بقلم/ عبدالباري عطوان
من سيفوز بقلب سورية في نهاية المطاف.. العرب “المرتدون” ام الاتراك “المأزومون”؟ ولماذا نعتقد ان العودة للجامعة العربية آخر اهتمامات القيادة السورية؟ وكيف خرج معظم اعدائها وعلى رأسهم الاكراد خاسرين والتطورات الحالية قد تصب في مصلحتها بما في ذلك عودة ادلب دون ان تطلق رصاصة واحدة حتى الآن؟

فجأة وبدون الكثير من المقدمات، تخرج الدولة السورية من وسط ركام الانهيار العربي والإقليمي اكثر قوة من أي وقت مضى، فجارها التركي الذي عانت من تدخلاته يعيش سلسلة من الازمات الداخلية والخارجية مفتوحة النهايات، والجامعة العربية التي جمدت عضويتها تبحث عن الطرق والوسائل الممكنة لعودتها، ويصدر مجلسها قرارا يدين التدخل العسكري التركي في شمالها، ويصفه بالغزو والعدوان، مع التأكيد على وحدة أراضيها، اما الانفصاليون الاكراد الذين تمردوا عليها وحاولوا ابتزازها، واستعانوا بالامريكان، وباتوا يخططون لإقامة كيانهم المستقل، فيعيشون أسوأ ايامهم بعد ان تخلى عنهم “العم”، او “الكفيل” الأمريكي في لمح البصر، وقدمهم “لقمة هنية” الى عدوهم التركي
أهمية بيان الجامعة العربية لا تنحصر في ادانة “الغزو والعدوان التركيين” وانما في عودة العرب الى سورية، وليس العكس، وتجديد اعترافهم بها كدولة مستقلة ذات سيادة، وهم انفسهم، والخليجيون منهم بالذات، الذين نزعوا عنها صفة العروبة، واتهموها بالتحول الى دولة تابعة للفرس والمجوس وعبدة النار حتى الامس القريب، والتأكيد على ان الغزو التركي لها يهدد “الامن القومي العربي”، في عودة غير حميدة طابعها النفاق والتأزم؟
***
السيد احمد أبو الغيط، امين عام الجامعة العربية فاجأنا بقوله “يجب ان نسمي الأشياء بأسمائها، فالعملية العسكرية التي تقوم بها تركيا في شمال سورية ليس لها سوى اسم واحد وهو الغزو والعدوان”، ولكنه ومن صاغوا له خطابه، واوعزوا له بترديد هذه العبارات، لم يسم الأمور بأسمائها ويقول ان العرب، والخليجيين منهم بالذات، هم الذين استنزفوا سورية وجيشها، واقتصادها وارسلوا عشرات الآلاف من المقاتلين، ومئات المليارات من الدولارات لتدميرها، والاطاحة بنظامها، وتشريد الملايين من أبنائها، وبالشراكة مع الاتراك الذين كانوا حلفاء اعزاء في حينها؟
قبل ذرف دموع التماسيح على سورية ووحدتها الترابية، يجب على هؤلاء ان “يعلنوا توبتهم”، وان يقدموا اعتذارهم لسورية الدولة والشعب والنظام، مرفوقا بخطة مدروسة مدعومة بالمليارات لإعادة اعمار ما دمروه، ماديا وبشريا، “فخير الخطائين.. التوابون”، ولعل الشعب السوري يقبل توبتهم واعتذارهم.

كان لافتا ان القيادة السورية لم تعر اجتماع الجامعة العربية أي اهتمام، ولم يصدر عن أي من المسؤولين فيها كلمة واحدة تعكس رغبة في العودة الى هذه الجامعة الهزيلة، وتعاطوا مع السيد أبو الغيط قبلها عندما اقتحم جلسة لوفدها بقيادة السيد وليد المعلم في أروقة الأمم المتحدة اثناء اجتماع الجمعية العامة، بكل برود وكبر وشمم، ولم يهرولوا اليه، والى آخرين، وكلهم كانوا يبحثون عن “لقاء صدفة” او “مصافحة عابرة”.

لا نكشف سرا عندما نقول ان منافسة محتدمة تجري حاليا بين الجناح العربي التائب، وبين نظيره التركي المأزوم لكسب القلب السوري، قد تنتهي بفوز الأخير، لان القيادة السورية، وحسب معلومات اكيدة، باتت تتعامل بلغة المصالح، وليس بلغة العواطف، ولا تشتري بيانات التضامن، وتتعاطى معها بجدية، لانها تدرك جديا ان صمودها في ميادين القتال اكثر من سبع سنوات، واقامتها تحالفات قوية وحقيقة ذات مصداقية مع الروس والصينيين والإيرانيين والعراقيين، هو الذي غير موازين القوى السياسية والعسكرية لصالحها، ولولا انها خرجت من عنق الزجاجة، واستعادت الكثير من عافيتها وسيادة أراضيها، لما تهافت عرب أمريكا استجداء لعودتها الى الجامعة العربية، التي لم تقم لها قيامة منذ خروجها، او إخراجها منها، ولما فتحت تركيا قنوات الحوار السرية برعاية روسية.

عودة الاتراك الى اتفاق “اضنة” 1998، والتأكيد على انهم يرسلون قواتهم الى شمال سورية في اطار التزامهم به، ولإعادة اكثر من ثلاثة ملايين مهاجر سوري الى الجيب الذين يخططون لإقامته في الشمال، سيصب في مصلحة سورية في نهاية المطاف، فالعائدون سوريون تخلت عنهم، ولفظتهم تركيا، بعد ان تحولوا الى عبء ثقيل عليها، وسيكون ولاؤهم للدولة السورية في نهاية المطاف، خاصة ان العملية السياسية التي تشرف عليها روسيا تطبيقا لاتفاقات سوتشي وآستانة، وابرزها تحقيق المصالحة وصياغة دستور جديد تؤكد هذه الحقيقة.

الدولة السورية، ومثلما يتضح من خلال رصد ردود فعلها تجاه التطورات الأخيرة تتمسك بسياسات النفس الطويل وكظم الغيظ، وعدم التهور، بعيدا عن النزق والنزعات الثأرية الانتقامية في الوقت الراهن على الأقل، وهذه السياسات هي التي اخرجتها من معظم فصول الازمة بينما بات الآخرون، عربا واكرادا، واتراكا، يدفعون ثمن تدخلاتهم الدموية، بالغرق في أزمات اكثر خطورة.

دعونا نختم هذا المقال باستعادة عبارة السيد أبو الغيط المأثورة، ونسمي الأشياء بأسمائها دون مواربة، ونقول ان الدهاء الشامي يتقدم على ما عداه، وخاصة في مواجهة الغباء القبلي العربي، ويحقق المكاسب، الواحد تلو الآخر، والمعركة القادمة والوشيكة ستكون في ادلب التي ستعود كاملة للسيادة السورية وقريبا جدا.. والأيام بيننا.

نقلاً عن رأي اليوم

حول الموقع

سام برس