بقلم/ محمود كامل الكومى

على مر التاريخ .. كانت نقابة المحامين ,تقود وتؤثر في تاريخ الحركة الوطنية المصرية , وتدفع ديناميكيتها إلى أفق مشوب بالصدام مع السلطة لتعصف بها , كما حدث حين وقع السادات كامب ديفيد فَجَار على مجلسها وعين مجلس سلطوي يدير.

كان نقباء المحامين من رموز الحياة السياسية والقانونية في مصر، وعلى مدار أكثر من 100 سنة تعاقبوا على النقابة، بداية من إبراهيم الهلباوي إلى سامح عاشور, لكل منهم سجلاً ضمن مجلس النقابة في الحياة السياسية والتشريعية والقانونية.

أحداث , ووقائع شهدتها النقابة رفعتها عنان السماء قوميا , وتدنت بها دراماتيكياً – والدراما المأساوية كانت ذروتها 19 يناير 1989 يوم عزل أحمد الخواجة ومجلسة تنفيذا لأحكام تحصل عليها الدكتور محمد عصفورفى دعاوى رفعها ضد نسيج اخطبوطى يحمى سيطرة النقيب على النقابة عشرات السنين – ورغم مثالية الدكتور عصفور إلا أن أنقلات أحمد ناصر المحامى ولجوء النقيب الخواجة إلى حضن السلطة جعل المنظر عبثي يجمع بين الدراما والكوميديا – والتي انتهت إلى فرض القوه لإجبار النقيب على ترك النقابة .

لكن ذلك لم ينفذ لأسباب تُعزى أمنيا , ولسامح عاشور ورفقاء من محامى الصعيد , دور في حماية الخواجة وأستمرار كرسيه قبل أن تميد أرجله.

برز نقابيا في منتصف الثمانينات ( ناصرياً هُمام – صاعداً واعداً بإتقان) حين تبوء مقعد الشباب في نقابة المحامين – وقبلها عرفته الحركة الطلابية في السبعينات في اتحاد طلاب حقوق القاهرة و مُدشن لأندية الفكر الناصري بجامعة القاهرة وكل الجامعات المصرية – ودينامو للقاء ناصر الفكري الذي كان يعقد سنويا بجامعة عين شمس , وأصغر معتقل بين رموز مصر الذي وضعهم السادات في السجون بتهمة معارضة كامب ديفيد .
كان مقعدي الشباب فى مجلس النقيب أحمد الخواجة يسيطر عليهما سامح عاشور( الناصري) ومختار نوح (الأخوانى), وصار بينهما الصراع ورغم قوة تنظيم الأخوان ,إلا أن سامح عاشور قد فرض نفسه بخلفيته الناصرية القومية العربية ولباقته وشبابه وفكره السابق سنه لكنه ابتدع ديناميكية أسست لنقابة فتيه من خلال مؤتمرات المحامين الشبان التى كان تعقد دوريا في سبتمبر من كل عام , وقد بدأت موضوعية تبحث قضايا مهنيه ووطنية وقومية وأفرزت العديد من شباب المحامين كانوا طليعة العمل النقابي والسياسي , لكنها انتهت سياحية عبثية لتساير زمن التسطيح والغاءالفكر واللعب ع الحبال فوصمها التبذير والإسراف وصارت للمحامين ككل وليست للشباب,فقد تلألأت في عصر سامح عاشور العضو النقابي وأنظفأت فى عصر سامح عاشور النقيب.

كان الشاب الناصري له رؤية ذاتية تطلعية – يراها الكل قيادية- , فهو يرنو إلى كرسي النقيب -وهو أصغرالأعضاء سنا – الذي بمقاس أحمد الخواجة ولم يزحزحه عنه الا الموت .

من مكتب بباق اللوق بالقاهرة , الى مكتب فخم فى مواجهة محكمة النقض يليق بكرسي عرش النقابة ,أستعد سامح عاشور, وعندما فارقت الروح النقيب ,لم يكن أمام الشاب الصاعد إلا الأستاذ صبري مبدي أمين عام النقابة المتطلع نقيبا , والمتمتع بعضوية مجلسي البرلمان ومن قبل عضوا بالتنظيم الطليعي ,ثم بحزب التجمع اليساري , وانتهى قريبا من أحضان السلطة .

