بقلم/ جميل مفرِّح
* لقد وصل الأمر بالأوضاع في اليمن حد التأرجح الأخير على الهاوية.. وما يثبت ذلك أن القوى السياسية، التي تستميت من أجل السلطة، ليست أولاً ذات منبع ومرجعية وطنية بحتة، وثانياً ليس بينها ما يكاد يجمعها أو يقرب بين مشاريعها إلا الإمعان في الخصومة والتجافي والأنانية المطلقة.. وذلك للأسف من أولى علائم الإخفاق والخسران لدى من ما يزالون يحملون راية التفاؤل بلحظة انفراج قريبة.

* منذ بداية الحال لم نلمس من هذه الأطراف أي جهد أو تنازل يكاد يذكر لإثبات حسن النية والتفكير في المصلحة العامة لليمن واليمنيين.. لم نلمس منها عدا محاولات تزكية الذات وشيطنة الآخر بشكل مطلق.. ما أدى بها في الحالين إلى الاختلاق والكذب والادعاء والتدين المزيف حتى صارت لا تمتلك غير هذه الأدوات غير الصالحة حتى لإدارة الذات، فما بالنا بالطموح في إدارة دولة وحكم أمة.. بل وصل الأمر إلى ما هو أبعد من ذلك حد أحقية الاستئثار المطلق بالحكم دون كل الخلق..!!

* هذه القوى الوصولية وضعت يدها كل منها بالشكل المتوفر له على قدرات هي من حق الوطن وعامة الشعب أو أملاك خاصة سطت عليها بالقوة مرة والحيلة مرات، وتحصلت على منحات وهبات وأجور ارتزاق من خارج الحدود، وغير ذلك من الإمكانات التي تساعدها على تكوين مليشياتها المسلحة الخاصة لمواجهة بعضها البعض من جهة ومواجهة الشعب الذي تزايد به وتدعي أنها تدافع عنه من جهة أخرى..

* والمدمر للآمال حقاً أن هذه القوى المملشنة هي ذاتها القوى التي كانت سابقاً تواجه الدولة والنظام السابق بدعاوى المدنية والعدالة وتطالب بدولة مدنية حديثة، كانت تدعي فقدانها وانعدامها وضرورة الكفاح من أجل تحققها في ذلك الحين، وحين توفرت لها الفرص المواتية لتحقيق شيء من ذلك، وجدناها تتنكر له وتتناسى حتى أنها معنية به ..!!

* اليوم تجد هذه القوى نفسها ونجدها نحن أيضاً وقد تجاوزت حالة الانكشاف إلى ما بعد ذلك بكثير.. فلم تعد تجد من المشاريع والشعارات او فلنقل من الوسائل ما ينقذ ويصفي موقفها، بل لم تعد بحاجة إلى ذلك، بعد أن استبدلت لغة المدنية والمعاصرة والعدالة بلغة القوة التي تستطيع بها أن تفرض نفسها.. وكأنها تعترض عنوة مسار التفاؤل لتقول له: قف مكانك.. كفى..!!

* كل ذلك وصل باليمنيين كشعب إلى مرحلة عدم الثقة بأي من تلك القوى التي باتت هي نفسها تعرف مكانتها وعدم توفر الرضى الجمعي والشعبي عنها، لتحاول بالتالي مداراة سوآتها الكثيرة ومدافعة ذاتها عن ذاتها بقطيع محدود من التابعين المتعصبين معتبرة إياهم الشعب ومساحة محدودة من الأرض والسلطة عادةً إياها الوطن والدولة..!!

* اليوم تعرف هذه القوى جيداً أنها لم تستطع أن تكون الحلم المأمول حتى لنفسها وللقطيع المحدد من رعاياها، وتومن بقدر كبير بأن رصيدها لدى عامة الشعب في تراجع ويكاد ظهره يرتطم بجدران الواقع.. لذلك يظل شغلها الشاغل الآن محصوراً في تأمين ذاتها بالقوة والسلاح والمال بأي الطرق، متأكدة من أنها ستكون في لحظة ما في مواجهة مع الواقع، في مواجهة مع شعب سينتهي رصيده من الصبر والاحتمال.

* هذه القوى رغم ما أصبحت تمتلكه من جدران حماية متمثلة في القوة والسلاح والمال والأتباع إلا أنها تدرك جيداً أنها فشلت وأنه لا يمكنها الاستمرار في البناء على الكذب والادعاء والخداع مزيداً من الوقت.. إنها تدرك أنها هشة وأن أية ريح قد تقصدها أو تمر غفلة بموازاتها قادرة على أن تأخذها إلى ما وراء التاريخ.. ومع ذلك ما تزال تكابر نفسها وتعد بما ليس ممكناً قبل الممكن، مستمرية الاستمرار في طريق اللاعودة واللا استسلام..!!

حول الموقع

سام برس