بقلم/ احمد الشاوش
يقال والعهده على الراوي ان يمنياً كان يملك سيارة اجره في الستينات ، وركب معه شخص مشوار من ميدان التحرير الى منطقة باب شعوب بصنعاء وما ان وصل به السائق الى نصف الطريق حتى تعطلت السيارة فجأة ليلاً في منطقة موحشة تغص بالكلاب والذئاب والاثعل والاشجار المنتصبة والمطر الكثيف ، وقال السائق للرجل بعفوية " كُب لاشعوب" أي واصل المسير الى شعوب ، وما كان من الرجل إلا ان واصل الخطى مرغماً الى منزله رغم الظلام الدامس والبرد القارس وأصوات الحيوانات المفترسة ، ناهيك عن الجوع والعطش والخوف الذي يلفه من جميع الاتجاهات .

هذا المشهد الظريف والطريف يدل على حالة اللامبالاة وعدم الشعور بالمسؤولية لدى الكثير من اليمنيين ، حيث يوثق لنا المثل التاريخي السائق المهمل الذي لم يتفاقد السيارة ويحافظ على رزقه قبل الانتقال بها ليتفادى أي عطل أو طارئ قد يُعكر مزاجه ويتسبب له في خسائر لا يُحمد عقباها ، والراكب لا يقدر الوقت المناسب حفاظاً على سلامته والوصول الى الهدف المنشود في الوقت المحدد وهو مرتاح البال.

وكما هي طبيعة اليمنيين من أصحاب المهن الحرة من نجارين وحدادين وبناءين وكهربائيين وسباكين وخياطين وغيرهم من أصحاب المواعيد العرقوبية الذين يصطادون عملائهم بالكلام المعسول ، لذلك ما ان يذهب شخص الى نجار لإبرام عقد عمل والاتفاق معه حتى يسمع سيل من الكلام الجميل والعمل المتقن والتفاخر بمهنة الأجداد وفي نهاية المطاف لايفي بالاتفاق في الوقت المحدد ولا يكون العمل مطابق لشروط الاتفاق ، واذا كان المثل يقول " بيت النجار مخلوع" ، فكيف سيكون العمل او الباب الذي سوف يصلحه لغيره ، وقس على ذلك الكثير من المهن والمحن بينما في ارض الله وعند اليهود والنصارى الناس على دين شروطهم.

واما شياطين السياسة وسحرة الشعوب ودجالي الأمم وبائعي الاحلام الوردية فحدث ولاحرج ، فلا دين يردهم ولا قانون يردعهم ولا اخلاق توقف شذوذهم ونزواتهم وبرماتهم وتضليلهم ، بينما أصبح السواد الأعظم من رجال الدين المفلسين يوزعون صكوك الغفران على مدار الساعة لتجار الحروب ومدمري الأوطان وقتلة وناهبي الشعوب في الداخل والافتاء بالانقلابات ودعم الجماعات وتدخل الخارج تحت ايقاعات السنة وسيمفونية الشيعة وعناوين القاعدة وداعش ومحاربة الإرهاب وغيرها ، رغم ان رجل الدين مسؤوليته الأولى والأخيرة هي رسالة إنسانية تدعو الى التسامح والتعايش والتكافل والقيم ومكارم الاخلاق والحكمة مع احترام الأديان والمعتقدات الأخرى ، وليس تحويل الأقليات والمذاهب و الشعوب الى قرابين لشياطين السياسة والحكم.

لذلك كان اليمنيون الاوائل يقولون لاتدهي نفسك الى ليل او سيل او حيد ، فالليل خطر لاتدري ما انت قادم عليه وما ينتظرك من قاطع طريق او حتى حيوان مفترس او سكران ، والسيل جارف لا تدري متى يداهمك وما ان تفكر تضع قدمك او تحاول الانتقال الى الضفة الاخرى حتى يداهمك السيل فجأة ويجرفك كالقش، وما ان تخطو خطوة أو تمر على حيد او جبل حتى تنزلق قدمك وتهوى بك الى الهاوية ، لذلك على المواطن والحاكم والسياسي ورجل الدين والقاضي وعضو النيابة والعسكري والمثقف ،،،ان يراجع ضميره وان يتقن عمله ويحترم مسؤولياته ويحتكم للقيم والأخلاق والقانون وان يُحدد معالم الطريق ويفكر الف مرة في عمل الخير قبل الخطوة القادمة نحو المجهول ، كون الاستمرار في التضليل والمتاجرة بدماء وثروات وعقائد الشعوب آفة ، فالحكام والرؤساء والملوك والامراء والقادة والدول والكون متغير ، والله ثابت ، وما سقوط الروم وفارس والفراعنة والخلافة الإسلامية إلا خير شاهد على الانحراف ، فهل من رجل رشيد؟.

Shawish22@gmail.com

حول الموقع

سام برس