بقلم/ طه العامري
ذات يوم من أيام العام 1977م وصل ضابط كبير من ضباط الأمن الوطني إلى ( فندق دار الحمد ) وراح يسأل موظف استقبال الفندق عن عبد القوي عثمان الذي لم يكن متواجدا في الفندق ساعتها ، فطلب الضابط من الموظف أن يعطيه عند عودته ورقة سلمها الضابط للموظف ولم يكن مكتوب عليها سواء رقم تلفون ..؟!
حين عاد عبد القوي عثمان للفندق سلمه الموظف الورقة وأبلغه عن مصدرها ، تناول صاحبنا الهاتف واتصل على الرقم المدون في تلك الورقة فجاءه الرد من الطرف الآخر الذي أبلغه أن المقدم محمد خميس رئيس جهاز الأمن الوطني يريد أن يلتقيه ويتحدث معه ويفضل أن يكون اللقاء في مبنى الجهاز ( قصر البشائر ) ..لم يتردد الحاج عبد القوي وفعلا أخذ سيارته واتجه إلى لقاء ( خميس ) ..وأثناء وصوله إلى أمام بوابة الجهاز أركن سيارته وتقدم بخطوات ثابته نحو عسكري الخدمة في البوابة وعرفه بنفسه وأبلغه إنه على موعد مع رئيسه ، اخذ العسكري هاتف الخدمة وأبلغ من في الداخل بهوية الشخص الذي أمامه فجاءه الأمر بالسماح له بالدخول فورا ..!!


كانت الساعة تقترب من منتصف الليل حين وجد الحاج عبد القوي نفسه أمام المقدم محمد خميس وجها لوجه وداخل مكتب الأخير الذي بادر الحاج بقوله : من أنت ؟ فرد الحاج : أنا عبد القوي عثمان ؟ وانت من ارسلت بعدي تريد لقائي وانا لبيت طلبك وأتيت لمكتبك ..!!
كرر المقدم خميس سؤاله ؟ فرد الحاج أنا من سمعت اجابتي يا افندم ؟!
كانت كلمة ( يا أفندم ) التي قالها الحاج عبد القوي عثمان ، كفيلة بأن تدفع ( خميس ) للتعبير عما يجيش في نفسه ، فقال موجها كلامه للحاج عبد القوي ، الحمد لله انك تعرف إننا ( أفندم ) وتعرف إننا نعمل ليل نهار من أجل أمن البلاد والعباد وحماية السكينة والاستقرار من المخربين واعداء الوطن ؟!!
رد الحاج قائلا : جزاكم الله خير الجزاء وكل أبناء اليمن يقدرون تضحياتكم وسهركم على أمنهم وأمن الوطن وهذا قدركم يا افندم ونتمنى لكم التوفيق والنجاح في القيام بالمهام الملقاة على عاتقكم وقلوبنا معكم ونحن الى جانبكم في كل ما تطلبوه منا ..؟!


كان الحاج عبد القوي طيلة هذه الفترة من الحوار مع ( خميس ) واقفا حين نهض ( خميس ) من مكتبه ووجه سؤاله للحاج : أنت ( شيوعي ) ؟!
تبسم الحاج ورد قائلا : أنا تاجر ولا علاقة لي بالسياسة والسياسيين ، صاح ( خميس ) قائلا : ولماذا تدعم ( الشيوعيين والمخربين )؟!
رد الحاج هذا لم يحدث ابدا يا أفندم ، رد خميس : ومن يقدم الضمانات لبعض المخربين اليس أنت ؟ ومع ذلك سنعرف أن كانت لك علاقة أم لا ؟
ثم رفع سماعة الهاتف وتحدث( لشخص ماء)

قبل أن تسمع طرقات على الباب ويرد خميس بصوته ادخل ..دخل أحد الأشخاص وأمام الحاج سأله خميس هل غرفة ضيفنا جاهزة ؟ رد الشخص بنعم ، وجه خميس حديثه للحاج عبد القوي : ستبقى ضيفنا حتى نتأكد من نشاطك ، وهل لك علاقة بالمخربين والشيوعيين أم لا ..؟ ثم قال خميس لذاك الشخص خذه الى غرفته ؟!
أخذ ذاك الشخص الحاج عبد القوي عثمان إلى حيث أمرهم ( خميس ) أن يبيت ليلتها وكانت غرفة معتمة بسرير مفروش وكان فيها ( الكتن ) كالنمل ..؟!!**
كانت الساعة تشير إلى الثانية والنصف صباحا حين أغلق باب تلك الغرفة على الحاج عبد القوي من قبل ذلك الشخص بأمر من المقدم محمد خميس رئيس جهاز الأمن الوطني والذي كان يرى نفسه الدولة كلها وليس مجرد مسئول أمني ؟!!


