بقلم/ نادية عصام حرحش
اسمح لي أن أرفع التكليف في مخاطبتك، فبعد العديد من الرسائل والمناشدات التي كتبتها لك، لم يعد هناك داعي للكلفة الزائدة. بصراحة شديدة انا لا أحب لغة التكلف والمخاطبات. وفي كل مرة أقول فيها سيادة الرئيس وحضرتكم وسيادتكم يكون ما اريد قوله قد فقد الكثير من معناه. وعلي التنويه كذلك ان مخاطبتك بأبي مازن ليست طبيعية بالنسبة لي، فأنت في عمر قد تكون فيه جدي.
عزيزي أبو مازن،

لن أسألك كيف حالك وكيف الوطن، فكما ترى كلنا في السفينة التي تقودها قد ارتطمنا بجبل بركاني ستتفجر حماه في أي لحظة. كما تعرف، فان هناك الكثير من الناجين، أولئك الذين حفروا ذلك الثقب العميق في السفينة وقفزوا منذ زمن بزوارق النجاة وتركونا، وربما تركوك. بالنهاية لا بد انهم تركوك معنا لأنك لا تزال على سطح السفينة تنتظر معنا من قد يأتي وينقذنا جميعا. وقد تكون بانتظار من يأتي ويحملك على طائرة خاصة وتتركنا. لا يهم.. نحن كلنا الان وبهذه اللحظة على نفس السطح المتعرض للهيب قادم، لن تسعفنا ماء المحيط الكثيرة المنتظرة قرابين لحيتانها.

المصيبة الحقيقية ليست في اللهيب القادم من فوهة البركان على سفح ذلك الجبل الذي قدت هدوءه سفينتا المثقوبة. فقد يتفجر البركان في غضب الآن وقد يتفجر بعد مئة عام. شأنه شأن الطبيعة التي شكلته وتحافظ على موازينها الخاصة. ولكن المصيبة في الحرائق المشتعلة داخل سفينتنا الغارقة بلا ماء ومحترقة بلا لهيب بركان يزمجر. ثقوب تشرخها وتخرقها وتشقق مساحات أمننا المتبقي.

كما ترى لم يعد هناك امامنا الا ان نصبح أصدقاء. كما صداقة الفيسبوك، لا يجب ان تكون صداقتنا حميمة. ولكن المسمى صداقة، لا يمكننا حجب الآخر ولا يمكننا عمل عدم متابعة، فدائرة الأمان تتقلص وكلنا نقترب الى غرفة القيادة المصفحة ضد الحريق وتسريب المياه. ولكن لا يمكن هذا كما تعرف…ستستنفذ كل الاكسجين وسنفنى بعد دقائق في هكذا حل.

لنترك القضايا الكبيرة، قضية الاحتلال صارت بعيدة، والحقيقة نحن لا نلومك، بينما نعيش اليوم في ذكرى مرور الكثير من الأعوام التي لا نريد ان نذكرها لأوسلو التي وضعتك على سفينة الشعب الفلسطيني وجعلتك قبطانا. فلن يفيد ان تعلن او تفكر او تقرر او تعين لجنة او ترسل بفرق بحث او تناشد العالم، فلا انت تصدق إمكانية حصول حل سلمي يعطينا دولة حقيقية، ولا هم يريدون ذلك. فلم يتبق لنا غير أنفسنا. فلتكن هذه صرخة أخيرة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من هذا الانسان الفلسطيني الباقي.

