سام برس/ تونس/ شمس الدين العوني
" خواطر " تقصدت فيها الكاتبة الافصاح عن أحاسيسها وفق تلقائية سردية بشحنة من الوجدانيات..

الذات في حلها و ترحالها تقتحم عوالم البوح قولا بالكينونة تحتفي بشواسعها و هي تراوح بين تلوينات شتى من الحلم و الأمل و الرغبة وفق ضروب الكتابة بما هي شجن و لوعة و سلوى و مساحة وجد ..الذات تعلن عناوين تفاصيلها حيث الكلمات موسيقى من نهوند و صبا ..انها لعبة الكتابة بما تتيحه من تجليات الذات تكشف حيزا من الاعتمالات و الهواجس و الأحاسيس...و الذكرى..الذكرى الحية المتجددة تجاه المنشود و المرغوب ..
من هنا نلج عوالم الكتابة عند الكاتبة منية الجبالي التي صدر كتابها مؤخرا بعنوان " اليك ترحل الدنيا " عن دار السكرية للنشر و التوزيع بمصر و في 85 صفحة من الحجم المتوسط.
الكتاب تضمن عددا من النصوص منها " طفولتي " و " صمت " و " الحبر السري " و هروب " و مشاعر خرساء " و ثرثرة و هذيان " و " نزيف الشوق " و " نبض قلب " و " عطر كلماتي " و " ذكريات " و " ليتك تعلم "....

هذا الكتاب أشار في غلافه الى جنس نصوصه " خواطر " حيث تقصدت الكاتبة منية الجبالي الافصاح عن معترك أحاسيسها وفق تلقائية سردية فيها شحنة من الوجدانيات و لا ترتجي سوى البحث عن ذاتهابين السطور..و هنا تقول في نصها " توهان في سراديب الحياة " ص38 :
" أكتب لأبحث عن نفسي بين السطور..لربما تحادثني ذاتي بين الحروف ..علني أخترق صمت روحي فتتكلم و تبوح..أكتب علني ادون في دفاتري ما يخفيه عقلي ....طفلة يتيمة زادها بعض الكلمات ..قصيدة و أغنيةحزينة...أكتب حتى لا أرحل دون أن أترك أثرا."

تخيرت الكاتبة شكل الخواطر و الخاطرة هي ضرب أدبي "...كغيرها من الفنون الأدبية متشابهة إلى حد كبير مع أساليب القصة والرسالة الأدبية والقصيدة النثرية(ويكيبيديا) إلا أنها تتميز الخاطرة بأنها غير محددة "برتم" أو وزن موسيقي معين أو قافية وتخلو من التفصيلات فهي تعبير عما يجول بخاطر الكاتب أي تعبر عن حالة شعورية خاصة بالكاتب في قالب أدبي بليغ ويكثر فيها استخدام المحسنات البديعية والتصوير والكلمات القوية أي أنها انفعال وجداني وتدفق عاطفي ومن اسمها (خاطرة) هي خطر على البال مرّ أو ذكر بعد النسيان ويكون وليد اللحظة أو الحين ومدته قصيرة فهي تكتب لحظة حدوث الشيء أو بعده ولا تحتاج لاعداد مسبق ولا تحتاج لأدلة او براهين وقد تتعدد اشكالها ما بين قصر وطول ..".

في " اليك ترحل الدنيا " تسافر بنا الكاتبة الى عالمها الزاخر بالذكرى و بما تنشده هي كذات حالمة يهزها الشجن و الحنين و من حنينها الخصب نذكر ما جاء في نصها حكايات المطر " ص 65 :

" أذكر صغيرة ابتهاج أمي بهطول الأمطار فهي ابنة فلاح و المطر بالنسبة لها استمرار للحياة أما أنا فلي مع المطر حكايات و روايات..صغيرة كنت أرفع رأسي الى السماء أفتح فمي و أحاول الارتواء..صغيرة كنت أفتح يدي لأحسب قطرات المياه ثم أركض و أركض أسابق الحياة..صغيرة كنت أفرح و أمرح و أبلل وجهي و شعري و لبسي و جسمي و كلي و الآن جدا كبرت لكنني لا زلت كما كنت."

انها كتابة مفعمة بالاحساس الدفين تجاه التفاصيل بما هي عنوان وجد و حنين تقود الكائن الى ذاته في كون معولم ينمط العناصر و الأشياء و التفاصيل فهذا النص هو في خانة الذاكرة الحية التي هي مجال قول بالهوية و الشخصية و الخصوصية في أدق حميميتها و صدقها..الكاتبة تسعد فقط بما تذكره من تفاصيل أهملت في أيام الناس هذه ليعم الهوان و السقوط المريب..

في نصوص أخرى تخاطب الكاتبة منية الجبالي من تحلم به واقعا و متخيلا يقاسمها الاحاسيس يلائم صورة و فكرة و كيانا ما بخيالها تعيش على ايقاعه من زمان و يشكل الهاجس و المنتظر ..هي ترسم بهذه الكلمات البورتريه المنشود لهذا الكائن الحبيب و الرفيق و السكن أمسها و الغد.في نص بعنوان " من أنت " ص 92 تقول :
" أتعلم من أنت عندي..أنت عندي فرحة سكنت روحي ..أنت بسمتي ..ربيع عمري و نور فجري ..أنت سكينتي و توازني ..جميل ما يسري في دمي ..أنت حاضري غدي و أمسي ..أنت عندي وطني و موطني.. ".
الكتاب تضمن في قسم منه نصوصا جاءت باللغة الفرنسية و بنفس الاسلوب و هي من ترجمات الكاتبة كما كان الغلاف من تصميم شادي راغب .

كتابة رامت من ورائها صاحبتها الكاتبة منية الجبالي القول باللأحاسيس و الحنين تجاه الكائن الساكن فيها فكرة و شكلا تتقصد الرحيل تجاهه بل هي حشدت له دنيا من الشوق و الكلمات ..." اليك ترحل الدنيا " خواطر الذات للنظر بعين القلب لا بعين الوجه..


حول الموقع

سام برس