بقلم/ يونس الحكيم
رغم الأعتقاد السائد لدى السواد الأعظم من الناس، أن ال30 من نوفمبر من العام 67 كان محطة فارقة في تحولات اليمنين على دروب النضال والتحرر.

إلا أن هناك من يطعن في صحة تلك الرواية المألوفة، ويثير العديد من الشكوك المشوبة بالقرائن التي تثبت قطعا بأن تلكم المناسبة ليست كما تعاطينا معها عقود طويلة ومازلنا كحدث تاريخي ملهم ومناسبة وطنية تستحق الإحتفاء والتبجيل .

فتارة نحتفي بها كذكرى للجلاء!! وخروج أخر جندي بريطاني من جنوب اليمن كما مازال معظمنا يراها كذلك حتى اللحظة!! وتارة نحتفى بها كذكرى لإستقلال جنوب اليمن عن الإستعمار البريطاني.

وفي حقيقة الأمر ليست 30 نوفمبر ذكرى لجلاء اخر جندي بريطاني من جنوب اليمن ولا ذكرى لاستقلاله عن بريطانيا وكلا الإدعائيين ليسا إلا مغالطة للذات وتزييف للحقائق التي رافقتا إدعاء ذلك،وقد آن الأوان لكشف الحقائق بوضوح وإنقشاع غبار التضليل عنها لكي يعرف اليمنيون جميعهم بأن ال 30/نوفمبر 67م ليس إلا خدعة ومؤامرة تاريخية كبيرة إستهدفت اليمن أرضا وإنسانا وكانت بمثابة طعنة غادرة في خاصرة الوطن،أفضت إلى فصله وشرعنت في تقسيمه بمباركة دولية وليست إمتدادا لثورتي سبتمبر وإكتوبر بقدر ماكانت إلتفاف عليهما وخروجا صريحا على أهدافهما

فلا أحد مثلا يشكك بثورة ال 14 من إكتوبر على الإطلاق أو يمني نفسه أن ينال منها بسوء، فالكل يترحم على شهداءها الأبرار، الذين ضحوا بدماءهم، من أجل أن ينال الوطن اليمني الكبير حريته وإستقلاله، لكن للأسف تضحياتهم الجسيمة وأهدافهم النبيلة ذهبت هدرا وتم ؤآدها والإلتفاف عليها،في ذلك اليوم المشؤوم (30 نوفمبر ) الذي للاسف نحتفي به كيوم وطني كل عام

وبالتالي لم يكن أمام المؤتآمرين علي الوطن آنذاك وبمباركة المستعمر وحلفاؤه في المنطقة، سوى اللجوء لإذكاء الصراعات، بين أبناء الوطن، سواء فيما بين أبناء الجنوب كما حصل بين الجبهة القومية وجبهة التحرير ، أو فيما بين أبناء الشمال كما حصل ايضا من حروب بين الملكيين والجمهوريين ، وذلك من أجل خلق بيئة ملائمة، لإستقلال جنوب اليمن عن شماله،وقد تحقق لهم ما أرادوا في اليوم المشؤوم ال30من نوفمبر في العام 67.
فالجميع يعلم بالصراع الدائر في نهاية ستينيات القرن الماضي بين المكونات الجنوبية وبالتحديد، بين جبهة التحرير، والجبهة القومية، والأخيرة كانت تحضى بدعم من المستعمر، وفور سيطرتها على غالبية المحافظات الجنوبية،وبالتحديد عدن، سارع المحتل الى تقديم موعد خروجه وإنسحابه من اليمن بعد أن أوجد حليف آمن ودعمه بالمال والسلاح بل والمعسكرات وهو مايحصل الان في الجنوب من دعم إمارتي للانتقالي الانفصالي بغية السيطرة علي الجنوب وفرض واقعا بقوة السلاح وإعتبارة ممثلا وحيدا للجنوب وقضيته وماأشبه الليله بالبارحة.

