بقلم/ مفيد الحالمي

- أعترف أني السبب في ما حدث ويحدث من صراع حول العملة الوطنية.

فلقد جمعتني تخزينة جميلة مع د. رشيد أبو لحوم محافظ البنك المركزي بصنعاء في منزل معالي الوزير د. رشاد الرصاص .. لبث خلالها د. رشيد يشرح لنا عن تداعيات ومخاطر طباعة الجانب الآخر (الشرعية) للعملة الوطنية الجديدة دونما غطاء من الذهب أو غيره.

مؤكدا أن من شأن هذا أن يؤدي إلى حدوث تضخم ومن ثم إلى إنهيار العملة الوطنية وما إلى ذلك من العواقب الجسيمة على الاقتصاد الوطني.

سمعت ما سمعت منه ثم قلت له: - ولماذا لا تتصدون لمثل هذه الكارثة؟ ..

ولماذا لا تتحركون لإيقاف هذا الأمر الخطير؟ .. ولماذا لا تقومون بواجبكم الوطني إزاء ذلك؟ .. ولماذا لا تبادرون إلى إتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لمنع تداول العملة الجديدة طالما أن مخاطرها بل نتائجها بالخطورة البالغة التي شرحت؟.

سألني محتارا متعجبا:
- ماذا نصنع؟.
قلت له:
- كيف ماذا تصنعون وأنتم المعني الأول بحماية عملتنا الوطنية؟.
- أردفت:
- إذا قلتم أنتم ماذا نصنع فماذا أبقيتم للآخرين؟.
أضفت:
- يجب عليكم المسارعة للقيام بكل ما ينبغي القيام به.

كان كلامي محفزا له كمن أيقظ شيء في داخله قرأته في صفحات عينيه .. شيء موجود لكنه كان يحتاج إلى تحفيز لنقله من دائرة التشكي النظرية إلى دائرة الفعل المناهض أي المعالجة العملية .. وقد حدث التحفيز الذي كان ناقصا ولم يبقى إلا التنفيذ.

وقد وجدته عقب كلامي يقول:
- إن شاء الله سنتخذ إجراءات حازمة لمنع العملة الجديدة وسنقوم بما يجب.

لكني تذكرت شيء ما فاستدركت قائلا:
- لكن ماذا عن المواطنين الأبرياء المساكين الذين لديهم كميات من العملة الجديدة؟ .. ما ذنبهم لكي يكونوا ضحية ما ستقومون به من إجراءات؟ .. سيكون هذا ظلم عليهم.

صمت مفكرا لبرهة ثم أجابني مطمئنا:
- لا تقلق .. سنعمل حل ةمعالجة لهم إن شاء الله.. وسنستبدل لهم ما بحوزتهم من عملة جديدة بالعملة الصحيحة.

قلت له:
- إذا كان الأمر كذلك فعلى بركة الله.

¤ هذا القسم الأول من المشهد .. أما القسم الثاني فهو أني بصراحة كنت أظنه مجرد كلام تخزينة سينتهي بانتهاءها لكني فوجئت بعد يومين أو ثلاثة أن البنك المركزي اليمني (صنعاء) قد أصدر قراره بمنع تداول العملة الجديدة وتبديل للمواطنين كما وعدني محافظ البنك.
وقد كنت أول الضحايا حيث كان لدي مائتين ألف ريال بكرت عند صاحب المطعم رفض يأخذها،
وصاحب الدكان رفض يأخذها،
ثم الحلاق رفض يأخذها،
ثم عامل محطة البترول أبى استلامها مني،
حتى (المقوت) رفض يستلمها،
بل حتى المتسول قال لي: (يا تصدق سوا يا بطلت)!! ههه.

ليس هذا فحسب .. بل المشكلة التي أرعبتني أن الموضوع أخذ زخما وطنيا وشعبيا كبيرا وأصبح محل صراع حامي الوطيس بين طرفي الحرب .. بين حكومة صنعاء التي أصدرت هذا القرار وبين حكومة الرياض التي ترفض هذا القرار.
وفي الوسط يقف الشعب يتنافس على كسب موقفه الطرفان لينعكس هذا الصراع بشكل واضح وأكثر احتداما على وسائل الإعلام والقنوات الفضائية التابعة للطرفين بغية كسب الرأي العام.

ونظرا لذلك وجدت نفسي تحدثني قائلا:
- هيا أعجبك.. كل هذه المشاكل بسببك.

تضيف كأنها تضيق على الخناق:
- أعجبك يا محارش.

