بقلم/ عـبدالله علي صبري
مع تطورات الأحداث في المحافظات الجنوبية، تفرض أزمة الوحدة اليمنية نفسها من جديد. لكن تحت متغير خطير يتعلق بالتدخل العسكري الخارجي المباشر لصالح الانتقالي الجنوبي وعلى الضد من الشرعية المزعومة، التي كانت وما زالت القفاز الذي استخدمه تحالف العدوان لضرب اليمن والعمل على تقسيمه وتفكيكه جغرافيا واجتماعيا.

والمتأمل في مسألة الوحدة يجد أنها تعرضت لهزات متوالية منذ الإعلان عنها في مايو 1990م، حين عارضت القوى التقليدية دستور الجمهورية اليمنية، ثم حين تحفظ الحزب الاشتراكي على نتائج الانتخابات البرلمانية في 1993م، وصولا إلى أزمة وحرب صيف 1994م.

وحين ظن النظام السابق أن الأمور قد استتبت له ما بعد الحرب وحتى تخلق الحراك الجنوبي في 2007م، عاد سؤال الوحدة والبحث عن معالجة سياسية تاريخية يفرض نفسه من جديد. واليوم وبعد خمسة أعوام من الحرب العدوانية على بلادنا وجد الخارج في أزمة الوحدة اليمنية مدخلا لتعميق الجراح، تمهيدا لفصل الجنوب عن شماله وتقسيم اليمن إلى دويلات متناحرة.

وسبق أن تحدث خبراء السياسة والقانون عن مشكلة أصيلة في دولة الوحدة، تتعلق بالمركزية المفرطة، فاقترحوا دولة اتحادية لا مركزية، وجاءت وثيقة العهد والاتفاق بتفصيلات كان بالإمكان أن تنقل الأزمة إلى مربع آمن لو أن نظام 7-7 تفهم الإشكالية السياسية لدولة الوحدة، ومخاطر التسويف في معالجتها.

مؤتمر الحوار الوطني 2013م هو الآخر قدم مقاربة عملية للقضية الجنوبية، حين توافقت الأطراف على ” الدولة الاتحادية ” كأساس للحل السياسي المنشود، بيد أن طريقة المعالجة والإعلان عن تقسيم اليمن إداريا إلى ستة أقاليم دون اعتبار للأطراف الوطنية المتحفضة ( أنصار الله، الحزب الاشتراكي، الحراك الجنوبي)، قد جعل من الأقاليم مشكلة للشمال والجنوب معاً، ما أدى الى استفحال الأزمة السياسية، واستجلاب التدخل العسكري الخارجي في مارس 2015م.

في ظل الحرب المستعرة أمكن لكل الأطراف الهروب إلى الأمام، بيد أن العدوان السعودي الأمريكي اشتغل ميدانيا على فرض الأقاليم الستة لكي يغدو أمرا واقعا لا فكاك منه، فكل الجنوب بات منفصلا عن الشمال، كما أن الشمال لم يعد كتلة سياسية واحدة، وكذلك الجنوب.

وبتعميق الأزمة بين الانتقالي الجنوبي وما يسمى بالشرعية، يغدو مطلب الانفصال السائد في الشارع الجنوبي، مع ملاحظة أن مناطق جنوبية ترفض مركزية عدن أيضا، الأمر الذي جعل الانتقالي يبشر بدولة اتحادية في الجنوب. !
لكن على عكس المشاعر في المحافظات الجنوبية يتنامى الحس الشعبي في الشمال بخطورة الانفصال والانصياع لمخطط التقسيم الخارجي تحت عنوان الفيدرالية، ومع أن أنصار الله وهو المكون السياسي الأبرز يدعو إلى حل عادل للقضية الجنوبية إلا أنه يرفض حاليا التعاطي مع الفيدرالية كحل سياسي للأزمة.

والسؤال، ماذا إذا تدحرجت الأمور، وتوحد الشارع الجنوبي على مطلب الانفصال وفك الارتباط مع الشمال على خطى “جنوب السودان”؟ وكيف ستكون طبيعة ردة الفعل من قبل القوى والأحزاب السياسية؟ وهل ستخوض حرباً أخرى لفرض الوحدة بالقوة؟

الجنوب هو الآخر، هل سيكون جاهزاً لإعلان دولته وسط كل هذه التناقضات، أم أنه سيحتاج لفترة انتقالية تضمن انفصالا سلسا ومتوافقا عليه؟

لكن ماذا إذا قيل، فليذهب الشمال والجنوب إلى دولة اتحادية فيدرالية بدلا من الحرب أو الانفصال؟

حول الموقع

سام برس