وبالعودة لصراعات ستينات القرن الماضي ومآلاتها والتي افضت لتقسيم اليمن فقد أدت سيطرة الجبهة القومية علي الارض في معظم المناطق الجنوبية وبدعم من بريطانيا في إكتوبر من العام 67 وسارع إلى تقديم موعد خروجه إلى نهاية نوفمبر من العام 67م بعد أن كان موعد الخروج هو نهاية يناير68م. فتأملوا ،كيف سارع المحتل الى تقديم موعد رحيله بنفسه،بعد أن ضمن أن حليفه قد سيطر على المحافظات الجنوبية،هذا وأولا وثانيا لقناعته التامة بأن الصراع في الشمال بين القوى الملكية والجمهوريين على أشده وخاصة نهاية نوفمبر بعد أن فرضت القوى الملكية حصارا خانقا على صنعاء وإنشغال الشماليين بمواجهة كلا منهما الاخر وهو ماجعل بريطانيا تستغل هذا وتجري مفاوضات بزعامة شاكلتون المندوب السامي مع الجبهة القومية بزعامة /قحطان الشعبي في جنيف بسويسرا وخرج هذا الإتفاق المخزي والفاضح والذي تم التوقيع عليه في عصر يوم الثلاثاء الموافق 29/نوفمبر 67م والمكون من 17 بندا بإعلان دولة (الجنوب العربي) كما ورد في مسودة الاتفاق إستقلاله عن اليمن في خروج وإنحراف واضحيين عن مساري وأهداف ثورتي سبتمبر واكتوبر وخيانة لتضحيات الشهداء،فالتخوف الذي راود المستعمر وجعله ينفذذ مخطاطته هو أن يفضي رحيله إلى وحدة بين الشطرين أو عودة الفرع إلى الأصل، وتنتهي مطامعه ومصالحه،.وكان البندين الاول والثاني من بنود الاتفاق ال(17) كالتالي :البند الأول الذي ينص علي :يستلم الجنوب العربي حقه في الإستقلال في 30 نوفمبر 1967 ،علي أن تضمن بريطانيا لها إعتراف في الامم المتحدة والهيئات الدولية كدولة مستقلة،اما البند الثاني فنص على: إلتزام المحتل، بكل نفقات وموازنة الدولة الوليدة دولة (الجنوب العربي) للعام 68م ودعيت في عصر اليوم ال29/من نوفمبر67 جميع وسائل الاعلام لنقل وقائع هذا الحدث،وغادر وفد الجبهة القومية سويسرا،بعد ان حصلوا علي إعتراف بالجنوب كدولة!! وهذا هو الاستقلال بنظرهم وأي إستقلال هذا !! والمستعمر نفسه تكفل بموازنة الدولة لعام قادم !!! لكن للأسف مازال معظم الشعب اليمني ينظر الي هذا اليوم المشؤوم كمناسبة وطنية وعيد وطني،وهو اليوم الذي تم فيه الاعتراف بالجنوب كدولة مستقلة عن شمال الوطن وليس مستقله عن بريطانيا ولا ندري بأي العدسات كانوا ومازالوا ينظرون!أ

إذن فال30 من نوفمبر هو يوم إستقلال جنوب اليمن ليس عن الاحتلال ،وإنما إستقلاله عن الشمال الذي هو الأخر كان في وضع لا يحسد عليه بفعل المؤامرة الدنيئة والمتكررة، للنيل من نظامه الجمهوري،وبالتالى لم يكن همه آنذاك، سوى الدفاع عن صنعاء التي كادت ان تسقط بأيادي القوي الملكية، وإستمرهذا الصراع في الشمال،إلي حين تم عقد مؤتمر، للمصالحة بين الجمهوريين والملكيين، في أواخر العام70،لكن بعد فوات الأوان! وبعد أن أصبح الجنوب دولة بكامل مقوماتها.

خلاصةما يمكنا قوله، إن الجميع بات عليه أن يدرك، أن ال 30 من نوفمبر لم يكن إلا إغتيال سياسي لوحدة التراب اليمني ولم يكن كما يسميه البعض بيوم الجلاء وخروج أخر جندي بريطاني من جنوب اليمن،فهذه إكذوبة،دأب البعض على ممارستها وتصديقها من أجل أن يمحى غلطة ذكرى مايسمى بالإستقلال المشؤم .

