بقلم/ احمد الشاوش
دقات قلب المرء قائلة له ان الحياة دقائق وثواني ، هكذا هي حركة وصيرورة الحياة تختزل عبر قطارها السريع الذكريات الجميلة والاحداث الرائعة ، متجاوزة المآسي والالام والافراح والليالي الملاح ، رغم انها ماتزال عالقة في مخيلة جيل البسطاء والمناضلين الشرفاء .

لحظات وجدنا فيها جيلاً مشبع بالقيم الوطنية والقومية العربية والاسلام ، يندفع الى ساحات التعليم والبناء والعمل ويؤمن بالمشاعر الانسانية والتسامح والتكافل وطهارة القلب وجمال الروح وعبق الحياة والنظرة نحو الغد المشرق.

مازلنا وسنظل نتذكر خطابات الزعيم جمال عبدالناصر من القلب الى القلب التي حركت شعوب العالم العربي ، واغاني واناشيد ام كلثوم وفريد الأطرش وعبدالحليم حافظ ومحمد عبدالوهاب التي كانت حاضرة في كل مقهى وبوفيه وكافتيريا وميدان،،، والزخم الثوري الذي مثل شعلة متقدة نحو معالم الطريق للتحرر من الاستعمار ومخلفاته ، والصناعات المتنوعة والمنجزات العظيمة وحركة البناء المتسارعة التي جعلت مصر والعالم العربي أمام اطماع وتوحش الصهيونية العالمية المدعومة من بريطانيا والولايات المتحدة الامريكية.

تأبى ذكريات ذلك الزمن الجميل إلا ان تذكرنا بحلاوى " ناصر والسلال" وحلاوى " صباح وسميرة توفيق" و " الزعيم معمر القذافي " التي كنا نتسابق عليها في صنعاء لتذوق أصبع أو اقتناء باكت من " حلاوى ناصر والسلال " ذات الالوان البيضاء والصفراء والوردية المعجونة في مصانع مصر الكنانة بقطر الهيل والرائحة الطيبة والطعم اللذيذ والسعر الزهيد..

ولعيون ناصر والسلال ، كنا نتفارق وفي رواية نجمع مع بعض الزملاء المصروف اليومي البسيط ونشتري نصف أو ربع درزن ناصر لنخوض مباراة عالمية في بستان الهبل الترابي أوجربة في شعوب مع فريق الحارة وبعد انتصارنا او انتصارهم تنشب معركة داحس والغبراء ، تنتهي بعد الهزيمة وطلوع الروح والعطش الشديد والتراب الذي حولنا الى شبه اشباح بالرضاء والاخوة وبمجرد تذوقنا حلوى الانتصار تهدأ النفوس وننسى التعب ويزول الارهاق وتختفي الحساسية ويتحول الجميع الى سعداء وبعدها ننفض الملابس كما يضرب أصحاب وصاب الفرش العطب ويتكرر المشهد مجرد ان نصل الى البيوت في صورة غبر الوجيه.

ويعود بنا شريط الذكريات الجميلة على كعك " مسَمَن" و"قرابيا " بيت العجمي اللذيذ، بحارة النهرين ، وحلاوى كبد الفرس الحديدي والمشبك القطيعي العجيب الذي كان بمثابة الهدية الكبرى ، والروتي البسكويت المفتول العضلات المعجون بالحليب والسكر،، بمواصفا وحرفية نادرة وليس كروتي اليوم الذي يُعاني من الكزاز وشلل الأطفال ، ومايزال عبق الفل والكاثي والورد البلدي والريحان والشذاب الفواح والبيض البلدي والدجاج الذي تبيعه القبيليات في سلال القش والتوير والزنابيل من اطراف صنعاء والفرسك والرمان والعنب والبلس العربي والتركي الذي يباع في باب السباح والقاع وشعوب وباب اليمن يغري المتسوقين ويلفت انظار المتجولين.

وماتزال تذكرنا الأيام بدخش وتوهم بيت سعدان جوار الجامع الكبير الذي كان يضرب به المثل لمذاقه وقرمشته وقرع وحب عزيز وقلى المحويتي وفي روايه على مقلوي وآخرين .

وتظل كافتيريا الدالي التي كانت تتوسط ميدان التحرير بصنعاء أشبه بصالون ثقافي ، تصدح فيها أغاني كوكب الشرق ام كلثوم والعندليب الأسمر عبدالحليم وفريد الأطرش واخرين ، مع رشفات الشاي الحليب المتميز الذي كان يقدم للزبون ، ولذاذة سندوتشات وصحون الجبن الكرافت والزبدة والجام ..

انقرضت الكثير من المهن اليمنية الاصيلة من الكوافي الخيزران والصوف والحرير والقاوق والدجلات والكروك الجلد والمشغولات الصوفية، وحلت محلها المنتجات الصينية المنافسة رغم عدم جودتها ، ما ادى الى اغلاق الكثير من المغازل والمنسوجات الشعبية والدكاكين والمحلات التاريخية القديمة والقضاء على حرف وبيوت وارزاق ناس ودعم المنتج الأجنبي بطريقة مباشرة وغير مباشرة ما احدث خلل كبير في التنمية والموروث الثقافي.

واشتهرت الكثير من البيوت الصنعانية بالعديد من الاكلات والاطعمة والحلوى ، حيث تميز بيت الابي بالبقلوة والرواني والشعوبيات والقطايف وشراب الشعير والزبيب ، وكذلك بيت الشعباني والهندي والطبيب وبلة وغليس والاحدب " قحزة" ،، وتميز بيت الجرباني بإنواع الشراب ، وبيت السخي وعبيد بالخل البلدي ، وبيت العطاب والخلقي وغيرهم بالعطارة والمربى ، والكبوس والشوكاني والمطري بالبن والقشر والشاي ، والعزيري بالجنابي الصيفاني ، وبيت ورده والعمراني والماوري بالبن والشاي الحليب والشاي الأحمر .

ومازال شريط الذكريات يُحاكي الاكلات الشهية لامهر طباخي صنعاء التي تسلب العقول ، فيتوقف السواد الأعظم من سكان صنعاء المستعدين للانطلاق الى عالم المقايل للفوز بمقلى سلتة وسبايا وسوسي ولحمة بيت لاهب جوار مدرسة النهضة وسوق الملح وباب السباح وجوار برج تليمن ، وتميز بيت الشوكاني باللحم والمرق الغنمي ، وبراعة المذبحي في اعداد السلتة واللحم وسلتة بيت حميد والخاوي وآخرين.

و أشتهر بيت حويس والعماد وحميشان بالكباب والسلطة وكانت سلطة حويس هي الأشهر ، بينما اشتهر بيت القطاع وبيت سنبل باليورت والسحاوق ، واشتهر بيت النقيب في الطبري بالفول الجرة والتركي في سمره ، وبيت مَسَعد بالبرعي في باب السباح وآخرين.

اخيراً.. تأثر اليمنيون بالأكلات التركية وتفننوا في اعدادها ولم يؤثروا في الثقافة والعادات والتقاليد اليمنية ، وكان سكان صنعاء اكثر الناس مدنية وميلاً الى ثقافة الراحة واللطافة والاناقة والفن وروح النكتة والغناء وأكل الطيبات ، فما الذي غير أوغيب تلك العادات والتقاليد والمشاعر الإنسانية والذوق الرفيع ؟.

Shawish22@gmail.com

حول الموقع

سام برس