بقلم / د.يحي أبوزكريا
بعدما نجحت الولايات المتحدّة الأمريكية في تركيع النظام الرسمي العربي وجعله في الإتجّاه الأحادي الأمريكي بل ومؤتمرا بما تريده واشنطن منّا في السرّ والعلن , وبعد أن ضمنت أمريكا بأنّها ضمّت إلى حظيرتها كل الدول العربيّة مشرقا ومغربا , ها هي تخططّ الآن و تنفّذ تخطيطها في إستيعاب الشارع العربي و العقل العربي من خلال وسائلها الإعلامية المستعربة بدءا بإذاعة سواء ووصولا إلى فضائية الحرّة التي إنضمّت إلى سلسلة الفضائيات العربية بميزانية كبيرة و آمال عظيمة بالقدرة على منافسة الفضائيات العربية و بالقدرة أيضا على صناعة الرأي والفكرة والتوجه و الشعور واللاشعور في العالم العربي .

ولا يمكن لأمريكا أن تقدم على خطوة كهذه بدون دراسات مسبقة ومخططّات تستهدف كياننا الإعلامي والثقافي والسياسي والإجتماعي و بلسان عربي مبين ومن خلال نخبة عربية مبدؤها الدولار والربح السريع والتعامل مع الأقوى والأقوى اليوم في الساحة الدولية هي الولايات المتحدة الأمريكية .

إنّ فضائية الحرة لا تندرج في سيّاق تحسين الصورة الأمريكية في العالمين العربي والإسلامي و إزالة ما علق في العقل العربي والإسلامي عن أمريكا المقرونة دوما بالشرّ عربيا وإسلاميّا , بل تهدف إلى صياغة رأي عام في الخارطة العربية و بلغة يفهمها مائتا مليون عربيّا , و تهدف أيضا إلى الترويج للأطروحة الأمريكية و رؤيتها للأشياء والترويج لنموذجها الثقافي والحضاري والإجتماعي والمسلكي و أيضا بلسان عربي مبين , ومما لا شك فيه فسوف يستغل خطاب فضائية الحرّة الإعلامي كما السياسي الفقر الضارب أطنابه في البلاد العربية والإسلامية و الجوع والكساد الإقتصادي و إنعدام الرفاهية و الحريّة و الديموقراطيّة على حدّ سواء , ويحاول هذا الخطاب التسلل إلى العقل العربي والمسلم ليقدّم البديل لشعوب مسجونة من طنجة وإلى جاكرتا وبالتأكيد فإنّ هذا البديل سيكون أمريكيّا ممّا لا شكّ فيه .

وإذا كانت الولايات المتحدّة الأمريكية بجنودها وعسكرها قد وصلت إلى آبار النفط وبلاطات الحكّام والمؤسساّت العسكرية و وزارات السيادة في بلادنا فإنّ أمريكا ومن خلال قناتها المستعربة ستدخل بيوتنا بيتا بيتا ودارا دارا وخيمة خيمة كما ستدخل كل الأحياء القصديريّة و الفقيرة المنتشرة على إمتداد شوارعنا العربيّة والإسلامية , وبالتأكيد فإنّ كثيرين سوف ينساقون لها بإعتبارها ستدغدغ أحلامهم وتعدهم بغد أمريكي مشرق خصوصا وأنّها باتت تستخدم لغتنا الجميلة في تسويق منتجها السياسي والثقافي والإعلامي و الفكري والعسكري والأمني .

و فضائيّة الحرّة فصيل من فصائل المارينز ينظر إليها كفيلق عسكري يؤدّي دوره الأساس في التمهيد والتمكين للمشاريع الأمريكية المقبلة في العالم العربي والإسلامي , صحيح أنّ العرب القيمّين بشكل غير مباشر على هذه القناة والمؤتمرين بأوامر غرف خاصة في البنتاغون و ووكالة الإستخبارات الأمريكية سيوهموننا أنّهم موضوعيون و حرفيون ومهنيون و لا ينحازون إلاّ للحقيقة , لكنّها خدعة أمريكية بحتة الغرض منها الحصول على بعض الصدقيّة في الشارع العربي الذي يكره أمريكا إلى النخاع ويعلم أنّها مجرمة بإمتياز , وسوف تحاول فضائية الحرة وكان يجب تسميتها بفضائيّة الإحتلال و الإستعمار تبرير الممارسات الأمريكية في واقعنا العربي وتزيين الوجه الأمريكي الرسمي المملوء بالندوب بمساحيق يعرف الشارع العربي جيدا أنّها مساحيق زيف ليس إلاّ .

إنّ أخطر ما في الموضوع هو أنّ أمريكا وبهذه الخطة الإعلامية باتت جزءا من واقعنا السياسي والإعلامي وحتى الثقافي و هي تحاول أن تروّج لإستراتيجيتها وبلسان عربي مبين في محاولة لخلط الأوراق وتحرير العقول العربية والإسلامية من القيّم والمبادئ السياسية التي تعتبر الإستعمار و الإحتلال شرّا مطلقا و ظلما مطلقا وبالتالي يتطلب بذل كل الجهود
لوضع حدّ له .

وفضائية الحرّة لا تهدف إلى نشر الحرية والدمقرطة في العالم العربي بقدر ما تهدف إلى إيجاد تفسير جديد للغطرسة الأمريكية في بلادنا العربية و الإسلامية , وفوق هذا وذاك ستكون فضائية الحرة أداة ضغط جديدة تضيفها واشنطن إلى كل أدوات ضغوطها على حكامنا , وأي نظام رسمي يفكّر في الخروج عن الطاعة الأمريكية فسوف تكون فضائية الحرّة جاهزة للضغط عليه عبر الفضائية الأمريكية بوسائل يعرفها الجميع وعبر البرامج السياسية المرتبة والمتفق عليها سلفا .

ويبقى القول أنّه في الوقت الذي جاءتنا فيه أمريكا إلى عقر دارنا بالدبابة و الإعلام فإننا ولحدّ الآن نصرف أموالنا على توافه الأمور بدل صرفها على مشاريع جادة من قبيل مخاطبة الغربي بلغته التي يفهمها , ولا يحق لنا بعد ذلك أن نتساءل لماذا إنتصرت أمريكا في واقعنا العربي والإسلامي ! ولماذا إنتصر اللوبي العبري في الغرب !!

*من صفحة الكاتب بالفيسبوك

حول الموقع

سام برس