بقلم/ احمد الشاوش
يمر اليوم لبنان بكل طوائفه ومشاربة السياسية والحزبية والفكرية والاجتماعية بثورة شعبية ضد رموز الفساد وصانعي الفقر وتجار الحروب الذين نهشوا البيت اللبناني وامتصوا دماء المواطن وأكلوا اللقمة من افواه الملايين وهجروه في أصقاع العالم ورهنوا مصير لبنان وقراراها وسيادتها لدى الدول الكبرى نتيجة للولاءات السياسية الضيقة والطائفية النتنة والحزبية العفنة التي عبثت بدولة من أجمل وانظف وارقى بلدان العالم وسلطات حولت الشعب اللبناني النابض بالحياة الى غرفة العناية المركزة عبر سياسة التجويع وتكبيله بالديون وتحويله الى حقل تجارب دون رحمة.

والشاهد اليوم يؤكد ان ثورة الشعب اللبناني التي اندلعت شرارتها هي انعكاس حقيقي للواقع اللبناني المر الذي يتوق الى صياغة دستور جديد غير الدستور " الملغم " الذي توافقت عليه القوى السياسية والطائفية المتاجرة بالوطن والشعب اللبناني منذ استقلاله عام 1943م ، يبحث عن " دولة " حقوق وواجبات وليس سلطات " جباية " أنكت المواطن نحو ثلاثين عام من الفساد والنهب المنظم والمعارك السياسية الوهمية التي نغصت معيشته وحولت حياته الى جحيم.

لبنان الفكر والثقافة والابداع والتميز والعطاء والاعلام والادب والشعر وخفة الدم والروح والرومانسية والجمال والوجه الحسن والإنسانية والمدنية الناعمة والجاذبية الساحرة التي جعلته قبلة للعالم بحاجة ماسه الى أبسط الخدمات الضرورية للبقاء على قيد الحياة ، والتقاط نفسه في الداخل وثقته وتحرره وحريته والعيش بكرامة ، أسوة بدول العالم التي تحترم شعوبها وبنت دساتيرها على المساواة والعدالة وانصهرت جميع الطوائف والألوان والاعراق في بوتقة واحدة هي " الوطن" للجميع والقانون فوق الجميع كما في الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا وفرنسا وغيرها من الدول التي ذابت فيها كل الأعراق والأيدولوجيات والطوائف في بوتقة الدولة.

ورغم ذلك الجمال والتميز لبنان ليس بحاجة الى اسقاط النظام وتغيير رئيس الجمهورية والاطاحة برئيس الحكومة وازاحة رئيس مجلس النواب واستبدال وزير بآخر أو تغيير فاسد وتعيين آخر.. لبنان بحاجة الى " دستور جديد " ينهي مافيا عشرات السنين ، وميثاق وطني مكتوب يجعل الدولة السقف التي يستظل تحته جميع اللبنانيين بعيداً عن مراكز القوى العابثة.

لبنان بحاجة الى "دولة" حقيقية على أرض الواقع بعيداً عن المحاصصة وتقاسم اللصوص والفاسدين والورثة الفاشلين وقطاع الطرق والارزاق ، بحاجة الى رئيس جمهورية ورئيس حكومة ورئيس مجلس نواب يأتي عبر صناديق الاقتراع التي ستحفظ للبنان تنوعه وتماسكه وتسامحه وتعايشه ونهضته واقتصاده وأمنه واستقراره ، بعيداً عن التحريض والشائعات والمزايدات والخطابات السياسية والايدلوجية واللف والدوران واستقواء قادة الأحزاب والطوائف بالمال والسلاح ورهانات الشرق والغرب ، لان الكلام الاستهلاكي والمغامرات والحماقة والغرور لا يمكنها ان تصمد أمام السيول الشعبية الجارفة ولا يمكن ان تحصن النسيج الاجتماعي أو تبني دولة وتؤكل عيش ولا تؤمن وظيفة ولا تقدم خدمات أو تنجز مشاريع عملاقة تفيد الامة وتحفظ أمنها القومي .

أخيراً .. لبنان بحاجة ماسة الى دستور جديد يُجسد " الدولة " الرشيدة التي تحترم ارادة الشعب ولا تؤمن بالمحاصصة ونظام العصابات واقتسام البلد وثرواتها وأبناءها وتحويلهم الى عبيد أو ببغاوات ناطقة ومجرد أطيان وأراضي ومنشآت للحزب الفلاني والطائفة الفلانية ووكلاء لتمرير رغبات بعض العواصم الأوروبية والأمريكية والخليجية .

وأياً كانت الحلول الترقيعية وعمليات التخدير والتزوير والنظريات السياسية والاقتصادية وأساليب الترهيب والترغيب والمراوغة والقاء اللوم على الخصوم ، واراء الوزراء والخبراء والاجتماعات التي حولت مكاتب الحريري وعون وبري الى خلايا نحل لإنقاذ النظام والمصالح السياسية تحت ديكور تحقيق مطالب الشعب، إلا انها لم ولن تحل الازمة، إلا من جذورها للحفاظ على أمن واستقرار وسيادة لبنان وتحقيق طموحاته، استجابة للواقع الاجتماعي المر ، ومتطلبات الحاضر وطموحات المستقبل الآمن ، فهل من رجل رشيد؟.
Shawish22@gmail.com

حول الموقع

سام برس