أثنان لم يغمض لهم جفن تلك الليلة هما الحاج عبد القوي عثمان وذاك الشخص الذي ادخله لتلك الغرفة بأمر من خميس وهو الشخص الذي حكى الحكاية هذه لكاتب هذه السطور منذ - ربع قرن - بعد أن أخذ عهدا الله وميثاقه مني بأن لا أذكر اسمه أن حكيت الحكاية هذه أو أيا من الحكايات والقصص التي حكاها لي ، سواء كان حيا أو ميتا وها أنا أذكر الحكاية للمرة الثانية دون أن أتطرق لاسم من حكاها لي وعاهدته بأن لا أشير لاسمه وسبق أن حكيتها ضمن مسودة كتابي تحت الطبع الموسوم بعنوان ( الطائفية السياسية وثقافة الاستبداد ) الذي اتمنى أن يرى النور قبل أن الاقي الله سبحانه وتعالى .


في صباح اليوم التالي أقدم ( ذاك الشخص ) على تسريب الخبر للمقدم أحمد الكبسي ، الذي بدوره ابلغ الأستاذ أحمد قاسم دهمش - رحمة عليهما معا - والشفاء العاجل وحسن الخاتمة للحاج الفاضل عبد القوي عثمان ، في صبيحة اليوم التالي وما أن تسرب الخبر حول توقيف عبد القوي في الأمن الوطني من قبل خميس حتى تحرك اصدقائه من الدرجة الثانية ، أو بالأصح من الصف الثاني من مسئولي الدولة - حينها- وكان في المقدمة المقدم أحمد الكبسي الذي يحتل مركزا عسكريا كبيرا في العاصمة والذي ذهب مباشرة لمكتب خميس وكان لقاءا عاصفا بينهما ، فقد أصر خميس على أن عبد القوي عثمان ( شيوعي وداعم للمخربين ) والدليل على ذلك رسائله وضماناته لطالبي ( حسن السيرة والسلوك ) التي يقدمها للامن الوطني وجميعها مصدرها عبد القوي عثمان ..؟!
أضف إلى ذلك الضمانات التي يقدمها للجهاز على معتقلين ويتم الإفراج عنهم وجميع هولاء المعتقلين ( شيوعيون وعلمانييون )؟!


ولمزيد من الأدلة التي قدمها خميس للمقدم الكبسي والمؤكدة على تورط عبد القوي عثمان مع ( المخربين والشيوعيين ) كان الانتماء ( المناطقي ) فالرجل ينتمي لمديرية حيفان حيث غالبية أبنائها شيوعيون ومخربون ناهيكم إنه من قرية واحدة هو و عبد الفتاح إسماعيل - رحمة الله تغشاه - بل والدار جنب الدار وهذه أدلة كافية لأن يكون صاحبك مرتبط مع ( المخربين والشيوعيين ) ؟!

وفيما كان الحديث يسخن بين المقدم الكبسي وخميس والساعة تشير للثانية عشرا ظهرا ، رن الهاتف الداخلي في مكتب خميس الذي رفع السماعة وتمتم بعبارة ( يتفضل ) ليدخل للمكتب الأستاذ أحمد قاسم دهمش وزير الإعلام - حينها - حاملا بيده أمر الإفراج الفوري عن عبد القوي عثمان وكان الأمر مكتوبا بخط يد الرئيس الشهيد ابراهيم محمد الحمدي ، وما هي إلا دقائق حتى غادر ثلاثتهم مبني الجهاز وهم الحاج عبد القوي عثمان والمقدم أحمد الكبسي والاستاذ احمد قاسم دهمش .
وللموضوع صلة باذن الله

هوامش :* ( شخص ماء ) رجل عمل في جهاز الأمن الوطني من عام 1968م حتى عام 1985
رفض أن تدون مذكراته في كتيب ..توفي رحمة الله تغشاه عام 1998م في حادث سير على طريق ( صنعاء - تعز ).
** الكتن : حشرات صغيرة تعيش وتتغذى من دماء الناس وقد اختفت تدريجيا بحكم عوامل التطور وشيوع استخدام المنظفات ..

حول الموقع

سام برس