تستطرد توبيخها لي:
- مالك والبنك المركزي والعملة الوطنية والاقتصاد؟؟ .. قدك على البيئة والمياه وابرد لك من الذنوب التي قد تتحمل وزرها جراء إثارة مثل هذا الخلاف الذي قد يصيب ضرره الوطن بأكمله.

أدافع عني قائلا لها:
- إنما أردت أن يعم النفع الوطن بأكمله وليس العكس .. إنما أردت الصالح العام لا الضرر العام.

طبعا حتى المنتمين إلى حكومة صنعاء كانوا يهاجمون البنك المركزي بصنعاء على قراره الذي قد يرونه غير صائب .. وكنت أنا في أي مكان أذهب إليه أضطر للدفاع عنه دفاعا عن نفسي وأحاول أن أشرح لهم المخاطر كما شرحها لي د. رشيد محافظ البنك.

¤ عموما .. نحن موافقين على إجراءات البنك ومسلمين بصحة كل ما يقوله البنك المركزي بصنعاء .. لكن الجدير بالإشارة والتنويه أن هذه الموافقة وهذا الاتفاق بين البنك كمؤسسة وطنية معنية بالعملة وبين الشعب كمستفيد أو متضرر أول وأخير من أي قرار مثل هذا .. هذه الموافقة وهذا الإتفاق مبني على أن الغاية هي حماية العملة الوطنية من الانهيار المفترض فيما لو بقي الحال السابق الذي قضى عليه قرار البنك الجديد.
لكن المخيف والذي يكاد أن يكون الواقع هو أن سعر صرف العملة الوطنية إزاء العملات الاجنبية بدأ يرتفع .. أي بدأت العملة الوطنية تنهار!!!!! .. بمعنى حدوث خلاف الغاية المبتغاة من القرار.

وإذا كان الانهيار سيتوالى ويتتابع ويكتمل فمعنى ذلك أن البنك المركزي اليمني بصنعاء سيكون قد اقترف جريمة بحق الشعب بقراره .. لأن الوضع السابق كان ينطوي على توافر العملة الجديدة مع استقرار سعر صرف العملة الوطنية .. فيما الوضع الراهن الذي نتج عن القرار أدى إلى انعدام أو إعدام العملة الجديدة بما سببه من مشاكل لشريحة من الشعب مع إنهيار العملة الوطنية!!. أي مع عدم تحقق الغاية المراد تحقيقها من القرار بل مع حدوث العكس. أي مع حدوث ما يخشى حدوثه.

- في أسوأ الأحوال.. في ظل الوضع السابق لو انهارت العملة الوطنية مع حدوث توافر العملة الجديدة أهون لدى الناس من انهيار العملة الوطنية مع إعدام العملة الجديدة التي قد نزلت السوق ودخلت ضمن القيمة الفعلية للسوق.

كما أن الانهيار ما كان ليحدث بهذا السرعة لكأن الانهيار لم يأت إلينا فذهبنا إليه.
وربما أننا لو لم نذهب إليه ما جاء إلينا.

- عموما نحن الآن لا نصدر حكما بأن القرار خاطىء أم صائب .. بل نؤكد للبنك المركزي اليمني بصنعاء أن ما سيؤكد للناس والشعب أن القرار صائب أم غير صائب هو عدم إنهيار العملة الوطنية وحمايتها على الأقل ببقائها عند المستويات التي كانت عليها قبل القرار.

أما إذا حدث خلاف الغاية التي من أجلها أتخذ القرار فمعنى ذلك أننا أختلقنا مشكلة لم يكن لها وجود .. وأننا هربنا من ضرر إلى ضررين، وانتقلنا من سيء إلى أسوأ، ونقلنا الشعب إلى من مخاطر محتملة إلى مخاطر محققة وواقعة.

هذا هو المعيار الذي سيؤكد للشعب ولا غيره .. وبالتالي لا داعي لسرد قائمة من المبررات الأخرى عبر القنوات الفضائية والوسائل المختلفة.

لأن هذه المبررات هي لتبرير قرار يزعم أنه ينشد تحقيق غاية محددة .. لكن إذا لم تتحقق هذه الغاية فمعنى ذلك أنه لا قيمة لا للقرار ولا لمبرراته التي تؤكد عدم صحته عدم تحقق الغاية.

فإذا نتج عن هذا القرار مزيد من أنهيار الريال أمام العملات الاجنبية فمعنى ذلك أن القرار قد استحضر الكارثة ولم يمنعها .. وبالمقابل إذا تحسن سعر صرف الريال فمعنى ذلك أن قيادة بنك مركزي صنعاء أبطال قوميون ولهم منا مليون تعظيم سلام.

وآخر الكلام .. السلام.

حول الموقع

سام برس