 جندياً أميركياً إلى مطار "قاب" في "شانلي أورفا"، وتحرّكوا باتجاه مركز المدينة.

للوهلة الأولى، يبدو التفاهُم الأميركي التركي يسير بخطى ثابتة، والعقبات التي كانت تُعرقِل قيامه قد زالت بالكليّة إلاّ أن المدقّق في التصريحات التركية من ناحية، وفي بنود الاتفاق من ناحيةٍ أخرى، يجد الاتفاق قد احتوى غموضاً في أهم القضايا الشائِكة، وترك لطبيعة العمليات الميدانية أن تحدِّد المواقف المطلوبة من تلك القضايا. ويتَّضح غموض الاتفاق في عدم اتضاح معالم المنطقة الآمِنة، ولا طريقة إقامتها، ولا مدى عُمقها، ولا حجم القوات التي ستنتشر فيها، ولا الجهة المخوَّلة إدارتها.

من حيث المبدأ، تُظهِر تركيا نفسها وكأنها حقَّقت انتصاراً في المعركة الدبلوماسية وأخضعت الولايات المتحدة لرغبتها في إقامة "المنطقة الآمِنة" رغم التمنّع الأميركي المستمر منذ سنوات من عُمر الأزمة في سوريا. في حين تنصبّ الجهود الأميركية على تفجير الاتفاق أو إجهاضه من داخله بالتركيز على غموض بنوده وذلك بالمماطلة تارة وبالمراوغة تارة أخرى.

تعلم تركيا بالنوايا الأميركية. وقد سبق لها أن شنَّت حملات عسكرية مُنفرِدة عبر التوغّل في الأراضي السورية من دون التنسيق مع حليفها في الأطلسي. فالهجوم البري عام 2016 أتاح لها السيطرة على أراض في شمال شرق سوريا. ثم هجومها عام 2018 أتاح لها السيطرة على منطقة العفرين التي كانت خاضعة للقوات الكردية المدعومة من الولايات المتحدة.

تُصرُّ أنقرة على ضرورة إقامة المنطقة الآمِنة بعُمقٍ يتراوح بين 30 إلى 40 كيلومتراً أي أكثر بضعفيّ ما سمحت به واشنطن، كما تأمل بطرد قوات الحماية الكردية إلى ما بعد تلك المنطقة، ونزع أسلحتها الثقيلة، وإتاحة المجال للمُراقبة الجوية، وإقامة مناطق مُراقبة مُشتركة مدعمة بالتنسيق والتبادُل الاستخباراتي.

الولايات المتحدة لا تجد نفسها مُضطرة لمشاركة تركيا اهتماماتها وخاصة أنها لا تُشاطرها المخاوف نفسها لجهة قوات الحماية الكردية. وجلّ ما تسعى إليه واشنطن من غرفة العمليات المشتركة هو فرملة الاندفاع التركي من تهديد مصالحها وأجندتها في سوريا.

تعتقد واشنطن أن عناصر وحدات الحماية الكردية الذين قاتلوا إلى جانب قوات التحالف الغربي حقَّقوا نجاحات أساسية في طرد تنظيم داعش. فهم كانوا أكثر العناصر فعّالية في القتال على الأرض. وطردهم من المناطق التي سيطروا عليها بعد زوال خلافة داعش، ونَزْع أسلحتهم الثقيلة قد يخلق مشاكل جديدة، مثل تشريد تسعين بالمئة من السكان الكرد السوريين، واحتمالية تسلّل داعش إلى المنطقة والتحرّك بفاعلية والاستفادة من موارده في تحقيق عملياته التخريبية ما قد يجعل الولايات المتحدة في مواجهة مباشرة مع هذه العناصر على الأرض، وهو ما لا تقبل به واشنطن مُطلقاً.

ما يزيد الخشية الأميركية أكثر هو أن يدفع فشلها في حماية حلفائها الكرد من الضربات التركية إلى الحضن الروسي الذي سيستغلّ الموقف للعب دور الوساطة بين وحدات الحماية الكردية وبين الحكومة السورية، ما يكسب موسكو دوراً إضافياً في الأزمة السورية ويمنحها امتيازاً أكبر على واشنطن في إعادة تشكيل المشهد السياسي في البلاد.

وصَمْت موسكو إزاء التفاهُم الأميركي التركي من حيث الظاهِر، يكشف عن استعدادٍ روسي لجني منافع هذا التفاهُم القَسْري الذي سيعقِّد الأمور أكثر على الأميركان والأتراك في حين يتُيح المجال واسعاً أمام الروس. وقد سبق لروسيا أن وقَّعت اتفاقات مع الأتراك لمساعدتهم حين فرضت وقفاً موقتاً لإطلاق النار في إدلب ، الأمر الذي ساعد الأتراك على توجيه حلفائهم من قوات المعارضة السورية للتوجّه نحو منطقة الفرات.

يُدرِك الأتراك جيّداً الموقف الأميركي، وهم يتحسَّبون لأية عرقلة مقصودة منه. ولهذا قال وزير الدفاع التركي خلوصي آكار حين سُئِل عن الدور الأميركي لاحِقاً: "طالما استمر الالتزام بهذه الأمور فإن تعاوننا سيستمر، وقلنا لهم مراراً وتكراراً إننا لا نستطيع تحمّل الانتظار في حال عدم الالتزام". ويعتقد آكار أن الاتفاق يُتيح لتركيا الحقّ باستخدام مبادرة التحرّك وحدها من دون أيّ تردّد في حال عدم الامتثال الأميركي لما تمّ التوصل إليه.

سعي أنقرة لإقامة المنطقة الآمِنة في سوريا يعود لأسبابٍ سياسيةٍ داخلية، لا علاقة لها بحقيقة التهديدات الكردية لأراضيها. فلا يوجد حتى اللحظة دليل يُشير إلى أن المنطقة المسيطر عليها من قِبَل الكرد في سوريا تُستخدَم كمنصّةٍ لمهاجمة تركيا. والتطمينات الأميركية المستمرة لتركيا حول خطورة وحدات الحماية على أراضيها، لا تتوقَّف.

يُدرِك أردوغان عميقاً أن خسارة حزبه لمدينة إسطنبول في الانتخابات البلدية الأخيرة، وضغط اللجوء السوري اقتصادياً واجتماعياً على بلاده، وعَزْم عدد من قيادات حزبه السابقين أمثال: علي باباجان، وأحمد داود أوغلو، وعبد الله غل، وآخرين في تأسيس أحزاب جديدة أو في نزع دعمهم المستمر لحزب العدالة والتنمية، قد يُهدِّد فرصة أردوغان بولايةٍ رئاسيةٍ ثانية.

إقامة المنطقة الآمِنة، وتحقيق انتصار ساحِق على الكرد يُنعِش القوميين الأتراك الذين ساندوا أردوغان في سياساته الداخلية والخارجية خلال السنوات القليلة الماضية. وبالتالي قد يساعد أدروغان على استعادة تدريجية لما فقده حزبه من بريقٍ في كُبريات المدن التركية. فهل سيحقِّق أردوغان رِهانه؟ وما الذي قد تبيَّته واشنطن لعرقلة الأتراك، وعدم السماح للروس الاستفادة من قلق الكرد السوريين من التحالف التركي الأميركي؟

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الميادين وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً

المصدر : الميادين نت

حول الموقع

سام برس