بقلم / طه العامري
القضاء مهنة مقدسة ويستمد قدسيته من اوامر وتعاليم الله سبحانه وتعالى التي انزلها على انبيائيه ورسله وهو القائل لادم عليه السلام حين أخرجه من الجنة وامره بالنزول للأرض مع ( أبليس) لعنة الله عليه حيث قال سبحانه ( وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاعب إلى حين ) وقال سبحانه ( قلنا اهبطوا منها جميعا فأما ياتينكم منى هدى فمن تبع هداى فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) صدق الله العظيم ..

ويقول سبحانه وتعالى ( يا أيها آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنئان قوم على أن تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله أن الله خبيرا بما تعملون ) ويقول تعالى ( ومن لم يحكم بما انزل الله فأولئك هم الفاسقون ) ويقول تعالى ( وإذا قلتم فاعدلوا ولوا كان ذا قربى ) وقال تعالى ( ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار ) صدق الله العظيم الذي حرم الظلم على نفسه وأمر عباده وقبلهم أمر أنبيائه ورسله بتكريس قيم العدل بين البشر ولأجل هذه الغاية انزل الله نواميس وتشريعات لعباده وقد أوكلت مهمة تطبيق هذه القيم مع تطور المجتمعات الإنسانية إلى القضاء الذي بدوره عين واختار قضاة واوكل لهم مهمة تحقيق العدل بين الناس بما أمر الله الذي حرم الظلم على نفسه وهو ارحم الراحمين وحرمه على عباده واعتبر الله سبحانه وتعالى الظلم أسوأ الذنوب واقبحها ولأجل ذلك أمر بالعدل بل إن الله سبحانه وتعالى الذي أخرج ادم من الجنة وانزله للأرض وارسل بعد ذلك القوانين والتشريعات المنظمة لحياة العباد من خلال الانبياء والرسل لتحقيق ثلاث غايات ربانية هي : الايمان بوحدانية الله ..والايمان بيوم البعث ..والثالثة هي تحقيق معيار العدل الاجتماعي بين البشر الذين جعلهم الله خلائف له على الأرض ولم يتوقف الأمر هناء بل ربط الله العدل بديمومة الاستقرار المجتمعي ومنح القضاء صفة قدسية وجعل من رسالة القضاة عنوان لاستقرار المجتمعات وربط ديمومة السلطة والنظام السياسي في أي بلد وايضا استقرار المجتمعات بطغيان العدالة وشيوعها في الوسط الاجتماعي وهذه مهمة أوكلت للقاضي الذي يتمتع بسلطة تفوق سلطة الرئيس والملك والأمير والزعيم والقائد والقاضي هو ظل الله في الأرض وإليه أوكلت تحقيق معائير العدل بين البشر وتجسيد شريعة الله وتطبيق قوانينه فلا سلطة تعلوا سلطة القاضي ..؟!

لكن هل يدرك القاضي في وطني أن كل ما نعانيه من الظواهر السلبية ومن الخلافات والحروب والخصومات والقتل والهتك لكل المحرمات سببه غياب العدالة وقصور في فهم رسالة القضاء من قبل القضاة أو حراس العدالة أنفسهم الذين غالبيتهم إن لم يكونوا جميعهم لا يستوعبون الرسالة المؤكلة إليهم ولا يدركون قدسية القضاء ودوره في تحقيق السكينة والاستقرار ..؟!
هل يدرك القضاة في وطني أن وظيفتهم هذه لا تمنح لمن يطلبها ويسعى خلفها وأنها وظيفة تكليف لا تشريف ..؟!
هل ندرك جميعا ونستوعب أن دور القاضي وعدالته عليهما يتوقف استقرار الدولة والمجتمع أو تنهار بسببهما الدولة والمجتمع أيضا ..؟!

قديما وفي عصر القضاة الزهاد الذين كانوا عند اختيارهم لهذه الوظيفة يذرفون الدموع ويتوسلون الخليفة أو امير المؤمنين على اعفائهم خوفا من أن يقعوا في خطاء أو يظلمون طرفا من المتقاضين أمامهم وكانوا إذا فرغوا من مجلس القضاء يذهبون للاعتكاف والاستغفار والتضرع إلى الله ليغفر لهم ويرحمهم خشية أن يكونوا قد أخطأوا في حكم أو مال ميزان عدالتهم لجهة دون أخرى ، ولم يكن هناك درجات تقاضي متعددة المستويات بل كانت الأحكام تصدر من جلسة ومن قاض ولم يكن هناك استئناف أو درجات تقاضي متعددة وانما وجدت درجات التقاضي المتعددة بعد تفشي الظلم واختلال ميزان العدل وخضوع الأحكام للمزاجية والرغبات ..!!
يقال إن شيوع الاختلالات المجتمعية سببها تفشي الظلم وغياب العدالة وفساد القضاء وانحياز القضاة وحبهم للدنياء وملذاتها ونسيانهم للجنة ونعيمها أو لضعف إيمانهم بحقيقة الجنة من عدمها ..؟!

