بقلم/ احمد الشاوش

تعكس الامثال الشعبية اليمنية مايدور في الحياة الاجتماعية للشعب اليمني من احداث ووقائع الدهر وتقديمها في جمل تحمل الكثير من الحكمة والنصائح والعبر للاستفادة من تجارب الاخرين.

ولذلك يردد اليمنيون المثل القائل "أين عدجي بصليدك " ، لكل مغفل واحمق وطامع لديه باقي بندق ويريد ان يدخل العاصمة صنعاء وغيرها من بؤر التوتر في اليمن قاصداً "الفيد" وفي رواية نهب ممتلكات الناس أسوة بالطغاة والقتله وقطاع الطرق وعديمي الضمائر والاخلاق ، ليجد نفسه ضحية بين رصاصات تجار الحروب وأقدام الجبابرة واللصوص والنهابين الكُثر الذين يتفاخرون بالقبيلة والوطن وأعينهم على منازل وفلل وبنوك وخزنات وشركات ومحلات وممتلكات الناس والدولة.

وتختزل تلك الامثال اليمنية الفريدة آلاف الاحداث في الحرب والسلم والرخاء والشدة والفرح والحزن والذكاء والغباء والصبر والتأني والامل والطموح والعمل والكسل والصدق والوفاء والقناعة والطمع ، لتُكتب بماء الذهب ، كونها نتاج للكثير من أحداث وشواهد وتجارب الحياة الانسانية.

أين عدجي بصليدك .... يقال والعهدة على الراوي ان مدلوزاً من ابناء القبائل أخذ بندقيته وقرر ان يدخل صنعاء التي تحولت الى جهنم ومدينة مباحة بإمر الامام ،فلقيه أحد العقلاء وقال له الى أين ياعنتر مدغمر بسلاحك ، فقال، الى صنعاء سمعت ان الدنيا مقلوبة والفرصة سانحة للفيد مثل بقية الرجال ، فقال له نصيحتي أرجع الجن في كل مكان ، فأصر الرجل على مواصلة السير وما ان وصل صنعاء حتى رأى كم من وحش يقلع باب أحد المنازل ، وذئب ينط من الطاقة وكلب ينهب المفارش ووحش يسحب البقر والغنم وثعل يجمع السرقات وبغل يطلق الرصاص على صاحبه ويلف ماتم جمعه.

وواصل المسير للحي الثاني واذا بصرخات النساء والاطفال واستغاثة الرجال والدماء ، فما كان من المدلوز الذي دخل سوق المجانين إلا ان هالة المشهد ولفه الرعب ورجع له عقله وفحط مسرعاً نحو قريته بخفي حنين.

وفي بداية ثورة 26 سبتمبر والحرب بين الجمهوريين والملكيين، أستمرت ثقافة التجهيل و" الفيد" والدم والصراخ والظلم ، وتواصلت ثقافة النهب في أكثر من محطة وبؤرة توتر مروراً بالسبعينات وحرب المناطق الوسطى والتشطير وأحدث 1986م في عدن ، و1994 حروب الوحدة او الموت ، وأحداث الربيع العربي و حتى اللحظة واليمنيون في دوامة ثقافة الدم والفيد والثأر والانتقام والدمار تستنزف كل شرائح وأموال وممتلكات المجتمع اليمني ، بسبب سياسة التجهيل والمصالح الضيقة والانظمة الملكية والجمهورية والاحزاب الفاسدة وشعارات الوطنية والقومية والتقدمية الزائفة ونظريات الحق الالهي التي حولت الناس الى مجرد عبيد ، رغم ان الله سبحانه وتعالى كرم الانسان واستخلفه في الارض وحرم الظلم وجعل الناس سواسية

وشاهد الحال ان كل مدينة وقرية وعزلة يمنية أصبحت ميداناً للحرب المحلية والاقليمية والدولية وتحتضن آلاف الوكلاء من القبائل اليمنية المسلحة التي ترفع شعار الجمهورية من الصباح الى المغرب ، وتلبس قناع الملكية والمشاريع الخارجية المشبوهة الى ماقبل الفجر مقابل المال المدنس والحصول على الغنائم وفقاً لثقافة الفيد ، لذلك لم ينتصر أخواننا اليمنيون في أي جبهة بمختلف توجهاتهم ومصالحهم وشعاراتهم المضللة ولم يستطع التحالف السعودي من اسقاط البلد ، لان جبهات الارتزاق لايمكن أن تولد النصر او الهزيمة حفاظاً على بقاء مصالح تجار الحروب الذين أسقطوا الدولة اليمنية تحت مزاعم كاذبة ودمروا اليمن وأفقروا الشعب وتآمروا حتى على مموليهم ، بدليل الفشل الكبير مدة خمس سنوات في جبهة نهم وغيرها من المدن اليمنية.

ورغم تلك الاحداث والنكبات المأساوية فإن تجار الحروب بجميع مشاربهم السياسية والاجتماعية سيكونوا أول المفاوضين مع السعودية وامريكا ، وسيحجزون أول المقاعد في التسوية القادمة وسيحصلون على الحقائب الوزارية السيادية والاموال والعقارات وسيفاخرون بـ " سلام الشجعان" رغم انهم تآمروا جميعاً على البلد دون أستثناء ، لكن الثمن سيكون غالياً والضريبة أكبر بعد ان تورطوا في الدماء والدمار وتجزأة اليمن واحراق قلوب الشعب ، وان غداً ناظره قريب .

حول الموقع

سام برس