نعم، نحن شعب ليس الأفضل للحكم… فانظر ما يجري معنا كل يوم، رأيت ما جرى مع جريمة إسراء الغريب، وصلنا الى هذا الحضيض من احتقار الانثى، ليتواطأ في قتلها نظام كامل، عائلة، واقارب، ونسايب، ومستشفى، وأطباء وممرضين، وشرطة، وأحزاب، وتنظيمات. الأقليات حدث ولا حرج، لا يمكن لهم حتى التنفس خارج غرفهم المغلقة بإحكام عليهم. ليس بعيدا عنك في كفر عقب مثلا، الله لا يعيزك تمر من هناك، الواحد بتشهد ويطمئن عائلته قبل المرور من هناك ويصلي ركعتين لوجه الله عند الوصول الى بيته حي. الشعب روحه بأنوفه، لا تعرف سبب هذا الكم من الخنق الذي يجعل الأخ يقتل اخته والجار يضرب للقتل جاره وصاحب المحل يحرق المحل بجانبه وطوش ينتظرها المتعطش لصرخة ودمه يتدفق لهدر دم آخر. الطوش الدامية من كفر عقب لمخيم شعفاط لجنين والخليل، تحترق البلاد من كل مكان، شمال وجنوب وشرق وغرب. لن أزج غزة، فلقد تم رميها في زورق معلق في أسفل السفينة، لا هو زورق نجاة ولا زورق موت. زورق معلق بمصيرنا ستلقفه النيران أولا أم تاليا لم يعد يهم. عدم تمكن أهل الزورق من الصعود الى غرفة القيادة لن يؤثر علينا أو عليهم في نجاة لن تتحقق.

المهم، بما ان المواضيع الساخنة القابلة للتفجر كثيرة، وإخمادها ولو كان مؤقتا لن ينفع كثيرا. أحببت أن أشاركك كمواطنة مخلصة لما تبقى من كلمة وطن. بغض النظر عن عدم رضاي الحقيقي لك كرئيس، واظنك مدرك أن الكثيرين مثلي، إن لم يكن الجميع باستثناء من استطاعوا أن يأخذوا الزوارق ويهربوا، أو أولئك المنتظرين لزوارق نجاة ممكنة أو طائرة يؤمنون أماكن فيها معكم.

بدء من موضوع اسراء غريب، تعرف أنها ليست الأولى ولن تكون الأخيرة. وقد أكون على صعيدي الشخصي تكلمت وكتبت مرارا عن موضوع المغدورة نيفين عواودة، ولقد راسلتك شخصيا في أحد رسائلي لك الكثيرة، التي أعرف (بيننا) أنك لا تقرأها ولا تعرف عنها على الأرجح. ولكن بما أنك تأثرت بموضوع إسراء وعبرت فيه عن حزنك ووعدت بالا تقتل انثى مرة أخرى، فلو نبدأ من هنا سيدي العزيز، ولتقر على التعديل على قانون العقوبات رقم ١٦ في موضوع العذر المبيح. وأتمنى لو تكون أكثر رأفة بما ان الموضوع وصل الى هذه المواصيل من الدم، بأن توصي بالإقرار على باق القوانين المتعلقة بالمرأة بدون تغييرات او تعديلات او صياغات من اللفيف الذكوري الذي يرعبه عدم التحكم المطلق بحياة المرأة التي تجعل من الرجل هذا الوحش الذي نراه في الشارع بكل مكان. محمد صافي يا سيدي ليس استثناء، محمد صافي هو أحد كوادر فتح وشغل منصب نقيب شرطة، يعني محسوب على الكادر الفتحاوي بقوة. يعني امثاله متواجدين في إقرار القوانين وتبديدها، الا من رحم ربي. ولا اعرف بصراحة، ان كان تأثرك بموضوع اسراء جعلك تبدي مواقف أكثر تبنيا لدعم المرأة وذلك بتعيين وزيرة سابقة في حكومتك كسفيرة. لا اخفيك سرا، اننا مللنا من لعبة تدوير المناصب هذه لنفس الدائرة من اشخاص. ومن اجل هذا لم نعد نهتم كثيرا، فنحن لا نسأل عن كفاءات وأسباب. فنعرف جيدا ان ما جرى بدائرة الطب الشرعي من تعيينات لمناصب بغير كفاءة وشغل عدة مناصب بوقت واحد عرف من اعراف السلطة. بالمحصلة كيف لنا ان نعترض، ورئيس الوزراء السابق بقي على رأس عمله كرئيس جامعة، بالإضافة لحمله وزارت مختلفة. ورئيس الوزراء الحالي يحمل كل الحقائب الفارغة من داخلية ودينية وغيرها، ووزراء اخرون في مناصب أخرى، وعائلات تمتد في الوزارات والمناصب العليا.
وللمفارقة الساخرة ربما في لعبة تدوير الكراسي هذه، تأخذ الوزيرة السابقة للاقتصاد كرسي السفارة التي جلست عليه وزيرة الصحة الحالية. لنتأكد من أن المناصب لا توزع الا باعتبارات ومصالح لا تمت للمناصب ولا للمواطن بصلة. فآداء وزيرة الصحة الحالي لهو خير دليل على عدم أهلية الموقع ولا صاحبه، على الرغم من انها خدمت طويلا كسفيرة في دولة كان اقل ما يمكن ان يجري فيها بعد حادثة كحادثة اسراء ان تستقيل حكومة. الحقيقة ما يعنني هنا كمواطنة لا إعطاء منصب آخر ولا غيره من تدوير وتوزيع.

