بقلم/ طه العامري
(3)

ندرك إنه وفي أي ( صراع داخلي ) وفي أي حروب أن النتائج أيا كانت مآسيها لا تقف في نطاق الخسائر العسكرية ولا في عدد الجنود والضباط الذين قتلوا أو جرحوا أو أصيبوا بالاعاقات الدائمة ، ولا ايضا تقف الخسائر في نطاق عدد الاليات والمعدات العسكرية التي دمرت واعطبت ، ولا ايضا في عدد المباني المدمرة والطرق والجسور وهي خسائر من السهل تعويضها ، بل هناك خسائر لا تعوض هي أهم وأكثر تأثيرا على المجتمع والمرتبطة بالجانب النفسي والمعنوي للمجتمع وذاكرته الجمعية ، هذه الخسائر الأكثر أهمية وخطرا على السكينة والتناغم المجتمعي والتعايش قلما نجد لها حظورا في وجدان وذاكرة صناع القرار أو أطراف الصراع الذين يستبقون تبعات ونتائج صراعهم بالحشد والتهيئة النفسية لاتباعهم من خلال تعبئة ثقافية وفكرية ونفسية منها ما هو منظور ومنها غير منظور وبما يبرر شرعية صراعهم ويمنح كل طرف لصراعه بعدا ( مقدسا ) يدخل فيه ( الدين والمذهب والوطن والوطنية والهوية والانتماء ) وكل ما يحفز أتباعه ويمنحهم ( عقيدة مقدسة ) تدفع لخوض المعترك على قاعدة فكرية وإيمانية راسخة مفادها أن هذا الصراع الذي نخوضه في مواجهة الآخر هو واجب يفرضه الدين وأمر به الله ورسوله وأمر به الواجب الوطني ، وحين يتبلور أي صراع مجتمعي تحت يافطة الدفاع عن ( الله والدين والوطن والوطنية ) فأن تبعات مثل هذا الصراع تكون أكثر كارثية مع العلم أن الصراع تحت هذا المفهوم يكون أكثر خطرا على السكينة الاجتماعية وقيم التعايش الاجتماعي وضحاياه أكثر بكثير من أولئك الذين يسقطون في ميادين القتال ، ناهيكم أن أي صراع يأخذ بهذه المنطلقات هو أكثر ديمومة وقدرة على الدمار الاجتماعي الشامل والعصي على الحل إلا في انتصار طرف على الاخر وفرض المنتصر لشروطة ورؤيته على المجتمع تحت ضغط عامل القوة وهو العامل الذي لن يحقق السكينة الاجتماعية أو يرسخ قيم التعايش إلا لمرحلة ليبدأ الصراع من جديد في حين توفر للآخر المقهور عوامل القوة للمواجهة ، أو تتبنى قوى لذاتها خارجية لمشروع يدفعها لتبني طرف داخلي لتجعل منه حصان طروادة يقلها لتحقيق أهدافها ومصالحها المرجوة في هذا الكيان الوطني وهذا هو حالنا اليوم في اليمن الذي صار فيه الصراع صراع مصالح ذات أبعاد إقليمية ودولية ، فيما أطراف الصراع الذين لم يتمكنوا من اللقاء ببعظهم وحل أزمتهم بالتفاهم أو بالحرب فيما بينهم وبالتالي المنتصر فيهم يفرض قانونه ورؤيته للحكم والسلطة والإدارة ، اقول هذا المفهوم قد سقط وأصبحت كل الأطراف المحلية بمثابة ( أدوات لأطراف خارجية إقليمية ودولية ) بصورة مباشرة أو غير مباشرة رغم محاولات كل طرف نفي هذه التهمة عنه بل ويجرم كل طرف كل من يقول بحقه مثل هذا دفاعا عن مشروعه وحتى لا يتأثر أتباعه الذين يعملون وهم على ثقة إنهم بما يقومون به إنما ( يخوضون جهادا مقدسا في سبيل الله ورسوله والوطن ) وانتصار ( لشرع الله ونواميسه ، ولمصلحة الوطن والشعب وسيادتهما وعزتهما وكرامتهما ) هكذا تبرر الصراعات وهكذا يتم تمزيق الشعب من أجل مصلحة الشعب ؟!!