وبدأ التراشق الذي لم ينتهي إلا لحظة أن فارقت روح صبري مبدي الحياة ,فصار الطريق إلى كرسي عرش النقابة مفروشا ًبالورود ل سامح عاشور, وغدا الصراع محتوم بينة وبين تنظيم الأخوان من جانب والسلطة من جانب آخر, أنتهي لصالح سامح عاشور – ماقبل ثورة يناير تحالفت السلطة وحزب مبارك مع الأخوان ضد سامح عاشور حين أتى الأخوان بنقيب إلى الحزب الوطني قريب وأمام كرسي عرش النقابة كان صغير ,لكن سرعان ما عاد سامح عاشور- بعد ثورة 306- أكثر قوة وصولجان .

كان سامح عاشور عفيف لايقرب المال العام , لكنه كان يتغاضى عن المفسدين , ليتوارى الجميع ويبقى هو المدير لكل شىء فى نقابة المحامين , وذلك ميراث أحمد الخواجة, فعم الفساد ربوع الجهاز الأدارى وبعض الأعضاء والنقابات الفرعية وتلك كانت لاتفرز أعضائها إلا من خلال من هم ليست فى بؤرة شعورهم المحاماة فصار العمل النقابي التطوعي مصدر ارتزاق وصار لأمن السلطة دور فى الاختيار – وكان الواقعة التي تجلت فى توضيح ذلك , هذا الذي فُرِض على قائمة عاشور فى مجلس النقابة المنتهية ولايته , وهو يعلم أنه قد أوشى بالمحامين الوطنيين وكان رمزا للفساد فى إحدى النقابات الفرعية ,ففاز من خلال قائمته بالعضوية فصال وجال فى النقابة العامة فساد , فكافأه عاشور بعضوية المكتب الدائم للمحامين العرب ,فبدا الميزان يختل وبد أن الأرض تميد لكن الانهيار لم يتحقق إلا بعد أن حول البرلمان المصري القاعدة القانونية من عامة مجرده إلا خاصة مخصصة لصالح عاشور ليتمكن من الترشيح بعد دورتين متتاليتين ,فصارت نقابة المحامين من ترزية القوانين تجسد لديكتاتورية الفرد .

كان عاشور نجم بازغ فى سماء اتحاد المحامين العرب منذ شبابه فجدد شباب مكتبه الدائم ,وصارت مؤتمرات المحامين تموج بروح الوطنية والاستقلال والقومية العربية ومقاومة الصهيونية والاستعمار واستبداد الحكام , وحين صار الرئيس فقد اتحاد المحامين العرب استقلاليته وخضع لمتطلبات السلطة فى الدول العربية , ومُرِر نفر إلى المكتب الدائم من لايؤمن بالروح القومية العربية ومن يحارب الناصرية .

لكن يبقى للرجل أنه حمى مهنة المحاماة من الدخلاء فنقى الجداول , ومنع أصحاب التعليم الهوائى والمتدني من ولوج النقابة , وزاد المعاش وصار العلاج يحقق ما تخلت عنه الحكومة , وسيظل التاريخ يذكر لعاشور ذلك من نور.

فى 1532020السالف جرت انتخابات نقابة المحامين المصريين ولم يحالف الحظ سامح عاشور لأسباب أوردناها فيما سلف ولم يشفع له الإنجازات , لكن المفسدين على قائمته ومن يوشون بالشرفاء كانوا السبب الرئيس فى هذا السقوط , لكنهم فى غالبيتهم مروا – بفعل استثنائي – وفازوا بعضوية النقابة وهذا درس للجميع (من يستعين بالشيطان الرجيم يكتوي بمازج من ناره) .

ومع الأسف الشديد فلم يكن تغيير النقيب و أنتحاب نقيب جديد للمحامين للأحسن , لكن انتخابات تضع الصندوق أولا وأخيراً قبل أن تُفَعِل آلياتها من أجل القضاء على الفقر والجهل والمرض , لابد أن تفرز من كان عنوان حملته الانتخابية القضاء على أنجاز تنقية الجداول ومنع من لايمارسون المحاماة وعدم قيد أصحاب التعليم البهلواني المفتوح , وتفرز كذلك الذي دافع ونادي بسعودية تيران وصنا فير، وهاجم 25 يناير، وأيد عار كامب ديڤيد ليقود من كانت قلعة للحريات , وبذلك رضيت عنه السلطات ,وصار مع من كانوا على قائمة عاشور وباعوه من أجل هكذا نقيب .

ليثور السؤال ..أى طريق لأتحاد المحامين العرب؟
يعض البعض الأنامل نادمين مرددين ليتنا أدركنا قولة مظفر النواب " مولاي ... أنا في صف الجوع الكافر، ما دام الصفّ الآخر يسجد من ثقل الأوزار" !

وأقول يجب أن نتعلم الدرس وندرك الأخطاء ونناضل لنقضى على الجوع الكافر وكل الأوزار .


*كاتب ومحامى - مصري

حول الموقع

سام برس