ما يعنينا الأموال التي على الوزيرة السابقة ارجاعها مع زملائها الوزراء. ما الذي حصل بعد ذلك الإعلان. علي الاسرار لك ان هذا لا يبشر بالخير، أي عدم الانصياع لأوامرك. بالنهاية لقد وثقنا بقرارك بشأن الرواتب، كما ذلك بشأن المستشارين. من اجل الحلال والحرام، انا لم افهم ما إذا يعني اقالة المستشارين وماذا يترتب عليه من مصالح لنا. ولكننا كشعب، بدأ بالموت جوعا أو قتلا عن قريب، ويرتعب من فكرة قطع الكهرباء القادمة بسبب تراكم الفواتير على الشركة، طبعا تعرف الأسباب، ولكن لن نستطيع ان نعيش بلا كهرباء، ونحن مثل المرأة الفلسطينية التي تبحث عن مدخراتها لإنقاذ زوجها في كل ازمة. وهذه البواقي من الرواتب غير المستحقة للوزراء قد تخدمنا في سداد جزء من فاتورة الكهرباء. قد تؤجل القطع حتى تدبر الحكومة امرها، فنحن كذلك ننتظر الخطة العنقودية لرئيس الوزراء الجديد بأن تبدأ بالتعنقد نحو انفتاح قادم. يعني هناك سؤال يراود المواطن العادي مثلي، كيف ستستطيع الوزيرة السابقة، السفيرة الحالية، ان تخرج من البلد وفي ذمتها دين مستحق للدولة. ما فهمته أن المواطن لا يستطيع العبور عن الجسر اذا ما كان عليه ذمة مالية لشركة الكهرباء او المياه أو مخالفة سير. الا يقع هذا تحت مسمى الفساد كذلك؟

وبما اننا نتكلم عن شركة الكهرباء التي تحمل اسم القدس، لأفضفض معك قليلا عن القدس. لن اتحدث عن المسجد الأقصى وعن السفارات التي تفتتحها الدول تباعا ولن اتحدث عن المستعمرات التي بقي ان تدخل الى بيوتنا. اكيد معلوم لديك ان اختراق المستعمرات للبيوت من خلال شارع وجدار قد حصل كثيرا، ولكن ربما لأنني اعتبر ان القدس مهمة أكثر، لاعتبارات شخصية ترتبط بنرجسيتي الخاصة ربما، وقد يكون كذلك التواجد الإسرائيلي وسط حياتنا تحصيل حاصل، اشعر بأهمية الصراخ مستغيثة دائما لرحمة تنقذ ما تبقى من إنسان يحمل القدس على ظهره كعبء مسؤولية من أجل وطن نتمنى أن لا تخرج القدس من كينونته الفعلية.

هل لك أن تقول لنا ماذا حصل بتحقيق تسريب عقار ال جودة؟ بالمناسبة المقترف لجريمة التسريب يجول ويصول في رام الله وواثق الخطى بأن أحدا لن يحاسبه. هل لنا ان نفهم لماذا؟ من سيحاسبه، من سيحاسب غيره الكثيرون، المعلوم منهم والمستور؟ والمواطن منا بين مذعور ومرعوب. او خائن بالعلن ومدسوس. يخاف من كلمة حق تقتله او تدفنه حيا. على سيرة الدفن، لا اخفيك ذعري عندما تم التعرض لي بالمقبرة، يبدو الامر بسيطا عند التفكير بقبر امام انتهاك بيوت. فالدفاع عن ميت صارت عظامه مكاحل لا يمكن ان يكون من أولويات وطن او مواطن يحارب يوميا من اجل بقائه. ولكني لا اخفيك سرا عندما أقول ان دفاعي عن الأموات في مقابر القدس مرتبط بدفاعي عن الاحياء. فكما البيوت تحمي المواطن وتبقيه حجة في البقاء على ارض هذه المدينة. فإن القبور كذلك تسجل حقا تاريخيا في وقت يتم فيه محونا. محو وجودنا كفلسطينيين ومحو هويتنا الثقافية التي بدأت بالتناثر بتحولنا الى قبليين متطرفين جشعين يقتل الانسان اخاه من اجل مساحة أمتار تكون قبرا أحيانا، وتكون دكانا او مصف سيارة.