من تبعات الصراع - مثلا - ما شغلت به شبكات التواصل الاجتماعي خلال الأيام الماضية حول ( حالات اغتصاب اطفال ) حدثت من قبل فئة بذاتها محسوبة على قوى بذاتها ، ومن خلال متابعتي لكيفية تناول القضية وجدت نفسي أتألم على الحال الذي وصلنا إليه وطريقة تفكيرنا إزاء مجمل القضايا والتحديات التي تواجهنا ، وتألمي ناتج عن وصولنا لمرحلة لم نعد فيه قادرين على التفريق بين خصوماتنا السياسية وبين اخطاء تحدث في واقعنا الحياتي ، والغباء أن بعضنا تعامل مع هذا الأمر وكأنه - كارثة استثنائية حلت على واقعنا - ونسى أن هناك ما هو أسواء بكثير نعيش بعضه ونترقب القادم وهو الاسواء منه ، السنا في حالة حرب وصراع مجتمعي وهي حالة تفرز كل ما لم يكون وارد في الحسبان ولا في المخيلة الاجتماعية ..؟!

نعم ما حدث في مدينتي تعز جريمة يتحمل وزرها مرتكبها ، وهي جريمة لم تكن - مثلا- بحجم جريمة ( محمد ادم ) ؟! التي تم تغليفها بأبعاد سياسية وهو ما تتجه إليه قضية ( اغتصاب اطفال في تعز ) التي اتخذت من اللحظة الأولى أبعاد سياسية دون إتاحة الفرصة للعدالة أن تأخذ مجراها ، والسبب بسيط هو غياب أجهزة السلطة بل إن السلطة بذاتها في تعز غائبة كليا وهناك فراغ وهذا الفراغ إن استمر سيجلب ما هو أشد خطرا على السكينة الاجتماعية من ظاهرة ( اغتصاب الأطفال )؟!!

وبعلم الجميع أن ما يجري في تعز وفي كل اليمن سيولد سلوكيات ( شاذة وغريبة وغير معهودة اجتماعيا ) كحصيلة طبيعية لحالة الحرب والصراع والثقافة الخاطئة التي تم تعبئتها في ذاكرة ووجدان الناس على مدى قرابة عقد من الزمن وهي فترة نحتاج لإزالة مكتسباتها الخاطئة أن تحقق الاستقرار والسكينة وحظينا بسلطة وطنية صادقة ووطنية حقا قولا وعملا وسلوكاً ، نحتاج معها لنصف قرن قادم لنمحي ثقافة كرستها سنوات الأزمة العشر المنصرمة ..؟!

فالصراعات المحلية تولد وتفرز كل ما هو سلبي اجتماعيا منها الانحراف السلوكي والاغتصابات المتعددة والتفسخ الأخلاقي والتهريب والأدمان والقتل العبثي وانتشار كل مسميات الجريمة الاجتماعية وعصابات النهب والتقطع والقتل بدم بارد لعابري السبيل ومستخدمي الطريق بل ولاتفه الأسباب سيكون قتل الإنسان من قبل اخر شكلته الحرب وجعلت منه مدمنا لكل انواع المؤاد المحرمة والتي تعج بها أسواقنا وشوارعنا وهناك احصائيات دولية تشير إلى أن الأزمة في اليمن وغياب مؤسسات الدولة جعلت 60% من شباب اليمن مدمنين مخدرات وفي تعز وحدها نسبة الإدمان بين الشباب تبلغ 45% وهذه كارثة اجتماعية لوحدها ، ناهيكم عن انتشار ظواهر الانحراف والدعارة تحديدا بدافع الفقر والحاجة في ظل توقف كل مناشط التنمية والعيش الكريم بل من منكم يعرف أن الحال وصل عند البعض أن تبيع الفتاة نفسها لذئب بشري سافل مقابل بضعة كيلو جرامات من الدقيق لتسد به رمقها وأسرتها ؟!!
يتبع

حول الموقع

سام برس