بقلم/ احمد الشاوش
تحولت ابتسامة الرئيس الامريكي دونالد ترامب بعد المجزروة الدموية البشعة بحق الجنرال سليماني الى دموع متدفقة على خدود المرشد الاعلى للثورة الايرانية علي خامنئي خلال الصلاة على جثمانه ومناحاة في سائر دول الهلال الشيعي ، بينما كان بعض الاعراب أكثر تشفياً وترحيباً وتكبيراً بعملية الاغتيال البشعة التي حولت موكب قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني ورفيقة أبومهدي المهنس وآخرين الى كتلة من النار ، واشلاء متناثرة وقطع متفحمة عنوانها خاتم سليمان.

العملية الامريكية الدموية كانت ثاني رسالة تحدي لايران ، بعد القصف الذي أستهدف الحشد الشعبي وخلف 27 قتيلاً ونحو50 جريحاً ، ومثل صدمة للعراق وصعقاً لدول الخليج وقلقاً لمنطقة الشرق الاوسط وزلزالاً للجمهورية الايرانية ، ومايُدمي القلب ويفاقم الحزن مقتل 40 إيرانياً و 213 جريحا في تدافع شديد خلال تشييع جنازة قاسم سليماني في كرمان نتيجة للعاطفة بلاحدود وعدم التنظيم وانتظام الناس عند أي مناسسبة أو حدث أليم.

كارثة اغتيال الجنرال سليماني وضعت القيادة الايرانية في مأزق وحرج كبير ، بدأت بالتفكير في دراسة أكثر من خيار للانتقام من الولايات المتحدة الامريكية بحيث تُعيد لنفسها الاعتبار والهيبة وحفظ ماء الوجه وتعزيز الثقة لدى الشعب لاسيما بعد الضغط الشعبي والتصريحات النارية للمرشد والرئيس روحاني وقائد الحرس الثوري ونائب سليماني الجديد وحسن نصر الله ومطالب زينب أبنة سليماني بالثأر.

ولذلك نرى ان أمام القيادة الايرانية أكثر من سيناريو :

الاول إما خوض حرب عسكرية طاحنة قد تحول الخليج العربي وإيران الى محرقة وجثث متفحمة واطلال تاريخية دون ان تصل صواريخها الباليستية الى واشنطن التي تبعد عنها حوالى عشرة آلاف كيلومتر مربع وهذا أحتمال غير وارد وخارج اطار العقل الايراني ، لان موازين القوى بين امريكا وايران عسكرياً واقتصادياً مابين السماء والارض ، من حيث القوة الجوية والبحرية والبرية والقنابل الذرية والهيدروجينية والنيترونية والصواريخ عابرة القارات والاسلحة الجرثومية والتكنولوجية المتقدمة وغير ذلك من آلة الدمار .

السيناريو الثاني يتمثل في تحريك إيران لادواتها في لبنان والعراق وسوريا واليمن والسعودية والامارات القيام بعمليات اغتيال ضد قيادات وشخصيات كبيرة وعمليات خاطفة عبر الحدود وأستهداف منشآت عسكرية واقتصادية حيوية محدودة في اسرائيل والسعودية والامارات على غرار بقيق وخريص والتعرض للسفن التجارية والبوارج الحربيةلاسيما في ظل توعد إيران وأذرعها المتمثلة في الحشد الشعبي وفيلق القدس وسائرون وحزب الله العراقي والقوى الثورية في العراق ولبنان واليمن وسوريا وغيرها من الدول المغردة في فلك محور المقاومة بالانتقام الشديد والقاسي.

والسيناريو الثالث يتمثل في انتهاج إيران للدبلوماسية الهادئة والناعمة والسياسة البراغماتية والبروباغندا الاعلامية تجاه شعبها والمجتمع الدولي ، من خلال امتصاص الصدمات والازمات والشكاوى الى مجلس الامن والمنظمات ذات العلاقة والالتفاف على العقوبات الاقتصادية واحكام السيطرة على المعارضين في ايران والعراق لسياساتها وتواجدها واطلاق التصريحات النارية والتعامل الحذر مع التوحش الامريكي والاسرائيلي وشيطنة الرياض وابو ظبي ن والتنسيق مع الدول الاوروبية في الملف النووي والدفاع عن أراضيها وفقاً لسياسة الامر الواقع الذي لايمكنها من خوض حرب ضد التواجد الامريكي في الخليج كونه حالة من " الانتحار" ، كما ان الامريكان لايمكن أن يفرطوا بالعراق والسعودية والامارات وقطر والكويت بسبب الثروة النفطية التي بإمكانهم حرق أي قوة وطنية او غير وطنية تعرض مصالحهم للخطر.