لن استغرب يا سيدي ان صار المواطنون يبيعون علنا، فبعد ما رأيناه من استقبال مديرة مدرسة من القدس لرئيس بلدية الاحتلال بحفاوة قد تكون مشابهة لاستقبالكم إذا ما قررتم الذهاب الى مدرسة، على الرغم من يقيني بتواضعك، فلقد رأينا كيف كان تواجدك بحفل تخرج حفيدك. ولكن ما حصل يا سيدي العزيز، ان هذه المخلوقة وبعد الاحتفال الكبير الذي قدمته واستغلت فيه مئات الأطفال المقدسيين، صحيح انها لم تخرج بكاتب اسمه “رئيس بلديتنا قدوتنا”، وكأنها خرجت من الموضوع بتقديم اعتذار وتبجيل بحجم تحرير الوطن من لجنة القرية التي عاتبتها. بتصدق ان الاعتذار صار مخلصا حتى من اعمال الخيانة في هذا الوطن؟ الحقيقة استغرب لماذا اعترضنا كشعب على كتيب “رئيسنا قدوتنا” وخرج منا الكثيرون في بيانات وتنديدات ومطالبات، واكبر ما حصل في شأن استقبال رئيس بلدية الاحتلال من دبكة وكشافة وغناء بالعبرية وورود وعروض على مدار الساعة التي شاهدناها عبر موقع رئيس البلدية ، كان خروج مجموعة من لجان الحي في شعفاط لمطالبة المديرة بالاعتذار!

قد اعترض مع سياساتك وقد الومك على ما آل إليه حالنا، ولكني موقنة كذلك أنك لا تريد شرا بنا. وعندي يقين كذلك ان الشعب لا يزال يتأمل خيرا بك. والحقيقة لهذا هي انعدام الأفق من بعدك، فلا بد انك تشاهد كيف يتناحر المسترئسين بالخفاء مستعدين للتفاوض حتى على بيعنا فرادى. فبالأمس مثلا، مجرد بيان لتحقيق فيه بعض العدل جعل من المواطن العادي يتنفس الصعداء.

نحن شعب مشكلتنا الحقيقة في سذاجتنا، ولكنها كذلك ذخر قوتنا الإنسانية، فسذاجتنا تشبه أرضنا التي تقبل ما يزرع بها، حبا وعرفانا، ورغبة حقيقية في الحياة. لا نزال كشعب نحلم بتحرر، نفهم اليوم ان الأرض لم تعد الأولوية فيه، ليس لقلة حيلتنا، ولكن لانهيار حالنا كبشر. فالأرض تحتاج الى انسان يعمرها، وما يحصل معنا هو انهيار حقيقي. نتحول يوميا الى وحوش لا اعرف حتى ان كنا نبدو كالبشر. نشبه البشر في قصة اسراء غريب، رجل يوهمنا بوجود الجن العاشق ويقنعنا بقوة المغدورة بكسر اضلعه الحصينة، وطبيب بلا روح يرتدي الأبيض ويوقع تقرير وفاة أخرى ويترك المجرم طليقا بلا رجفة رمش، ومشعوذ ودجال يشرعن وجوده بدائرة رسمية، وشخوص ينتظرون اثبات براءة “الشرف” ليقرروا ان كانت المغدورة استحقت القتل.

لم نكن هكذا يا سيدي العزيز…. نحتاج الى من يوقظ غفلتنا هذه قبل ان نحترق بلهيب نار لبركان لم ينفث بغضبه بعد.

كاتبة من القدس
http://nadiaharhash.com

حول الموقع

سام برس