ثمة قول مأثور يقول ( يهلك الله الدولة الظالمة ولو كانت مسلمة ، وينصر الدولة العادلة ولو كانت كافرة ) فالعدل أساس الملك ، والله يقول ، إذ حكمتم بين الناس فاحكموا بالعدل ، فأين العدل في بلادنا ونحن نرفع الاذان خمس مرات باليوم والليلة ؟! اين العدل في بلادنا ونحن نعمر في كل حارة مسجد وفي كل شارع وفي كل حي وتتفاخر ببناء المساجد ومع ذلك نعيش الظلم بكل صوره وتزداد قساوة الظلم في القضاء و رسالة القضاة الذين ينفقون ويظلمون ويرتشون ويبيعون ويشترون برسالتهم وبمهنتهم والقضاء والعدالة ويماطلون في حل قضايا الناس حتى أن هناك قضايا لها عقود أمام القضاء لم يتم البث فيها والسبب القضاة وهناك قضايا صدرت بها احكام جزافية سرعان ما الغتها مستويات قضائية عليا وهناك احكام خيالية صدرت من قضاة بدون حيثيات منطقية عادلة تنم عن جهل القاضي بالقضية كالحكم الصادر بحق إحدى المرافق الطبية مؤخرا وبحق الدكتور والمتصلة بحالة أحد المرضى وهو الحكم الذي لم تشهدها مثيلا له أي دولة في العالم بل لم يصدر سابقا في بلادنا ضد أيا من المرافق الطبية والأطباء في قضايا كانت مسئولية المرافق الطبية والأطباء فيها واضحة ولكن لم يصدر بها أحكاما وهي قضايا تعتد ليس بالمئات بل بالالاف لكن مرتكبيها لم يكونوا في دائرة الرصد والاستهداف أضف إلى ذلك أن البعض لم تتفجر قريحتهم الإنسانية وتتناثر مشاعرهم وعواطفهم إلا في هذه القضية ومع ذلك انا مع معاقبة كل من يستهتر بحياة الناس وخاصة المرضى ويجب معاقبتهم ولكن بعد إدانتهم طبيا وعلميا وان تصدر بحقهم أحكام قائمة على الأدلة الطبية المقررة من قبل جهة طبية مشهودة وان يأتي الحكم القضائي مستندا للأدلة الطبية والعلمية لا أن يستند على مزاجية القاضي الذي عليه أن يدرك خطورة رسالته ومهنته كما يفترض أن لا نتحمس لمثل هذه الأحكام الجزافية التي علينا أن ندرك خطورتها على العدالة والسكينة المجتمعية وان لا يفرح البعض بمثل هذه الأحكام لأنها تقهر خصمه وتنصره بل بالعكس المفترض أن نواجه مثل هذه الأحكام أن كانت رغبتنا بأن تسود العدالة في مجتمعنا ويتحقق العدل في بلادنا وان يكون القضاء مرجعيتنا جميعا ومصدر للاستقرار والتلاحم المجتمعي ، أن القاضي الذي يصدر أحكاما جزافية ومبالغ فيها علينا أن نخشاه ونخاف منه لأنه يكون أشبه بمجنون حامل بندقية ويطلق نار عشوائية في شارع مكتض بالمارة ..؟!

نعم فهذا القاضي قد يصدر غدا حكما بإعدام ( س ) من الناس أو بتطليق ( ص ) من زوجته أو حرمان ( س وص) من حق شرعي مكتسب ، ولما لا والقاضي هو ظل الله في الأرض وهو مصدر العدالة والشريعة ويملك سلطة هي أقوى وأعلى من سلطة رئيس الجمهورية أو القائد العام للجيش والقاضي اكبر من وزير العدل نفسه ..؟!

ولأجل ذلك لابد من تصحيح دور القاضي ورسالته وتذكيره بأن القضاء ليس مجرد وظيفة للتكسب وتحقيق الطموحات الذاتية بل للقضاء قدسية والقاضي رسالة يجب أن يرتقي بها إلى مستوى ما أنزل الله من قيم ونواميس وان يأخذ بالحسبان لحظة وقوفه أمام الله سبحانه وتعالى الذي يغفر الذنوب جميعا ما عداء الشرك بالله والاضرار بالناس ..والله من وراء القصد

يقال أن ( ليس القوي من يكسب الحرب دائما وإنما الضعيف من يخسر السلام دائما ,,ويقال لو اعطيت الاحمق ( خنجرا) أصبحت قاتلا.. !!!

حول الموقع

سام برس