بقلم/د.اكرم العجي
لقد وجدت أمامي، بعد تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية واتساع رقعة المأساة في ربوع هذا الوطن، الحاجة إلى محاولة فهم ما جرى في هذا البلد، لعلنا نسهم في هذه السطور المتواضعة في الكشف عن بعض الحقائق .

وعلى الرغم من أن هذا الموضوع يحتاج إلى بحوث و دراسات أكاديمية تتناول الواقع بإيجابياته وسلبياته بعيدا عن الإخفاء والتزيين و بعيدا عن الانتماءات الضيقة للإحاطة بجميع جوانه. إلا أن الجدل الداخلي الذي شغل عقلي في محاولة معرفة أسباب ذلك دعاني إلى إختصار الموضوع في هذه المقالة. ويدور هذا الجدل في التساؤلات التالية :

لماذا توالت الأزمات والكوارث - إذا جاز التعبير- على بلدنا؟ لماذا اليمني يشعر بالغربة في وطنه ؟ لماذا روح الإنتماء للحزب أو القبيلة أسمى من الإنتماء للوطن؟ كل هذه الأسئلة خرجت من رحم سؤال واحد وهو :
ماذا الذي حل باليمن؟

آهو عقاب إلهي قررته الأقدار ولا مناص من مواجهتها؟ أم أن لعنة الأجداد ما زالت تلاحقنا- اللهم با عد بيننا وبين اسفارنا- ؟ أم أن المصائب والأزمات التي حلت علينا هي نتاج لتراكمات عدة؟ وهل كل ما جرى من سنوات دامية هو اختبار لقدراتنا على مواجهة الأخطار ؟ أم ماذا نسمي ذلك؟

الإجابة على تلك التساؤلات أو القارئ وحده كفيل بأن يقرر ماذا يسمي ذلك فالله سبحانه وتعالى ارحم والطف بعباده من أن يلقي بهم في حروب تختلط فيها عضامهم بلحومهم ودمائهم بدعوى أن هذا قدرهم المحتوم أو لمجرد إمتحان قدراتهم على تحمل الأذى والصبر على تلك الأقدار، أو أن تصبهم لعنة غيرهم فكل نفس بما كسبت رهينة. لكن قد يحدث ذلك نتيجة لممارسات خاطئة أو لمعتقدات أو موروثات إجتماعية أو ايديولوجية أسي فهمها أو توظيفها، و قد يحدث ذلك نتيجة لإطماع اعمت الأبصار والقلوب فوقع العباد في المحذور.

يمكن القول بأن الذي حل باليمن لم يكن وليدا للحظة الراهنة ونتيجة للحرب الدائرة، بل نتيجة لتراكمات عده أفرزتها حياة سياسية متردية بل مشلولة وقيم اجتماعية وأخلاقية غير سوية. نتيجة لسياسات خاطئة صنعتها شريحة صغيرة لا تنعكس في سلوكها كل خصائص المجتمع اليمني؛ بل أنها تعكس قانون التسلط والسطو والنهب والفساد والإفساد؛ فتهشمت على يديها القيم الاجتماعية النبيلة و تفكك المجتمع ووحدة، و ففتحت الطريق إلى تكريس العصبيات و الانتماءات الضيقة على حساب الإنتماء للوطن، وأسهمت الممارسات الخاطئة في تشويه صورة الدولة في وجه أبناءها وفقدان الثقة فيها وفي حكوماتها المتعاقبة.

لقد تكونت شبكة مصالح ضخمة في فترة سابقة من تاريخ هذا البلد، طوعت الحياة والدولة والمجتمع لخدمة مصالحها، ومن تحت عبائتها خرجت كائنات طفيلية سعت وتسعى بكل طاقاتها لخدمة أجندتها ومشاريعها الخاصة، فنهبة خيرات وثروات الوطن.

> الجميع يعلم علم اليقين أن القوى المتصارعة اليوم هي نفس القوى التى امتصت خيرات البلد سنوات عده، مع انبثاق قوى جديدة جعلت من الحرب غاية لتحقيق اطماعها.ومن الحق والإنصاف القول بأن جميع القوى خرجت من رحم نظامه السابق نتيجة لأداء سياسي هش وقيم اجتماعية مهترئة، تمجد الأشخاص وتحترم الفاسد والمتسلط بل وترفع مكانته، وتنظر بعين الازدراء والسخرية إلى الضعيف والأمين.

من هنا يمكن القول بأن معضلة اليمن الرئيسية تتمثل في أن نظامه السياسي الحكومي والمعارض على حدا سواء بدأ مشوها ومفككا ولم يبدأ متماسكا قويا لأنه خرج من مخاض القبيلة لا من حاضنات المفكرين، بدأ مشلولا فشلت الحياة معه، وأصيبت العقول بالجمود والكثير منها بالاعتقال.
أي أن ما حل بالوطن من ويلات وحروب ومصائب يرجع إلى معضلة في أهلية الذين مارسوا ويمارسون العمل السياسي، وتتمثل تلك المعضلة في العقلية النفعية، التي أدارت الوطن بعقلية القبيلي الذي يفضل مصلحته ومصلحة قبيلته على مصلحة الوطن.

حول الموقع

سام برس