لقد أدت الضربات الامريكية الموجعة وتوعد الايرانيين بالثأر والانتقام الى ردود أفعال متعددة وكما يقول المثل اول الحرب كلام ، فالرئيس الامريكي صرح انه وجه ضربة ساحقة لايران وان قتل سليماني جاء متأخر كما حذر ترامب من التعرض للسفن التجارية في الخليج ، وقال وزير الدفاع الأمريكي، مارك إسبر الثلاثاء في حديث لـ CNN، إن بلاده لا تبدأ الحرب لكنها تنهيها، في تهديد صريح لإيران.

بينما مجلس الشورى الايراني شدد على الرد الحازم بقوة ، وتعهد الرئيس روحاني لزينب ابنة سليماني بالانتقام ، وقال روحاني ، لن تنسى جريمة سليماني وستدرك خطأها خلال السنوات القادمة ، وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، عباس الموسوي، أن طهران لا تسعى إلى شن حرب مع الولايات المتحدة ولكنها مستعدة لأي موقف ، بينماأكد أمين مجلس الأمن القومي الإيراني علي شمخاني، أن الولايات المتحدة "ستدرك عاجلا" أن مقتل سليماني، "أخطر بكثير عليها من بقائه حيا" وسيتم العمل عسكرياً ، كما دعا مجلس خبراء القيادة في إيران جميع المقاتلين إلى الاستعداد لطرد القوات الأمريكية من العراق ، وتوعد حسن نصرالله الأمريكيين، بإعادة جُنودهم وضبّاطهم إلى بلادهم في نُعوش وأكياس بلاستيكيّة سوداء ، وقال مقتدى الصدر زعيم كُتلة سائرون في البرلمان العراقي أنّ طرد القوّات الأمريكيّة من العِراق سيتم بصورة مذلة ، وهدد حزب الله العراقي ترامب بتحويل القاعدة الجوية الأمريكية إلى ركام.

بينما تراوحت ردود الفعل الروسية والصينية والاوربية بين القلق والدعوة الى ضبط النفس وعدم التصعيد وحق امريكا في الدفاع عن نفسها.. كل تلك التصريحات .

أخيراً.. يبدو ان الترسانة الصاروخية الايرانية المرعبة والحرس الثوري الايراني والطائرات المسيرة والادوات والاذرع والمخالب الكبيرة في الهلال الشيعي الذي تحول الى بدر بدأ يتلاشى بريقها أمام صواريخ ومدفع ترامب دون ان نسمع استهداف جندي امريكي أوبارجة امريكية اوصاروخ باليستي يدك احد القواعد الامريكية أو تل ابيب وكأن مجازر واشنطن ضد الحشد الشعبي ، وظل المرشد "سليماني" مجرد فرقعة اعلامية وان هذه الترسانة المدمرة التي يتم الاستعراض بها في الاحتفالات والمناورات موجهة الى الدول العربية وان إيران بُعبع وفزاعة تدر الكثير من الاموال على العم سام دون ان تدري ، تارة تحت مسمى الحماية من الخطر الفارسي وأخرى عبر عنوان القاعدة وثالثة عبر يافطة داعش .

فهل يثأر المرشد الاعلى للثورة الايرانية لدماء الشهداء وهل يفي الرئيس روحاني بأمنية ابنة قاسم سليماني بالاقتصاص لابيها وهل يبدأ قائد الحرس الثوري بالتحرك وطرد القوات الامريكية من العراق ومنطقة الخليج وتطبيق مقولة الموت لامريكا قلباً وقالباً أم ان الشعار في وادي والواقع في واد آخر ، ما يجعلنا نتذكر كلمة الرئيس حسني مبارك " دي امريكا ياصدام" وكلمة نابليون " الله مع المدفع القوي" ، أمل عكس ذلك؟

shawish22@gmail.com

حول الموقع

سام برس