بقلم/ احمد الشاوش
من فضائع الزمن العجيب ان الدكتور أصبح مخبراً والاكاديمي جلاداً والمفتي محققاً والخطيب سفاحاً والسياسي عاهراً والجندي خادماً ان لم تردعه القيم.

مازلت وساظل مصدوماً من هول الكارثة الانسانية التي حولت الانسان اليمني النبيل الى ضحية والدكتور الى وحش مفترس والاكاديمي الى مسعور والموظف بلاقانون يوقف تهوره بعد تحول جهاز الامن السياسي في السبعينات والثمانينات بكل امكانياته الى ذراع حزب او تنظيم أو مجموعة من مراكز القوى العابثة تحت أكليشة الحفاظ على امن وسيادة الوطن ومحاربةالعملاء.

واكثر ماصعقني حتى النخاع هي القصة المأساوية والجريمة البشعة التي رواها لي شخصياً خلال هذا الاسبوع المثقف الرائع والاديب النبيل والشاعر الرقيق والانسان المتواضع الرفيق محمد الاشول الذي تم خطفه من قبل جهاز الامن السياسي عام 1981م وايداعه دار البشائر بصنعاء ، عندما كان قيادياً في حزب الوحدة الشعبية قطاع ذمار.

لم اتوقع اطلاقاً ان الدكتور والاكاديمي صالح سميع ، عضو حزب التجمع اليمني للاصلاح هو المحقق الذي أستجوب المثقف الاشول بتهمة الانتماء الى حزب الوحدة الشعبية ، وممارسة الدكتور العنف المنظم والتفنن في أساليب التعذيب واشباع ساديته وغريزة الاسلام السياسي ووضع " الضحية" على ماستين واستخدام العصاء الغليظة التي جعلت محدثي النبيل يطلق صرخات الاستغاثة الى عنان السماء دون رحمة من شدة الضرب لاجباره على الاعتراف بالقوة التي أنتهكت كرامة وانسانية ومشاعر واحاسيس شاعرنا الوديع.

وبكل قسوة واصل الدكتور " سميخ" كما يحلو له أن تُناديه كتيبة الجلادين ، كفاءته ومهاراته وفنون التعذيب ، مستخدماً الكلبيتين وفي رواية " الكماشة " لانتزاع وقلع اظافر اليد اليسرى للشاعر الحساس دون رحمة ، وكلما قلع الظفر الاول لانتزاع دليل أصطدمت صيحات الضحية بجدران غرفة التعذيب المظلمة بالامن السياسي حتى كادت الجدران ان تدمع من هول وسخونة وشدة الموقف.

كنا ننظر الى النجار الذي ينزع المسمار من الابواب والنوافذ بمهنية دون خدش الالواح الخشبية بعين الاعجاب ، وننظر الى الحداد الذي ينفخ الكير ويشكل الحديد في قالب جذاب يُبهر الابصار ، وننظر الى اعشار المتعلمين من المخبرين والجلادين بنظرة استغراب واحتقار ، لكن عندما يُمارس دكتور واكاديمي ويمني وعربي ومسلم تعذيب المتهم بصورة خارج اطار الشرع والقانون والانسانية فذلك قمة التوحش والاجرام.

ليس من العيب ان يكون الانسان دكتوراً واكاديمياً وخطيباً ومثقفاً وسياسياً ، موظفاً لدى جهاز الامن السياسي والمخابرات العامة والبحث الجنائي بهدف حماية الامن القومي اليمني والسيادة الوطنية وهذه مهمة كل يمني حتى وان لم يكن موظفاً، لكن الجريمة ان يتحول الدكتور والاكاديمي والمثقف ورجل الدين والقاضي والوزير الى جلاد بعيداً عن الدستور والقانون والقيم ، وان يستغل السلطة لتصفية حسابات او خدمة حزب أو جماعة اومراكز قوى أو العمل لخدمة قوى أقليمية ودولية والانتقام من التيارات السياسية والفكرية التي لاتتوافق مع أيدلوجياته ونظرياته ، نتيجة للحرب الباردة بين الولايات المتحدة الامريكية والاتحاد السوفيتي السابق ، او الحرب الساخنة اليوم ، وحتى وان كان الاشول وآلاف المتهمين فالقانون والقضاء هو مرجع الجميع وكرامة الانسان فوق كل اعتبار.

يقول صديقي المثقف والشاعر مازالت أصوات وأصداء وضجيج وصراخ المخبر " كُنن" تتردد في أذني حتى اللحظة ومازال شريط ذكريات ايام التوحش تُذكرني بعد 40 عاماً من واقعة التعذيب وانتهاك الدستور اليمني وانسانية الانسان حتى اللحظة ، لكن المفزع في الامر انه بعد خروجي من الامن السياسي بسنوات ، وعندما أشتعلت ثورات الربيع العربي كنت من أوائل الناشطين الذي بيحث عن العدالة والمساواة والدولة المدنية ، وكانت هناك خيمة للاكاديميين ، ومالفت نظري أكثر وهد كياني وافقدني توازني هو ان الدكتور والجلاد صالح سميع أصبح ثائراً واعتلى منصة الثورة والقى خطاب حنان طنان وبمجرد سماع الصوت وتحليله عدة مرات والتمعن في طبقاته ونبراته واسلوبه وحركاته أيقنت بإن صالح سميع المحقق المجرم أصبح ثائراً الى جانب الضحية محمد الاشول في ساحة التغيير ، وان الثورة في وادي والانتهازيين والقتلة والمسعورين في وادي آخر ينتظرون الفرصة للايقاع بشباب الثورة الشرفاء ومصادرة ثورة الشعب التي كادت ان تُحاكم المتورطين.

أخيراً .. لم يكن الدكتور صالح سميع هو النموذج الوحيد المتخصص في فن التعذيب بل كانت هناك وماتزال كتيبة اليدومي ومحمد قحطان وقائمة تطول من شخصيات متوحشة محسوبة على جميع الاحزاب الذين عذبوا الكثير من الاشتراكيين والناصريين ليس حباً في الوطن وانما وفاءاً للحزب والايدلوجيا وبعض دول الجوار ، وهكذا يتم تدوير التوحش وتوريث الصميل وتفعيل الكلبتين وتحريك العصاء الكهربائية آلياً وغُرف الاسيت لتضييع الجثث لذلك وعندما سقطت القيم انتزعت الرحمة فسقطت الدولة ، فهل يُعيد الشرفاء سمعة هذه الاجهزة وتصحيح الخلل واعتبار التحقيق الراقي والقانون والقضاء هو المرجع في صنعاء ومارب والحديدة وعدن وتعز ،،.. املنا كبير.

وجعلنا من بين أيديهم سداً ومن خلفهم سداً فأغشيناهم فهم لايبصرون.

shawish22@gmailcom

حول الموقع

سام برس