وكيف يكون ال 30 من نوفمبر يوم للجلاء وخروج أخر جندي بريطانيا من جنوب اليمن والإتفاقية التي تم إبرامها مع المحتل كانت عصر يوم 29 /نوفمبر !!فهل يعقل أن دولة إحتلت بلدا ما،لأكثر من قرن وثلث،أن تجلي جميع قواتها وعتادها بعد بضع ساعات من توقيع الإتفاق معها! هل يعقل هذا! والكل يعلم أن هذا الأمر يحتاج لأسابيع طويلة،إلا لم تكن شهور فإنظروا للولايات المتحدة مثلا كم من الشهور إحتاجت للانسحاب من سوريا وكذا العراق، وإنظروا للامارات كم شهرا إستغرقت حتي ترتب إنسحابها ومازالت تنسحب وهي لم تواجه كفاح مسلح كما واجهته بريطانيا ،وإنظروا للانتقالي ايضا كم من الاسابيع يحتاج حتى يسحب قواته من عدن التي سيطر عليها في إغسطس من العام الحالي،وتأملوا معي كيف إن كتائب أبو العباس طلبت مهلة أكثر من إسبوع لكي تنسحب من مدينة تعز القديمة إلى الكدحة،وكل هذه النماذج التي سقناها تثبت بمالايدع مجالا للشك بأن خروج أخر جندي بريطاني من اليمن بعد ساعات من إتفاق جنيف بين الجبهة القومية وبريطانيا ليست إلا إكذوبة وخدعة تاريخية كان يراد منها حرف الأنظار عن النتائج الكارثية والمخيبة للامال لنتائج تلك المفاوضات، هذا من ناحية والناحية الإخرى اذا كان 30 نوفمبر يوم جلا لأخر جندي بريطاني من جنوب اليمن ونحتفي به كمناسبة وطنيه فلماذا لاتحتفي جميع دول العالم التي أستعمرتها بريطانيا بخروج اخر جندي بريطانيا من أوطانها،فلماذا لاتحتفي مثلا الصومال وعمان والكويت وقطر والامارات والهند وامريكا وكندا وكل المستعمرات العربية وغير العربية بخروج اخر جندي بريطانيا من بلدانها؟!،ولماذا لاتحتفي مصر وليبيا بخروج اخر جندي ايطالي من بلديهما ؟!ولماذا لاتحتفي الجزائر وسوريا بخروج أخر جندي فرنسي من أراضيهم؟!،فلماذ لايحتفوا بذلك كما نحتفي به نحن اليمنيين ؟!وهل نحن ناقصين مناسبات وطنية !!

ونقول ايضا لمن مازال مصرا على إن 30 نوفمبر مناسبة وطنية، أستقل فيه جنوب اليمن عن الإحتلال البريطاني، نقول لاصحاب هذا الطرح،حسنا اذا كان الأمر كذلك، فماذا نسمي ال14 من إكتوبر، أليست ذكرى الثورة على المستعمر البريطاني؟أليس هذا اليوم هو يوم الاستقلال الحقيقي وفيه اندلعت شرارة الثورة ضد المحتل أم إن الأمر لدينا مختلف! ونحتاج لأن تكون لدينا مناسبتين لفعالية واحدة،وكأننا لانملك خمس مناسبات وطنية كواحد من أندر بلدان العالم والجميع يعلم بأن بلدان العالم التي إستعمرت وتحررت، تختار اليوم الذي إنطلقت فيه الشرارة الأولى مناسبة وطنية،تعرف بذكرى الإستقلال حتي لو لم يرحل المستعمر إلا بعد سنوات طويلة،مايعنى أن ال14 من إكتوبر،هو عيد الإستقلال الحقيقي أما ال30 من نوفمبر فهي ليست إمتدادا لثورة 14 إكتوبر بقدر ماهي إلتفاف وتأمر عليها

وهذه هي الحقيقة المرة،التي دأب الكثير على إخفائها،أوتجاهلها،وما دعانا للكتابة حول هذا،أن الوطن في هذا الظرف يمر بمؤامرة شبيهة، لإستنساخ التجربة المريرة،المتمثلة في إقحام الشمال في صراعاته،وخلق بيئة ملائمة لإستقلال الجنوب،بدت معالمه تبرز للعلن بعد سيطرة الانتقالي المدعوم إمارتيا علي مؤسسات الدولة في الجنوب وفرض نفسه كممثلا وحيدا للجنوب كما كانت الجبهة القومية المدعومة بريطانيا ممثلا وحيدا للجنوب في اواخر ستينات القرن المنصرم،والتاريخ يعيد نفسه، وما أشبهه الليلة بالبارحة،،

حول الموقع

سام برس