بقلم/ عبد الحليم سيف
إذا كان السابع والعشرون من يناير 2020م ، يومًا عادياً لدى معظم الناس ، فهو ليس كذلك في حياة الفنان الرقيق والمبدع الأستاذ عبد الباسط عبسي، وكل أصدقائه ومحبيه، أينما تواجدوا .. في القرية والمدينة.. بالداخل أو الخارج ، وفي مقدمتهم من شاءت إرادة الرحمن أن يكونوا معه حين التفوا حوله معانقين بحرارة، صباح اليوم الإثنين في مبنى مؤسسة البيسمنت الثقافية بالحي السياسي بصنعاء..، وذلك في ظروف ليست مثالية.

بيد أن أجواء اللقاء الحميم بعبد الباسط، جعلت الناس تنسي متاعبها وهمومها ولو مؤقتا، لتعيش معه.. ومع من قدم تجربته الثرية، أجمل وأسعد اللحظات الروحية والفنية.

70دقيقة استمع الحضور إلى ثلاث أوراق عمل قيمة وثرية ، الشاعر والأديب الزميل محمد عبد الوهاب الشيباني تناول ثنائية الشاعر سلطان الصريمي والفنان عبد الباسط عبسي ..، فيما سلطت الباحثة سمر عبد القوي على صوت المرأة والمنتصر لقضاياها، واستعرض الإعلامي جلال الدوسري سيرة حياة الفنان عبد الباسط ،كصوت الأرض والإنسان.

فعبر تلك الأوراق عاد بنا الزملاء الباحثون خمسين عاما إلى الوراء..وتحديدا منذ لمع اسم عبد الباسط عبسي في سماء الأغنية اليمنية ، مطلع السبعينيات..مرورا بمختلف محطاته بين القرية والحديدة وتعز وصنعاء وسواها..وهي محطات شيقة وشاقة في آن..، تمكن فناننا الموهوب من خلال جهده ودراسته وثقافته من تاسيس مدرسته الفنية،التي تعززت مدامكها بتجربته مع كوكبة مضيئة من الشعراء اليمنيين، حيث اجترح مع كل واحد منهم "ثنائية بين الإبداع الشعري والصوت الغنائي المؤثر " قلما يجمع إنسان بينهما.

ولعلي أذكر هنا، نماذج من الشعراء الذين ارتبطوا بمسيرة الفنان عبد الباسط عبسي ، منذ البداية وماتلاها منهم..، على سبيل المثل لا الحصر :

الدكتور الشاعر سلطان الصريمي..: "واعمتي منو شقول لمسعود"، " ياورود نيسان يا شذى حبي" ، " أذكرك والسحائب"، "أنت يا منيتي"، واراعية ، "حنين الأرض ياسلمى"،" يا هاجسي" ، "متى وا راعية شمطر"، و" لفرحتك
يا عريس" وغيرها.

وللشاعر/محمد عبدالباري الفتيح : "الليل وا بلبل دنا" ، "واقمري غرد" ، "ما أمر الرحيل "، ونحوها.

ومحمد عبد الرب المقطري .."مظلوم معك"، " ساجي العيون"، حظي غدر بي" ، "المعذب وهيام" ،

ولأحمدالجابري "أشتي اسافر "، و محمد عبد القوي"زرع الوفاء و سيل الحب "..، وللصديق عبد الفتاح أحمد عبد الولي" طائر الدان "(*).

تلكم نماذج لأغاني ، جعلت الفنان عبد الباسط الأكثر تاثيرا وشهرة من الفنانين اليمنيين في سني السبعينيات والثمانينيات على الأقل ، لأن حنجرته الذهبية قدمت الكلمة الصادقة المعبرة عن أوجاع اليمنيين، وظروف حياتهم وهمومهم، وأحلامهم، وآمالهم وأفراحهم، وحبهم أيضاً.

في ذات السياق ، عبر الفنان عبد الباسط عن مشاعر المرأة اليمنية وأحساسيها ومعاناتها، جراء ما كابدته في حياتها من نكبات ..كتشرد زوجها ..وتركه لأرضه وأولاده ..،مجسدا مأساة المرأة بنكهته التراثية، وهويته اليمنية ، مع توحده بالواقع والجذور ، مستمدا كل ذلك من مخزونه الجمالي ، والانفعالي، والعاطفي، والإنساني..ملتزما بالعادات والتقاليد.

في هذا البرواز الأنيق ، ثمة في صوت الفنان عبد الباسط عبسي حزن عميق ..دفء يتسرب ، فيحتوى الروح قبل الوجدان ، عبر اختياره لإلحان شجية وجميلة تصل إلى القلب مباشرة ..، تمس أفراح وأتراح، وأشواق اليمنيين للحياة والمستقبل.

وليس مبالغة إن قلت بأن عبد الباسط عبسي، فنانا، شغف بالحزن الإنساني النبيل، فلأغانيه نكهة متميزة بطعم البن ورائحة الأرض..وحبات العرق والهرد والكحل والحناء والكاذي والشقر والنرجس والفل ورقصات السبول والمحاجين فرحة الطيور والمواشي بعد يوم ماطر، وعلى وقع رنين الحجول، وانغام مفردات الحب والجمال والحنين ولواعج الشوق، كما في حالة حب أو هجر أو لقاء بعد طول غياب.

صفوة القول أن عبد الباسط الموهوب والمتواضع والطيب والإنسان أحب فنه وأخلص له..وكان أن حظي بتقدير الجميع، فسكن قلوبهم وعقولهم..، وتلك المشاعر التي فاضت اعتزازا واحتراما بفنانها "الباسط "رأيتها اليوم تتجسد واقعا -على مدى ساعتين- هي عمر الاحتفالية الرمزية بتكريمه من قبل البيسمنت الثقافية.

----------

(*) تفاصيل أكثر ..راجع اوراق العمل المقدمة اليوم ، وهي مهمة وموثقة، وأتمنى أن تقوم إدارة البيسمنت الثقافية ، بطبعها في كتاب مع فعاليات الاحتفال ،لتكون مرجعا للباحثين والدارسين والمهتمين بتجربة الفنان عبد الباسط بخاصة والفن الغنائي اليمني بعامة.

حول الموقع

سام برس