بقلم/ طه العامري
ما يجري في منطقة شرق الفرات والحدود السورية - التركية هو تحول كبير تبعاته ستفرض نفسها على أحداث المنطقة وهو ما يعزز الانتصار العربي السوري بعد سنوات من المؤامرة التي يمكن القول أن الجيش العربي السوري يعمل اليوم ومن خلال دخوله للقرى والبلدات الحدودية مع تركيا فإنه يعمل على وآد بقايا غبار المؤامرة التي ستعود بها شاحنات قوات العدوان التركي إلى الداخل التركي لا محالة ..؟!

ما يجري اليوم في منطقة شرق الفرات هو تحول وتحول كبير واستراتيجية في مسار الأزمة في سورية والمنطقة لأن في انتصار الجمهورية العربية السورية يكمن انتصار المنطقة برمتها وفي استقرار سورية استقرار المنطقة أيضا ، ومن تابع اليوم دخول الجيش العربي السوري إلى بلدات ( تل تمر) في ريف الحسكة يدرك ماذا يعني هذا الدخول الذي يعد بمثابة الحلقة الاخيرة التي ستنتهي على إثرها تداعيات ومؤامرات سنوات من استهداف سورية الارض والإنسان والجغرافية والقدرات المادية والمعنوية .

فالعدو التركي وعلى ضوء هذه التطورات يجد نفسه في موقع التاجر الفاشل الذي خسر الصفقة وخسر كل شيء ، فالتركي لم يخسر أرباحه في سورية بل خسر رأسماله وسمعته وفقد ثقة الخارج والداخل ، وكسبت سورية في نهاية المطاف رغم الثمن الباهض الذي دفعته لكنه ثمن يستحق مقابل الانجاز الذي حققته دمشق وهو إنجاز يدخل في سياق تكريس توازنات دولية ومحورية جديدة أسقط فكرة ( القطب الأحادي الجانب ) الذي حاولت واشنطن فرضه وتكريسه خلال ثلاثة عقود من الزمن ، وها هو الجيش العربي السوري يدق المسمار الأخير في نعشه وهذا ما اعترفت به واشنطن التي قررت سحب قواتها من منطقة شرق الفرات وتخلت بالتالي عن الانفصاليين الأكراد مجبرة لا مخيرة وهذا ما اعترف به الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من خلال تغريداته المتصلة بالأزمة السورية .

والذي بموجبها تنصلت واشنطن من كل التزاماتها تجاه حلفائها الاتراك والاكراد ، إذ أن تركيا كانت مطمئنة على سلامتها بوجود القوات الأمريكية في مناطق الحدود التركية - السورية وكانت هذه القوات تشكل حاجزا بين تركيا والقوات الكردية التي أنشأتها واشنطن ودربتها وبموافقة تركيا حين كان الهدف منها هو توظيفها لضرب الدولة العربية السورية ، لكن وبتفاهمات روسية أمريكية قررت واشنطن الانسحاب خاصة بعد إصرار أنقرة في المضي قدما بصفقة صواريخ أس 300وأس 400مع روسيا وهي الصفقة التي يمكن القول إن روسيا الاتحادية قدمتها لتركيا نظير الخطوة التي أقدمت عليها أنقرة مؤخرا ، الأمر الذي أثار غضب واشنطن من أنقرة فقررت على أثر ذلك واشنطن بسحب قواتها من مناطق شرق الفرات الأمر الذي أحرج انقره ودفع اردوجان لاتخاذ قرار الغزو في عملية عسكرية أطلق عليها عملية ( نبع السلام ) وتسعى انقره من خلال هذه العملية إلى إعادة إحياء اتفاقية ( أضنة ) المبرمة مع الجمهورية العربية السورية والتي بموجبها تم ايقاف نشاط حزب العمال الكردستاني في سورية وإغلاق مكاتبه ومغادرة قيادته إلى خارج سورية ، وهي الاتفاقية التي خرقتها تركيا عام 2011م بانقلابها على التفاهمات مع دمشق وانحيازها بل وتبنيها للعصابات المسلحة وفتح الأراضي التركية لمرور الجماعات الإرهابية المسلحة وتدريبها وتأهيلها داخل تركيا وبدعم وإسناد كاملين من حكومة تركيا الإخوانية ، اليوم وبعد فشل المخططات التركية والدولية في سورية وتحقيق الجيش العربي السوري انتصارات ساحقة على الارض وهي الانجازات التي غيرت الكثير من موازين القوى في المنطقة لم يكن أمام انقره إلا هذه المحاولة وهي الأخيرة التي يحاول من خلالها اردوجان إقناع الداخل التركي بأن ما قام به في سورية خلال السنوات السابقة هو من أجل سلامة تركيا من هجمات الجماعات المسلحة الكردية كما هو حاله في العراق حين توغل في مدينة الموصل وكركوك ، الأمر الآخر يحاول اردوجان من عمليته العسكرية في سورية تسجيل حظور على أجندة التفاوض خلال التسويات النهائية المرتقبة والتي تريد تركيا من خلالها الحصول على ضمانات إقليمية ودولية بعدم المساس بأمنها وخاصة من قبل دول الجوار الحاضنة للأكراد وثانيا ضمانة الدعم الأوروبي لانقره من خلال استغلال ورقة الهجرة والمهاجرين .

والأهم من كل هذا رغبة انقره بإبرام معاهدة استراتيجية مع دمشق وتطبيع العلاقة معها .

العملية التركية وبقدر ما تمثل انتهاكا لسيادة سورية واعتداء سافر يتنافي مع كل القوانين والتشريعات الدولية إلا أن العملية في نفس الوقت لها شق إيجابي يتمثل ب ( عودة الأبن الضال ) حسب وصف الأستاذ فيصل المقداد نائب وزير خارجية الجمهورية العربية السورية ، إذ أن التحالف مع واشنطن كان قد حرك الأطماع الانتهازية لدى قادة ( قسد ) الذين تنكروا لهويتهم ولوطنهم ولم يتعضوا من النتائج التي توصل إليها أكراد العراق الذين راودتهم فكرة الانفصال لكنهم لم يتوصلوا إليه وقبلوا مكرهين البقاء كجزءا لا يتجزاء من العراق وهاهم أكراد سورية يصلون لذات النتيجة واضطروا عند بداية الغزو التركي الا الاستعانة بالجيش العربي السوري وإفساح الطريق أمامه للوصول إلى مناطق الحدود السورية التركية ومواجهة الجيش التركي الذي سيضطر للتراجع قطعا ومغادرة الأراضي العربية السورية .
للموضوع صلة

حول الموقع

سام برس